ولكن ومع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي ومع البدء بتخفيف إجراءات العزل الصحي ، وجد الغضب الشعبي مرة أخرى طريقه الى الساحات العراقية لتذكير الحكومة العراقية بمطالب المتظاهرين بشان محاربة الفساد وإجراء الإصلاحات في بلد عانى طويلا من الحروب المدمرة ومن المطامع والمؤامرات الخارجية لاستنزاف طاقاته وثرواته. وقد وجد رئيس الحكومة الجديد نفسه امام تحديات كبرى تثقل كاهل حكومته التي لازالت تخطو أولى خطواتها، فعودة الحراك وما اسفر عنه من قتلى وعشرات المعتقلين ، يزيد من تأزم الوضع في بلاد الرافدين إضافة الى تداخل الأدوار الداخلية والخارجية.
وقد تعهد الكاظمي بالإفراج عن المتظاهرين الذين اعتُقلوا على خلفيّة مشاركتهم في الاحتجاجات الشعبيّة، واعداً أيضاً بتحقيق العدالة وتعويض أقارب الضحايا الاحتجاجات التي خلفت أكثر من 550 قتيلا منذ انطلاقها في أكتوبر 2019.
أسباب الحراك
لقد تشكلت الحكومة العراقية بعد مخاض عسير اتسم بصراع إرادات داخلية وخارجية لتولد الحكومة بهذا الشكل، بتراجع ملحوظ لبعض الأطراف الخارجية مثل ايران الذي كان دورها طاغيا ومؤثرا في تشكيل الحكومة السابقة مثلا. فلأول مرة تعطى مقاعد وزراء الدفاع والداخلية والمالية التي تعد العمود الفقري لكل حكومة، على مبدإ الحياد والاستقلالية فصراعات الدول الخارجية عرقت تشكيل الحكومة الجديدة لان كل طرف يريد ان يدعم مجيء حكومة يكون ولاؤها له قبل ان يكون للعراق وسيادته بسبب منطق المحاصصة الحزبية والسياسية والطائفية المتكرسة في هذا البلد منذ سنوات.
وعن أسباب عودة المظاهرات يقول الكاتب والمحلل السياسي العراقي ناصيف الخصاف في حديثه لـ «المغرب» ان الأيام التي سبقت تشكيل الحكومة الحالية شهدت دعوات لعودة التظاهرات ، وهي دعوات بعضها يهدف إلى إظهار قدرة المنظمين لها على الاستمرارية والبقاء كقوة فاعلة على الأرض وضاغطة على القوى السياسية بالاستجابة إلى مطالبها وخاصة فيما يتعلق بالانتخابات المبكرة، ويتابع محدثنا :«لكن التظاهرات شهدت اختراقات من قبل بعض الأحزاب التي فقدت حظوظها في الحكومة الحالية وزجت ببعض افرادها مع المتظاهرين لخلط الأوراق وارباك عمل الحكومة الحالية. وهذا الإحتمال سيكبر مع الأيام حينما تستشعر تلك الأحزاب جدية الحكومة الجديدة في نزع سلاح الفصائل المسلحة التابعة لها، وذلك من الأهداف التي أعلن رئيس الوزراء عنه كأحد أهداف حكومته».
وأعتقد أن السيد الكاظمي على علم بهذا السيناريو ويعلم ان هذا لا يعني ان المظاهرات قد تمت السيطرة على قيادتها وادرتها من قبل الاحزاب او الفصائل المسلحة بل هو على دراية بأن من يدفع إلى الصدام مع القوات الأمنية والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة هم من اتباع تلك الجهات وليس من المتظاهرين السلميين».
صعوبات عديدة
ويعتبر الباحث والكاتب السياسي العراقي ان الحكومة العراقية تواجه تحديات استثنائية في فترة عصيبة على العراق، بعضها يتمثل في تراكمات سنوات طوال من عدم المعالجة لمشاكل ما كان لها أن تتضخم بالشكل التي هي عليها الآن -مثل انتشار السلاح والمليشيات خارج إطار الدولة وخلافا للدستور الذي يحرم انشاء ميليشيات خارج إطار القوات المسلحة -وكذلك نقص الخدمات نتيجة عدم تنظيم موازنات العراق للسنوات السابقة لمعالجة مشاكل البنى التحتية حسب أولويات تتناسب مع تلبية حاجات المواطن الأهم منها . فنلاحظ إنفاق عشرات المليارات على رصف ارصفة الشوارع لشوارع بالية تكثر فيها الحفر والمطبات وإنشاء ملاعب كرة قدم ومساجد وحسينيات بدل المدارس والمستشفيات بالإضافة إلى الفساد الذي طال كل شيء». ويتابع :«يضاف إلى كل ذلك مشاكل انتجتها الحكومة السابقة نتيجة خطأ إدارتها في التعاطي مع المظاهرات المطلبية التي بدأت في الأول من أكتوبر الماضي والتي ادت إلى ارتكاب مجازر بحق المتظاهرين في بغداد والناصرية وكربلاء والنجف والبصرة وباقي المحافظات من قبل ما وصفته الحكومة السابقة بـ»الطرف الثالث» الذي عجزت عن إيقافه او تسميته او مجرد إثبات وجوده». إضافة إلى تحدي انتشار وباء كورونا والأزمة المالية نتيجة تدني اسعار النفط الذي يشكل 90 ٪ من مصدر إيرادات الدولة مع ما يرافق ذلك من تظاهرات واعتصامات مطلبية ارتفع سقف مطالبها لتكون حل مجلس النواب وإجراء انتخابات مبكرة بقانون انتخابات منصف ومفوضية انتخابات مستقلة فعلاً عن تدخل الاحزاب في تشكيلها الأمر الذي ضمنه الكاظمي في منهاج حكومته التي تواجه كل الصعاب أعلاه.»
فضلا عن ذلك فإن الوضع الوبائي بدأ يشكل -هو الآخر- تحديا جديدا للحكومة الجديدة، فقد كان معدل الإصابات اليومي خلال فترة الحظر يتراوح بين عشرة إلى عشرين إصابة في اليوم الواحد وأصبح المعدل بعد رفع الحظر الجزئي بين سبعين إلى تسعين إصابة باليوم وهذا معدل كبير ليس للقطاع الصحي القدرة على استيعاب استمراره بهذه الوتيرة مدة طويلة. وحسب الخصاف ، فإن المشكلة التي تواجه الحكومة الجديدة الآن هو صعوبة اتخاذها احد خيارين أحلامها مر، الأول إعادة فرض الحظر الشامل مع ما يرافق ذلك من مصاعب مادية لمحدودي الدخل الذين يعتمدون على الأعمال اليومية والثاني الإبقاء على الحظر الجزئي مع ما يرافق ذلك من إحتمال إرتفاع معدل إصابات بطريقة لا يمكن معها السيطرة عليه.