في مجلس الأمن بشأن السد. وكان وزير الخارجية الإثيوبي، غيدو أندارغاشو، قد اكد في تصريحات صحفية، أن بلاده ماضية في ملء السد خلال الشهر المقبل حتى لو لم يتم التوصل الى اتفاق، معتبرا أن ذهاب مصر بملف السد لمجلس الأمن «لا تأثير له» في ظل حق أديس أبابا في التنمية. وقد أكد الكاتب والصحفي عماد عمر في حديث لـ«المغرب» ان أزمة سد النهضة تأخذ بعدا إقليميا ودوليا وانه بالرغم من تفجر الازمة الا ان احتمالات التوصل إلى حل من خلال التفاوض تظل قائمة لعدة أسباب.
• كيف تنظرون الى أزمة سد النهضة وتداعياتها على الوضع المصري؟
أزمة سد النهضة تستمد أهميتها من ارتباطها بنهر النيل شريان الحياة في مصر. وبالتالي فهي مسألة وجود.. مسألة حياة أو موت بالنسبة للمصريين الذين يعتمدون على نهر النيل في تلبية 90 % من احتياجاتهم المائية. وأي مساس بمياه النيل يعني المساس بكل أوجه الحياة على أرض مصر، وبأرواح سكانها الذين يتجاوز عددهم 100 مليون نسمة. وهذا على الصعيد الداخلي، فضلا عن تأثيرات الأزمة على علاقات مصر بدولة لها روابط تاريخية معها مثل أثيوبيا وما يمكن أن تحدثه كذلك من تعكير في العلاقات على مستوى القارة الأفريقية بصورة عامة، وكذلك على علاقات أثيوبيا مع الدول العربية. وليس من قبيل المبالغة القول إن للأزمة بعد دولي بامتياز بدليل اهتمام الولايات المتحدة والبنك الدولي بالتدخل في الحوار بين مصر واثيوبيا والسودان بعد نحو عقد من المفاوضات دون حل.
• ما الخطوات المصرية المقبلة لحل الأزمة؟
المتابع لتعامل مصر مع أزمة سد النهضة يلاحظ مدى ضبط النفس في التصريحات الرسمية، ومدى الصبر وطول النفس في خوض مفاوضات مرهقة على مدى عقد من الزمان. هذا الأسلوب يعني أن مصر تحسب خطواتها جيدا في التعامل مع هذه المشكلة الحيوية بالنسبة لوجودها ولحياة سكانها. وحرصت مصر دوما على دفع أثيوبيا إلى مائدة المفاوضات في حوار جاد، وعملت على إضافة أطراف دولية بما يفيد في توثيق المواقف. وقرار إحالة الأمر الى مجلس الأمن جاء كخطوة تصعيدية محسوبة مع اقتراب الموعد الذي تتحدث عنه اثيوبيا لبدء ملء خزان سد النهضة، ومع تأكد القاهرة من أن عملية التفاوض أصبحت مجرد اهدار للوقت.
وحاول البعض أن يمد الخط إلى مداه، وأن يقرأ من خطوة اللجوء إلى مجلس الأمن أكثر مما صرحت به مصر. لكن وزير الخارجية المصري سامح شكري قال بوضوح إن الحكومة المصرية لم تهدد بعمل عسكري وسعت إلى حل سياسي، وعملت على إقناع الشعب المصري بأن لأثيوبيا الحق في بناء السد لتحقيق أهدافها التنموية.
ومع ذلك، أوضح شكري أنه إذا لم يتمكن مجلس الأمن من إعادة إثيوبيا إلى طاولة المفاوضات قبل ملء السد «فسوف نجد أنفسنا في وضع يتعين علينا التعامل معه». وبكل حزم وصراحة قال «عندما يحين الوقت، سنكون صريحين وواضحين للغاية في الإجراء الذي سنتخذه.»
هذه الرؤية الواضحة تبين أن مصر ترفض أن تستبق الأحداث، وترفض الانجرار إلى أحاديث الحرب، لكنها تؤكد انها ستكون واضحة تماما في الاجراء الذي ستتخذه إذا حان الوقت. وتصريحات الوزير فيها قدر من الدبلوماسية يبقي كل الخيارات مفتوحة للرد على مثل هذا التهديد الوجودي.
• ما مدى امكانية تفجر الوضع وهل يمكن ان يصل الى تصعيد عسكري؟
من الناحية النظرية، قد يبدو الوضع متجها نحو التفجر لكن التقييم الأوسع للوضع يرجح احتمالات التوصل إلى حل من خلال التفاوض لعدة أسباب. أولها أن التهديدات الإثيوبية من الناحية الفعلية ليست بالجدية وليست بالخطورة التي تظهر بها. فالسد من الناحية الانشائية لم يصل إلى مرحلة تتيح لإثيوبيا بدء الملء بالطاقة القصوى والتي تلوح بها إثيوبيا. لكن لهجة التحدي في التصريحات تبدو موجهة أكثر للاستهلاك المحلي وكسب أصوات الناخبين رغم تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في أوت.
وعدم وجود تهديد حاد من الناحية الواقعية يعطي الحكومة مساحة للحركة. وهي هنا تهتم أكثر بمسألة إقرار مبدإ إطلاق يدها وأن تكون صاحبة القرار في مياه النيل. وتبدو الدبلوماسية المصرية منتبهة تماما لذلك، وتعمل بدورها على إقرار مبدإ مراعاة مصالح دول المصب ووضعها في الاعتبار عند اتخاذ القرار. وقد أكد خطاب الإحالة المصري إلى مجلس الأمن أن القاهرة تسعى إلى حل يراعي مصالح الدول الثلاث لا مصلحة مصر فقط.
والنقطة الثانية، أن الحكومة الإثيوبية تقول إنها تسعى من خلال إنشاء السد إلى انتشال ملايين الإثيوبيين من الفقر، فكيف تبرر لهم قرار الإلقاء بهم في صراع عسكري بكل ما يحمله من أضرار غير محسوبة.
والنقطة الثالثة، هي أهمية أطراف الأزمة على الصعيدين الإقليمي والدولي بما يعني وجود دوافع قوية لمنع انجرارها إلى صراع عسكري.
ويبدو ان إثيوبيا تطبق سياسة حافة الهاوية بدفع الأمور إلى أقصى ما تستطيع لكنها في الأغلب ستقف قبل الانزلاق من على تلك الحافة.