الذي أعطته إدارة ترامب للبلدين ، كان عاملا خارجيا هاما ساهم في حسم تكليف مصطفى الكاظمي بمنصب رئيس الوزراء.
واكد أن الحكومة العراقية الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي ستواجه العديد من المصاعب الداخلية والخارجية ، سياسة واقتصادية ، عسكرية وأمنية ، نظرا للتناحرات السياسية العميقة التي تواجهه ، بوجود احزاب فاسدة تمتد أذرعها الأخطبوطية الى كافة مفاصل ومؤسسات الدولة الاقتصادية والعسكرية.
• كيف ترون منح الثقة لحكومة مصطفى الكاظمي في ظل المشهد المتوتر الذي يعيشه العراق اليوم ؟
جاء تكليف مصطفى الكاظمي بمنصب رئيس مجلس الوزراء في مطلعْ شهر ماي الجاري بعد مخاضات من الأحداث الكبرى -داخلية وإقليمية ودولية- مهدت لمجيئه على رأس السلطة بعملية هي أشبه بالإنقلاب العسكري على الحرس القديم للسلطة .
على الصعيد الداخلي ، وفِي الاول من أكتوبر عام 2019 اندلعت تظاهرات شعبية كبيرة في بغداد ومن ثم في كل مدن الوسط والجنوب ذي الأغلبية الشيعية وبامتياز، احتجاجا على سوء الأحوال المعيشية وسوء الخدمات البلدية والصحية والكهرباء وانهيار التعليم وكذلك فساد الطبقة السياسية برمّتها الى حدٍ مُخيف يمكن له ان يهدد مستقبل الأجيال القادمة في البلاد .
هذه الاحتجاجات الشعبية العارمة التي بدت تتعاظم يوما بعد يوم ، ورغم أشكال القمع المختلفة التي اتخذتها السلطة ضدها رغم سلميتها ، اعتمدت وسائل متعددة في التعبير عن سخطها وغضبها ، حيث تطورت الى اعتصامات عمّت جميع مدن الوسط والجنوب ، ومن ثم لجأت الى قطع الطرق بين المدن الحيوية الكبرى ، صعودا الى غلق الموانئ وحقول النفط الحيوية في البصرة ومقار الشركات النفطية ، كل ذلك، عمل على زعزعة اركان السلطة بأحزابها الحاكمة وسقطت هيبة هذه الأحزاب جميعها دون استثناء وأضعفت شعبيتها وأفقدتها الكثير من مؤيديها واتباعها.. لتجبر حكومة عادل عبدالمهدي على تقديم استقالتها ، وهذا الحدث الجلل حدث للمرة الاولى في تاريخ العراق الحديث ، مهد لوضع اللبنة الاولى لمجيء رجل المخابرات الغامض على رأس السلطة.
الحدث الأهم الثاني على الصعيد الداخلي ، والذي يرتقي الى كونه حدثا اقليميا ودوليا ، لما له من اثر بالغ في سير الأحداث في الشرق الأوسط والعالم كان إغتيال الجنرال قاسم سليماني ، مهندس ومدير السياسات الإيرانية ونفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، في مطار بغداد الدولي فجر الثالث من يناير 2020 بطائرة أمريكية مُسيّرة ، وهذا الحدث الكبير والخطير أفقدً ايران ثُلثي نفوذها وقوتها في الساحة العراقية وكسر هيبتها الى الحد الذي دفع أبناء المدن المقدّسة في النجف وكربلاء الى حرق قنصلياتها والدوس على صور رموزها المُقدّسة بم فيهم الخميني والخامنئي وعلى مرأى الفضائيات في كل أنحاء العالم .
إقليميا ، لكون ايران هي الفاعل الرئيسي الاول في تأثيرها على تشكيل الحكومات المتعاقبة في العراق، تعرّضت الى هزات محلية ودولية حدّت من قبضتها على العراق . وبعد ايّام قليلة فقط وهي لم تصح بعد من صدمة اغتيال الجنرال سليماني، جاءت حادثة سقوط الطائرة الاوكرانية بصاروخ من الحرس الثوري الإيراني وقد راح ضحيتها 176 مدنيا ينتمون الى دول أوروبية عديدة ، هذه الحادثة افقدت ايران دعم حليفاتها الأوروبيات كفرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا ورافقتها احتجاجات داخلية كبيرة وواسعة امتدت لأكبر مدنها في طهران وكرمانشاه بسبب سوء الأحوال المعيشية وانهيار العملة الإيرانية وارتفاع الأسعار جراء الحصار الامريكي والعقوبات المُدمّرة التي فرضتها أمريكا على ايران مذ أربعة عقود لتقوم إدارة ترامب بمضاعفة هذه العقوبات وتشديدها الى أقصى حد ، كل ذلك ترك اثره في الدور الإيراني في رسم السياسة وتشكيل الحكومة في العراق .
• كيف سيكون عمل الحكومة مع المتغيرات التي يعيشها العالم في مواجهة هذا الوباء؟
من الناحية الدولية ، وبعد أزمة وباء كورونا ، وهبوط أسعار النفط الى أدنى حد لها مذ أربعة عقود، والذي يشكل 90 ٪ من واردات العراق، ولأسباب داخلية وانتخابية وكذلك إقليمية ، قررت الولايات المتحدة استعادة دورها الريادي والفاعل والمؤثر في سير الأحداث في العراق ورسم سياسته وتشكيل حكومته .
جاء ذلك عبر سلسلة عمليات عسكرية وضربات جوية أمريكية مُدَمّرة لفصائل الحشد الشعبي المحسوبة على ايران وقد طالت معسكراتهم ومقراتهم في بغداد وبابل وصلاح الدين وعلى طول الشريط الحدودي مع سوريا في البوكمال وحصيبة والقائم ومناطق اخرى عديدة .
• هل كانت هناك عوامل خارجية ساهمت في تكليف الكاظمي؟
العامل الخارجي المهم في حسم تكليف الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء وهو تهديد الولايات المتحدة للعراق وإيران معا لإلغاء الاستثناء الذي اعطته الادارة الامريكية للعراق من العقوبات على ايران ، عِلماً ان العراق هو الرئة الوحيدة التي تتنفس منها ايران بسبب الحصار الاقتصادي الامريكي القاسي ، بما يُؤْمِن لها دخول عشرات المليارات من الدولارات الامريكية سنويا بطرق مختلفة وعبر واردات وسلع متنوعة أهمها اعتماد نصف طاقة العراق من الكهرباء على الغاز الإيراني بعد عطل المصافي العراقية اثناء دخول داعش الارهابي الى مدنه الغربية .
العقوبات الامريكية والتلويح بها للأحزاب الحاكمة في العراق يعني ؛ وضع يد أمريكا على مبالغ واردات النفط العراقي عبر البنك الدولي (التي بي آي ) ، مما يعني حرمان 3 ونصف مليون مُتقاعد عراقي من جراياتهم الشهرية وهي سبيلهم الوحيد في العيش ، كما يعني حرمان اكثر من ستة ملايين موظف من رواتبهم ، ناهيك عن المؤسسة العسكرية والأمنية ، ويعني أيضا إرجاع العراق الى البند السابع الخاص بمجلس الأمن ، هذه الرسائل فهمتها الأحزاب الحاكمة وعلمت علم اليقين ان رفضها لتنصيب الكاظمي يعد انتحاراً غبيا ، من شأنه ان يدفع الملايين الغاضبة الى الولوج الى مقراتهم ومساكنهم لينالوا منهم .. وبأيديهم العارية .
• هل سيؤثر تعثر التصويت على بعض الوزارات الحيوية على عمل الحكومة؟
اما عن تعثر التصويت على بعض الوزارات المهمة ، فلا اعتقد بان هذا يشكل عائقا امام الحكومة، القوة التي جاءت بالسيد الكاظمي ليكون على رأس السلطة ، خلافا للأعراف السياسية المعمول بها منذ ستة عشر عاما، ستكون قادرة على فرض وتعيين الوزراء للوزارات الشاغرة ، والاهم من كل ذلك فان وزارة الدفاع ، ووزارة الداخلية ووزارة المالية، وهي اركان أمن الدولة واقتصادها تم حسم امرها خلافا للأعراف السائدة وبهوى ان لم يكن أمريكيا وهو الأغلب ، فانه لا يطيب لإيران في المطلق .
• وماهي برأيكم التحديات التي ستواجهها حكومة الكاظمي داخليا وخارجيا ؟
حكومة السيد الكاظمي وبكل تأكيد ستواجه العديد من المصاعب الداخلية والخارجية ، سياسة واقتصادية ، عسكرية وأمنية ، فهو يعمل وسط تناحرات سياسية عميقة ، بوجود احزاب فاسدة تمتد أذرعها الأخطبوطية الى كافة مفاصل ومؤسسات الدولة الاقتصادية والعسكرية ولا تتمنى له النجاح طبعا .
سيواجه الكاظمي أيضا ميزانية خاوية في ظل تدهور أسعار النفط الى أدنى مستوى لها منذ عقود وذلك سيؤثر حتما على تنفيذ برنامجه الحكومي في بناء جيش قوي ومتطور ومؤسسات أمنية مهنية ولاؤها للوطن فقط ، وأمامه أيضا سيل من المطالَب الشعبية التي رفعها المتظاهرون المحتجون والتي كانت سبباً في توليه السلطة ، أولها بناء اقتصاد متين لا يعتمد على النفط فقط لتقليص البطالة ، وتقديم الخدمات الاساسية والكهرباء في مقدمتها ، وامور عديدة اخرى لا يتسع المجال لحصرها هنا .
لكن ، يجب القول هنا بان الولايات المتحدة ستحشد كل جهودها الممكنة لإنجاح مهمة هذه الحكومة على مختلف الصُعد وقد امرت حلفائها الأوربيين والخليجيين ومصر بالمساهمة في هذه المهمة التي تصب نتائجها في مصلحة الجميع ، والخاسر الوحيد فيها ايران التي انكسرت شوكة هيبتها بمقتل جنرالها العتيد سليماني مطلعْ هذا العام ، في مطار بغداد الدولي .