سوريا ...وضغوط الإرهاب الاقتصادي

في جعبة الشرق الأوسط، هناك أولاً، حرب ذات امتداد دولي تشارك فيها قوى كبرى تبدل سياساتها حسب أولوياتها ومصالحها بالعنف والإجرام،

والكثير من عناصر المال والسلاح الموظفة في الحرب تدفعها إما صراعات بالوكالة بين القوى الكبرى والقوى الإقليمية أو تدخلات عسكرية مباشرة لبعض هذه القوى، وثانياً الإرهاب الاقتصادي الذي يعد من اخطر التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي في الآونة الأخيرة والراهنة والذي أصبح يهدد السلام العالمي أجمع .
مع تطور النظام الاقتصادي، وسهولة عمليات تحرك الأموال، أصبح من أهم العوائق ما يتعلق بوضع ضوابط لمكافحة تمويل الإرهاب، إذ يواجه الاقتصاد العالمي مخاطر خفية تتصل بتيسير حركة المال وإزالة كل أشكال الرقابة عليها، حتى أصبحت سريعة، ومن هنا استفادت التنظيمات الإرهابية من تلك التطورات الاقتصادية وأصبحت التعبئة والتجنيد يقومان عن طريق شبكة مصالح وتحالفات دولية مرتبطة بالجماعات الإرهابية، بالإضافة إلى وضع برامج للتدريب على الإرهاب عبر الإنترنت، فعلى سبيل المثال استفادت بعض التنظيمات الإرهابية من النظام التكنولوجي وشبكات الخدمات المالية عبر الإنترنت مثل عملة «بيت كوين bit coin »، وهي عملة افتراضية وضعها البعض على الإنترنت كوسيلة للتداول على السلع، واعتمدت بعض المواقع هذه العملة الافتراضية، ووضعت لها قواعد للمقاصة بينها وبين العملات الأخرى ، وهناك تجارة الفوركس التي لها دور كبير في غسيل الأموال، وتمويل هذه التجمعات

وفي المقابل توسع مفهوم وممارسة الإرهاب لدى الحلف المعتدي على سوريا، الداعم للإرهاب الدولي وعلى رأسه الإدارة الأمريكية التي لم تعد تكتفي بدعم المجموعات الإرهابية والانفصالية في سوريا أو غيرها من الدول التي تقاوم السياسات التدخلية والعدوانية الأمريكية بل باتت تعتمد على الإرهاب الاقتصادي والصحي والسياسي لتحقيق مصالحها الخاصة من خلال

فرض العقوبات الاقتصادية على سوريا وتشديد الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب التي خرقت كل المواثيق والأعراف الدولية ذات الصلة، وانتهكت حقوق دولة ذات سيادة، فكان حصار لقمة المواطن السوري قبل أي شيء آخر، بالإضافة إلى إعاقة القدرة على توفير الحاجات الأساسية ومواجهة وباء كورونا في سوريا، وبالتالي إضعاف قدرة القطاع الطبي العام والخاص في سوريا على استيراد الأدوية والمواد الطبية بسبب استهداف هذه الإجراءات الصارمة للقطاع المصرفي السوري وخاصة في مجال التحويلات المصرفية الأجنبية إلى جانب تأثيرها على قدرة القطاعات الاقتصادية الرئيسية على أداء مهامها بفعالية ولا سيما في مجال الخدمات المصرفية والصناعة والاتصالات والتجارة الداخلية والخارجية.

كما تتعدد أوجه الإرهاب الاقتصادي التي تحاول أمريكا اتباعها وذلك من خلال الحرائق المفتعلة التي تطول حقول المزارعين وخاصة القمح والشعير في منطقة الجزيرة، فالقمح محصول استراتيجي اعتمدت عليه سورية بتأمين اكتفائها الذاتي، ولجوء المحتل الأميركي وأدواته لحرق هذا المحصول وغيره، كان لحرمان السوريين من منتجاتهم الزراعية، وبالتالي تم منع الدولة السورية من كسر أحد جوانب الحصار الاقتصادي، وكل ذلك يدل على حجم الانحطاط الأخلاقي والإنساني لأمريكا وأدواتها ومحاولة يائسة للتعويض عن هزائم مخططاتها العدوانية في سورية، فهذه السياسة لم ولن تجدي نفعاً في سوريا التي صمدت طوال هذه السنوات من الحرب الإرهابية الظالمة

بالرغم من الحصار الذي انعكس على تراجع معدلات النمو، وارتفاع مستوى البطالة، فقد صمد الاقتصاد السوري لكونه اقتصاد منتج ومتنوع ، والأهم من ذلك، أن اللبنة الاقتصادية السورية، هي لبنة صخرية تقوم على أساسات اقتصادية متينة، استطاعت سورية أن تجذِّرها أكثر على مدى سنوات الحرب الكونية ، من خلال تحالفاتها الاقتصادية مع أصدقائها، وبشكل رئيسي مع إيران وروسيا.

ختاماً....الإرهاب الاقتصادي أخطر من الإرهاب العسكري لأنه لا يستهدف الجيوش وإنما يستهدف شعوب الدول التي يستهدفها هذا الإرهاب، وما تفعله أمريكا اليوم لا يعدو كونه محاولة مستميتة لتحقيق أي مكسب سياسي أو اقتصادي أمام الرأي الأمريكي، إلا أن هذه الغيمة السوداء ستزول عاجلا أو آجلا وسترتد عقوباتها عليها وعلى الدول التي وقفت إلى جانبها،وتخطئ أمريكا إذا راهنت كثيرا على ما أسمته «هدوء الساحة العربية» فستأتي اللحظة القريبة لتنفجر فيها كل هذه الفرضيات، لأنه لا يمكن لشعب جائع له الحق في الحياة الكريمة، أن يسكت طويلا على هذا الحال.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115