ما بعد كورونا ... نظام عالمي جديد بصدد التشكل

بدأت عديد دول العالم في تطبيق المرحلة الأولى من الحجر الصحي الموجه مع دعوات لتوخي الحذر الشديد في مواجهة فيروس كورونا

المستجد الذي تسبب بوفاة أكثر من 250 الف شخص في العالم. وفي خضم ذلك، تكثر اليوم الهواجس والتساؤلات بخصوص النظام العالمي الجديد والتغييرات التي ستطرأ عليه بالنظر الى الانعكاسات الكبيرة والتأثيرات التي خلفها هذا الفيروس الخفي القاتل على المجتمعات ودورة الحياة الاقتصادية في العالم.
فقد تضررت دول كثيرة بسبب هذا الوباء في طليعتها الولايات المتّحدة -القوة الأكبر في العالم- لكنها وجدت نفسها أمام اقتصاد مشلول أمام هذا الوباء الذي تسبب في وفاة 67.155 في أمريكا وحدها، في حين تبدو إيطاليا من أكثر الدول الاوربية تضررا مع تسجيل أكثر من 29 الف وفاة .
وتؤكد منظمة الصحة العالمية ان لا شيء سيمنع من مواصلة تفشي الوباء سوى التوصل الى لقاح او علاج ، ما يعني ان العديد من الإجراءات المتعلقة بالحجر ستبقى موجودة مع كل ما يفرضه ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية وتغييرات أيضا في معادلات وموازين القوى العالمية.

ما بعد كورونا
كيف سيكون عالم ما بعد كورونا وهل ستتخطى اقتصاديات العالم والمجتمعات الحديثة هذه الأزمة ؟ وهل ستحدث تغييرات في ميزان القوى بين الصين والغرب والولايات المتحدة؟ ومن سيقود العالم بعد كورونا ؟...يجيب أستاذ الاعلام والباحث الفلسطيني هاني مبارك لـ«المغرب» بالقول: «الاشكال ليس بالتغيير، لان التغيير سمة الاستمرار ولكن نحن نبحث في اتجاه وحجم التغيير، ولذلك يجب ان لا يركز البحث على التغيرات الجزئية الا باعتبارها تراكمات كمية ستؤدي لاحقا الى التغيير النوعي. وعلى هذا المستوى من المؤكد ان هناك تغيرات، ولكن عند الحديث عن المستوى الأبعد يجب توخي الحذر وسنكتفي بالاشارة الى بعض أوجه الفشل التي منيت بها القيادة الأمريكية للنظام الدولي وكشفها انتشار فيروس كورونا حيث يقف في مقدمة ذلك الفشل الذريع للنظام الصحي الامريكي بكل انواعه واظهر بشكل مفزع ان امريكا ستكون عاجزة عن استيعاب اي هجوم انتقامي في حال صراع محتمل في وقت ما، وهذا الفشل يرتبط ارتباطا وثيقا بفلسفة الاختيارات الاقتصادية ودور الدولة كفاعل اجتماعي، كما فشلت كدولة عظمى معنية بالمحافظة على السلم العالمي فشلا ذريعا في قيادة الأزمة وبقي ترامب يدور في فلك وأفق مدير شركة يمركز اتخاذ قراراته وفقا لرؤية شخصية رغم المظهر المخالف لذلك. كما انها أبدت تنكرا كبيرا لتطبيقات نظرية النظم الاقليمية التي قادت بها العالم خلال ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي الى حد انها سمحت لغريمها الجيوبوليتكي ان يرسل قواته للحماية الاشعاعية والبيولوجية الى ايطاليا وصريبا هذا باستثناء تصاعد الدور الصيني». ويضيف محدثنا :»هل يقع ذلك خارج القبول والرضا الامريكي او وفقا لرؤية ترامب وفريقه.

إشترك في النسخة الرقمية للمغرب

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د


بعض الآراء تتجه الى ان كل هذا يأتي في اطار رؤية ادارة ترامب للإفلات من نظام العولمة والحرية المتبادلة لحركة رأس المال وما يترتب عليها من مزيد فتح الأسواق الامريكية لمنتجات الاقتصادين الصيني والياباني وغيرهما وما يحمله ذلك من مخاطر، واستبدال ذلك بقيادة امريكية تقوم على الاستثمار في سوق القوة الأمنية ورفع حدة المنافسة في أسواق هي من ابتدعتها وستكون الأقدر على التحكم بها».

مؤشرات عديدة
ويتابع الهاني :«في مقابل هذا الطرح هناك من يعتمد المقاربة الحتمية في التحليل ليصل عبر القراءات التاريخية الى ان هذه الجائحة كغيرها من الجوائح السابقة ستؤدي الى تغييرات نوعية تنسف ما قبلها ويحتجون ببعض التفاصيل التي تدخل في اطار التفاصيل الكمية .ويقول ان اجابة قاطعة حول التغير النوعي الذي سيكون عليه النطام سابقة لأوانها وان بدأت عديد المؤشرات بالظهور. وهذا ما ينطبق على قدرة الاقتصاد الدولي على تخطي الأزمة». ويوضح انه اقتصاد بني على أساس فلسفة محددة هي فلسفة الإثراء مقابل انتاج وهمي وخدمي لا يستطيع تلبية متطلبات أزمة من هذا النوع. وقال ان استمرار الأزمة عبر الزمن سيكشف عن اخلالات كبرى خاصة وان مؤشرات كبرى لركود اقتصادي غير مسبوقة منذ أزمة 1929 بدأت تلوح في الافق وان هناك ترجيحات الى فقدان سوق العمل لأكثر من 25 مليون وظيفة والمؤكد ان دول الأطراف ستكون أكثر تضررا من غيرها.»
لقد كشف هذا الفيروس عن عنصرية غريبة مقيتة تجاه القارة الافريقية تختزل مقاربة الغرب لهذه القارة وفقا لأطماعها الاستعمارية التاريخية . في هذا السياق يؤكد محدثنا ان الدول الافريقية هي جزء من دول الأطراف وربما الأكثر فقرا بعد ان نهبت ثرواتها ثانيا على الأكثر انها ستكون الأقل استعدادا لمجابهة هذا الفيروس الذي بدأ يتفشى بها بها ولذلك تعد دول القرة الافريقية الاكثر حاجة لتفعيل آليات العمل متعدد الأطراف للاستفادة قدر الإمكان من قدرات الدول الأوفر حظا منها.
اما فيما يتعلق ببعض الأصوات العنصرية لتحويل افريقيا لحقل تجارب فهي بقدر ما تؤكد على السقوط المريع والمتكرر لقيم حقوق الانسان والبشر وزيف استخدامها لمصالح باتت مكشوفة وكما قال الامريكيون انفسهم فانها اسلحة الحرب دون اسلحة. وبيّن مبارك ان مثل هذه الأصوات كشفت ايضا عن حقيقة نوايا دول المركز في التعامل مع شعوب الأطراف وخاصة شعوب القارة الافريقية وانه آن الاوان لإعادة الاعتبار لهذه الشعوب والأمم عبر بناء نظام دولي له نظام قيمي يقوم على أساس تساوي الكفاءات والفرص .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115