على أن تنهي واشنطن وجودها العسكري في العراق لاحقا، وذلك في ختام الحوار الاستراتيجي بين واشنطن وبغداد والذي انطلق يوم أمس الأول بحضور خبراء ومختصين من الجانبين. ويواجه الحوار الذي انعقد بين الطرفين انتقادات وحملة من التشكيك في نتائجه على المديين القريب والبعيد.
ووفق بيان مشترك للحكومتين عقب الحوار الإستراتيجي الذي انطلق عبر دائرة تلفزيونية مغلقة أكد الجانبان أنه «في ضوء التقدم المتميز بشأن التخلص من تهديد تنظيم داعش، ستواصل الولايات المتحدة خلال الأشهر المقبلة تقليص عدد قواتها في العراق وستواصل الحوار مع حكومة بغداد حول وضع القوات المتبقية». وتابع البيان أن ذلك يأتي «بينما يحول البلدان قواتهما نحو التركيز على تطوير علاقة أمنية ثنائية قائمة على المصالح المتبادلة القوية».ولم يشر الاتفاق لتفاصيل عدد القوات التي سيتم خفضها والمدد الزمنية اللازمة لتنفيذ الإتفاق.وأكد البيان أن «الولايات المتحدة لا تسعى ولا تطلب قواعد دائمة أو وجودا عسكريا دائما بالعراق، مثلما تم الاتفاق عليه في اتفاقية الإطار الاستراتيجي لعام 2008 التي تنص على التعاون الأمني على أساس الاتفاق المتبادل».
وتعهدت حكومة العراق،وفقا للبيان المشترك «بحماية القوات العسكرية للتحالف الدولي، وحماية المرافق العراقية التي تستضيفهم بما ينسجم مع القانون الدولي والترتيبات المعنية بخصوص تواجد تلك القوات وبالشكل الذي سيتم الاتفاق عليه بين البلدين».وفي الشق السياسي، أكدت الولايات المتحدة، حسب البيان المشترك عن «دعمها للعراق وحكومته الجديدة، والمساعدة في تطبيق برنامجه الحكومي والإصلاحي بالشكل الذي يلبي طموحات الشعب».وتابع «بما في ذلك مواصلة الجهود الإنسانية، واستعادة الاستقرار، وإعادة إعمار البلد، وتنظيم انتخابات حرة وعادلة ونزيهة».
وأضاف البيان أن «الولايات المتحدة تؤكد دعمها المتواصل للتحضيرات التي يجريها العراق للانتخابات، وجهود دعم سيادة القانون، وحقوق الإنسان، وإعادة النازحين وتسهيل عملية اندماجهم، ولاسيما الأقليات في المجتمع العراقي التي تعرضت للإبادة على يد تنظيم داعش».
وفي الشق الاقتصادي، قررت واشنطن، حسب البيان «تزويد بغداد بالمستشارين الاقتصاديين للعمل بشكل مباشر مع الحكومة، من أجل المساعدة في تعزيز مستوى الدعم الدولي لجهودها الإصلاحية».وأضاف «بما في ذلك الدعم المقدم من المؤسسات المالية الدولية فيما يخص الخطط الجدية لتشريع إصلاحات اقتصادية جوهرية».
وفي بداية العام الجاري أكدت الحكومة العراقية على أنها لن تتراجع عن قرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الأجنبية وخاصة الأمريكية من الأراضي العراقية. يشار إلى أن البرلمان العراقي أعلن يوم 5 جانفي المنقضي التصويت بالأغلبيّة على قرار يطالب الحكومة بإنهاء تواجد أي قوّات أجنبيّة على الأراضي العراقية وذلك على خلفية الغارة التي نفذها البنتاغون وزارة الدفاع الأمريكيّة في العراق واستهدفت الرجل الثاني في إيران الجنرال قاسم سليماني وعددا من قادة الحشد الشعبي العراقي ماخلّف غضبا محليا وإقليميا حادا.
وتضع التطورات العسكرية -التي شهدتها المنطقة العربية منذ استهداف أمريكا للجنرال سليماني وردّ إيران بقصف قاعدتين عسكريتين في العراق - هذه التطورات العراق أمام خيارات محدودة أولهما السير قدما في قرار إخراج القوات الأجنبية وتحمل مايترتّب عن ذلك من نتائج أو حصر دور القوات الأجنبية في تدريب القوات الأمنية العراقية ومساعدتها على ملاحقة «الدواعش» وذلك يتم بالعودة إلى قرار سبق طرحه أمام البرلمان العراقي وينصّ على ذلك.
ورغم أنّ الحكومة العراقيّة ذهبت إلى الخيار الأول رغم ما قد يترتب عنه من تنفيذ أمريكا لتهديداتها بفرض عقوبات قاسية على العراق ، يرى البعض أنّ هذا القرار قد يضع العراق في مسار جديد لإعادة ترتيب بيته الداخلي والخارجي والنأي بنفسه عن التجاذبات الخارجية وحماية سيادته من الانتهاكات المتكررة.
مصلحة عراقية خالصة
من جهته قال الباحث العراقي هشام الهاشمي أن «هذه الحوارات التمهيدية ستكون جيدة، وان العراق يمتلك خبراء ومحاورين قادرين على الخروج بمكاسب عديدة ولدي طمأنينة عالية حيال مهارة الفريق العراقي، إن هذه الحوارات ومن ثم الاتفاقية تحسن الوضع من ناحية الهدف الذي نبتغيه كمصلحة عراقية خالصة، لذا على الاتفاق أن يسلب من أمريكا وإيران قدرتهما على أن تكون دولة العراق دولة قاصرة. تحتاج لوصاية من كلاهما أو أحدهما’’ وفق تعبيره.
وأضاف ‘’أعتقد أنهم فريق ماهر ومحترف وليسوا ساذجين وأعتقد أنهم يدركون هذا كما يدركه أي شخص عاقل أنا أخشى بأن تكون هناك رغبة في تحقيق إنجاز في أسرع وقت ولكسب إنجاز دبلوماسي، كما أن حلفاء إيران لعبوا دورا جيدا وقالوا شروطهم، وعلى الفريق المحاور العراقي أن يقول لهم امنحونا الفرصة فأنتم لا تريدون مواجهة أشخاص مثل ترامب، أو رؤساء الملف العراقي في البيت الأبيض، نحن وطنيون معتدلون، هذه الاتفاقية جيدة سوف تكون جيدة إذا جعلنا مصلحة العراق قبل كل شيء».
وأضاف ‘’ينتشر في العراق قرابة 8956 جنديا من التحالف الدولي منهم 6132 جنديا أمريكيا حسب وثيقة صادرة عن مكتب رئيس الوزراء المستقيل في 11 مارس 2019، في إطار تحالف تقوده الولايات المتحدة لمساعدة القوات العراقية في التصدي لتنظيم داعش الارهابي، لكن هذا العدد تراجع بشكل ملحوظ في نهاية مارس 2020. ويعمل التحالف على إعادة مدربين إلى بلادهم في تدبير احترازي على خلفية تهديدات أمنية وانتشار فيروس كورونا المستجد’’ وفق تعبيره.
وأشار الكاتب العراقي إلى تجدد تهديدات الفصائل قبيل انطلاق الحوارات التحضيرية بين واشنطن-بغداد،حيث لم تعترض تلك الفصائل وأحزابها على الحوار من حيث هو حوار، علما أن الحوار متفق عليه وعلى مواعيده وقائمة المحاورين في الجولة الأولى من قبل حليفهم المستقيل عادل عبد المهدي، واعتراضهم حول أسماء في قائمة المحاورين.تاريخيّة جسّدتها وزارة الخارجية العراقية عام 2008، من حيث أنّه لم يحدث حوار خارِج سلطة الساسة الشيعة وقائمة المحاورين في ذلك الوقت لم تخلوا من حملة الجنسيات الأجنبية، واعتبرت المحاورات ناجحة، وكلّ محاور ماهر يحاول أنْ يجعل من تلك التجربة معيارياً للنجاح وفي ذات الوقت تاريخا له» .
وتابع «رغم أن التهديدات مكررة ومن نفس النوافذ، فأنها قد تكون غير جادة خاصة بعد زيارة اسماعيل قاني الأخيرة إلى بغداد، التي أشعرت بغداد برغبة إيران بالتهدئة وفي نفس الوقت لم تحمل تلك الزيارة أي رسائل معلنة أو سرية عن انتقاد إيران لمبدإ الحوار أو حتى انتقاد أسماء المحاورين العراقيين. وهي اشتراطات الفصائل وأحزابها على صفات الوفد المحاور العراقي ليس ببدع من القول، إذا مرت عبر الطرق السياسية والحزبية المتبعة، علما أن قادة الكتل السياسية على اطلاع تفصيلي بالمجريات التحضيرية للحوار القادم، اقترانها بالتهديد ربما يؤشر فشلهم بفرض أشخاص بعينهم على قائمة المحاورين. على حد قوله .
وتابع ‘’هذا التصعيد السياسي الشيعي حول صفات المحاور، قد حفز قيادات الكتل السنية والكردية والأقليات إلى تفحص القائمة من قبلهم وإصرارهم على فرض أسماء المحاورين بناءً على مخاوفهم من إقصاء وتهميش حقوقهم في هكذا حوارات تاريخية ومفصلية بالنسبة لوجودهم السياسي أو لمصالح مكوناتهم وحلفائهم. كما أن فريق الكاظمي الخاص بجولات الحوار والتفاوض يـتفهم شـكوكية الأحزاب السياسية الشيعية والفصائل المسلحة تجـاه النوايا الأمريكية››.