اكد مازن إرشيد الكاتب والخبير الأردني في الشؤون الاقتصادية المتخصص في تحليل أسواق المال والطاقة العالمية ان هذا الانهيار التاريخي في أسعار الخام الأمريكي ستكون له تداعيات كبيرة على الاقتصاد الأمريكي مبينا في حديثه لـ « المغرب « ان منطقة الشرق الأوسط لا تتأثر بشكل مباشر من هذا الانهيار لأنها غير مرتبطة بأسعار الخام الأمريكي بل بأسعار خام البرنت التي شهدت بدورها تراجعا غير مسبوقا منذ اكثر من 20 عام بسبب جائحة كورونا ، وما فرضته من حجر منزلي صحي وتراجع الطلب على المحروقات في العالم .
• كيف تفسرون أسباب هذا الانهيار الكبير في أسعار النفط الأمريكي الخام؟
بالنسبة لانخفاض أسعار الخام الأمريكي يجب ان نشير أولا الى انها أسعار آجلة لشهر أفريل وهي ليست أسعار فورية ، يعني يتم التداول بها اليوم فقط لأن الدفع يكون بعد شهر، لذلك اسمها أسعار آجلة. فعملية الدفع تكون مؤجلة للشهر القادم. وبالتالي نوعية الاستثمار فيها صعب ليس مثل بيع الأسهم العادية. فالإستثمار في آلية الأسعار الآجلة تختلف في الاستثمار بأمور أخرى كالأسهم والسندات وغيرها.
تراجعت الأسعار الآجلة لشهر افريل بشكل كبير حتى وصلت الى حدود 37 دولار تحت الصفر لكل برميل، والسبب في ذلك يعود الى اغلاقات كورونا في الولايات المتحدة. فالكثير من المصانع التي تحتاج الى وقود صناعي مغلقة والكثير من الأفراد والمستهلكين أيضا وقيادة السيارات في أمريكا مجمدة ناهيك عن الوقود البحري والجوي مع اغلاق المطارات . يعني ليس هناك طلب على المحروقات مما أدى الى ارتفاع المخزونات لدى الشركات النفطية الأمريكية الى مستويات غير مسبوقة وتكبدت هذه الشركات نتيجة تكلفة التخزين مليارات الدولارات من الخسائر . ولاحظنا ان هناك الكثير من شركات النفط الأمريكية أعلنت عن خسائر بالمليارات قبل يومين . بالتالي هي تحاول ان تشجع عملية الشراء في ظل عدم وجود الطلب على الاستهلاك . هذه الشركات تحاول اليوم ان تتخلص من المخزون الذي لديها لان تكلفة تخزينه مرتفعة جدا حتى لو اضطرها ذلك الى دفع 38 دولار تحت الصفر للمشتري حتى يشجعوا عملية الشراء وسحب هذا المخزون من مستودعات التخزين . اما الأسعار الآجلة لشهر ماي فسيتم تداولها قريبا . واليوم حتى سعر البترول العالمي وصل الى 20 دولار وهو في تراجع وهناك ضغط كبير على أسعار النفط .
• ما هي تداعيات هذا الانخفاض في أسعار النفط على الاقتصاد الأمريكي ؟
هناك جانب سلبي فيما يتعلق بصناعة النفط الأمريكي والتي ستتأثر بشكل كبير خاصة الشركات النفطية في امريكا، ولكن هذا الانخفاض في الأسعار لن يؤثر على باقي القطاعات الاقتصادية الأمريكية بالعكس سيكون هناك جانب إيجابي يتعلق بفاتورة النفط التي تراجعت بالنسبة للمستهلكين لان الكثير من الشعب الأمريكي يعتمد على تنقلات الجو والبر ، كما ان الوقود الصناعي للمصانع يتراجع بشكل كبير . لذلك هناك جانب إيجابي فيما يتعلق بالاستهلاك خاصة للشركات وجانب سلبي يمسّ أساسا صناعة النفط الأمريكي اذا اعلنت بعض الشركات النفطية عن افلاسها .
• والى اين تسير الأمور وهل لذلك تداعيات على الاقتصاد العالمي وأسعار النفط في منطقة الشرق الاوسط؟
اما عن تأثيرات هذا التدهور على الشرق الأوسط، فنحن لسنا مرتبطين بالخام الأمريكي لأننا لا نستطيع شراءه بسهولة فهو يغطي فقط احتياجات أمريكا من النفط بأنواعه المختلفة . فأمريكا بحاجة يوميا الى 20 مليون برميل نفط لسد كل احتياجاتها سواء من البنزين او الوقود الصناعي او الجوي او غيره وهي تنتج حوالي 12 مليون برميل يومي فقط ولكي تسد بقية حاجتها تستورد 8 ملايين برميل من السعودية ودول أخرى. لذلك لا نستطيع ان نشتري الخام الأمريكي ونحن عادة مرتبطين أكثر بسعر خام البرنت وهو مختلف عن الخام الأمريكي . واليوم يتداول بحدود 22 دولار وهو أيضا بأدنى مستوياته منذ 22 عام . لذلك نحن مرتبطين بأسعار برنت وليس بالخام الأمريكي .
• وماذا عن تداعيات ما يحصل على الشرق الأوسط؟
هناك تداعيات ليس نتيجة تراجع أسعار الخام الأمريكي بل نتيجة تراجع أسعار النفط بكل أنواعها ، مثل سلة اوبيك وسلة دبي وسلة السعودية وبرنت وكل أنواع أسعار المحروقات متراجعة بشكل كبير . اما فيما يتعلق بالتأثيرات على الشرق الأوسط والعالم العربي فيمكن ان نقسمه لقسمين، قسم منتج للنفط مثل دول الخليج والجزائر ودول مستوردة مثل الأردن ولبنان ونوعا ما مصر والمغرب والمفروض ان تستفيد هذه الدول من تراجع أسعار النفط لان المستهلك يستطيع ان يشتريها بأسعار منخفضة سواء للبنزين او للتدفئة او فيما يتعلق بالأمور الصناعية مثل الحديد والاسمنت وغيره فهذا شيء إيجابي . ولكن نحن كمستهلكين لا نتمنى ان تتراجع الأسعار الى مستويات متدنية جدا لان ذلك يؤثر على استقرار أسعار النفط العالمية وعلى الشركات التي تنتج النفط التي يمكن ان تتعرض للإفلاس. وبالتالي حينها لن نستطيع ان نتمكن من الحصول على احتياجاتنا اليومية من النفط مع افلاس هذه الشركات . لذلك لا نريد ان تتراجع الأسعار لمستويات تؤثر بشكل مباشر على المستهلك في الشرق الأوسط. نحتاج الى نوع من الاستقرار في المعادلة بين البائع والمستهلك دون ان يضر ذلك المنتج بحيث يعرضه لخسائر هائلة. وسيؤثر ذلك على المستهلك بطبيعة الحال وتجعل المنتج يقلل من عملية التكرير وهذا يمسّ بمواصفات البترول . نحن اليوم بحاجة الى استقرار أسعار النفط لكي لا تهتز اقتصاديات العالم .