ليبيا ... مسرح جديد للتنافس التركي الروسي في البحر المتوسط

في ظل الانشغال الدولي بالتداعيات السلبية للجائحة وكيفية احتواء الضرر الكبير الواقع على الاقتصاد العالمي إجمالاً وإشكاليات المنظومة الصحية لكل دولة،

استفادت تركيا من التعطيل الذي طرأ على المسارات السياسية للملف الليبي بما فيها مسار برلين . ولم تحل مناشدات الاتحاد الاوروبي لوقف القتال والالتزام بالهدنة واحترام القانون الدولي الإنساني ومحاسبة منتهكيه دون حدوث تغييرات استراتيجية لها تأثيرات مستقبلية علي مسار المسألة الليبية.

وتمكنت أنقرة من التمدد في الغرب الليبي وفرض واقع جديد علي الأرض ، اعتماداً على الاستخدام المكثف للطائرات المسيرة من طراز ‘ بيرقدار ‘ التي تنتجها شركة مملوكة لصهر الرئيس التركي والاستعانة بعناصر أجنبية ‘تركمان’ للقتال ضد قوات الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر بدعوي الدعم العلني من قوي دولية من أجل تحقيق توازن قوي بين الفرقاء الليبيين يدفعهم للقبول بالتفاوض السياسي مجدداً. ويلاحظ في هذا الإطار أن أنقرة قد استفادت من تجربة إدلب وتتفادي القتال المباشر في الغرب الليبي من خلال قوات تركية واكتفت بوجود خبراء ومستشارين عسكريين في قاعدة معيتيقة للإشراف علي العمليات العسكرية وإدارتها.

لا يمكن إغفال ان الساحة السورية قد أعطت كلا من أنقرة وموسكو خبرة نسبية في استخدام الأدوات السياسية والعسكرية المتاحة وخلق مناورات تسمح بإيجاد موطىء قدم ‘ فاعل ‘ في كافة الملفات الساخنة بمنطقة المتوسط وإدارة حلقات التنافس المتواصلة مع قوى دولية اخرى لها مصالح استراتيجية بالمنطقة، أخذا في الاعتبار الارتباك الذي يسود التحركات الأمريكية والأوروبية تجاه المستقبل الجيوسياسي لمنطقة المتوسط الغنية بالثروات النفطية والدور التركي - بالوكالة - لوقف تنامي التهديد الروسي لمناطق نفوذ حلف الناتو. وتجدر الإشارة هنا إلى انه على الرغم من اتفاق المعسكر الأنغلو سكسوني ( الولايات المتحدة ، بريطانيا) على غض الطرف عن التدخلات التركية في الشأن الليبي ، إلا أنه علي سبيل المثال هناك إختلاف في وجهات النظر داخل الإدارة الامريكية حول حجم ومخاطر التواجد التركي في ليبيا على المديين المتوسط والطويل .

وليس بالأمر الخفي تحول الساحتين السورية والليبية إلى فناء متسع لتدفق الأسلحة المتطورة والمرتزقة الأجانب وتحول كل منها لساحة حرب -بالوكالة -بين قوى دولية وتحالفات إقليمية ، وقد استفادت أنقرة من موازين القوى الهشة والمتغيرة لضمان النظر إليها كلاعب فاعل في كل من المشرق والمغرب العربين. ونود هنا ان نجذب انتباه الدوائر السياسية والإعلامية في محيطنا العربي إلى نوايا أنقرة التي لا تتوقف عند مجرد دعم حكومة الوفاق إذ تتواتر الأنباء عن توصّل الأخيرة الى اتفاق دفاع مشترك مع دولة في المحيط الجغرافي المجاور لليبيا ، لتثبيت النفوذ التركي في الاراضي الليبية من خلال تحويل قاعدة ‘ الوطية’ إلي قاعدة عسكرية تابعة لأنقرة . الأمر الذي يفرض نسخة منقحة من الادعاءات التركية بوجود روابط تاريخية متعددة مع الشعب الليبي ، وغير ذلك من سوابق عثمانية ومخاطر أخري تمس من مستقبل النسيج الوطني الواحد وتماسك الاراضي الليبية ووحدتها .

وفي عودة إلى المستجدات الميدانية في الغرب الليبي ، فانه بالتوازي مع الاشتباكات الجارية في محاور (الزطارنة ، وعين زارة واليرموك) فإن الحشد العسكري من الجانبين مستمر، اذ قام طيران مسير تابع للجيش الوطني الليبي بشن غارة علي محيط كوبري جندوبة الذي يقع بجانب الاصابعة، مع تحركات طائرات أنتينوف روسية من مطار بني وليد . كما توجهت يوم الاثنين 25 الجاري ، 4 طائرات من اسطنبول إلي غرب ليبيا ( طائرتا شحن C130 تتبعان سلاح الجو التركي احداها تتخفى تحت رمز سلاح الجو الكيني وتتجهان إلي مصراتة، والثالثة اليوشن التابعة للوفاق 5A-POL التي لم تنقطع رحلتها منذ ما يقارب 3 شهور لمصراتة، والرابعة سيسنا C65X وتقترب من الهبوط في مطار معيتيقة ) .

وبهذا، فإن التحول الذي طرأ علي وضعية قاعدة الوطية الاستراتيجية ستكون له دلالات علي مستقبل تسوية الأزمة الليبية وتأثيرات محتملة على وحدة الأراضي الليبية وتماسكها . وفي التقدير أن الحشود التركية في الأيام القليلة الماضية تهدف بالأساس إلي الانطلاق باتجاه ترهونة ( تقع جنوب شرق طرابلس ، ومعقل اللواء التاسع مشاه ) أملاً في استمرار الزحف نحو الهلال النفطي مع احتمالات فتح جبهات موازية في الجنوب ، لمحاولة السيطرة علي قاعدة الجفرة التي بها تحصينات قوية تعززت بوصول مقاتلات روسية الصنع من طرازي ميغ وسوخوي. وما دمنا قد بدأنا باستعراض الطموحات التركية في الغرب الليبي ، فإننا نشير إلى ان بعض التقارير الميدانية ترصد مساعي روسية لإنشاء قاعدة عسكرية في منطقة خليج

البمبة بالشرق الليبي (60 كم جنوب درنة ).

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115