الكاتب والباحث الفلسطيني وأستاذ الاعلام في الجامعة التونسية هاني مبارك لـ«المغرب»: هناك آلاف المتغيرات التي سيشهدها العالـم والتي لن تبق النظام الدولي على ما هو عليه راهنا

• جائحة كورونا قد تدفع لتغيير النظام القيمي الدولي القائم على القوة العسكرية

أكد الكاتب والباحث الفلسطيني وأستاذ الاعلام في الجامعة التونسية هاني مبارك لـ « المغرب» انهناك آلاف المتغيرات التي سيشهدها العالم والتي لن تبق النظام الدولي على ما هو عليه راهنا حتى ولو بقي بوجود أمريكي متميز مشيرا الى ان غموض الحالة التي ستنتهي اليها جائحة كورونا قد تدفع لتغيير النظام القيمي الدولي وتحويل قيمه القديمة المبنية على شكل واحد للقوة وهي القوة العسكرية الى متحف التاريخ. اما بالنسبة للوضع في فلسطين فقال ان جائحة كورونا جعلت الحرب تأخذ منحا خطيرا حيث يتعرض شعب أعزل مجرد من ابسط الامكانيات لفيروس عجزت عن مجابهته دول عظمى ومتقدمة صناعيا. وقال ان فيروس كورونا ربما سيحد من مدى استمرار عديد الصراعات في المنطقة حيث سيكون من الصعب على اطراف الصراعات خوض اكثر من حرب في الوقت نفسه.

• أولا يكثر الحديث اليوم عن ان أزمة كورونا ستؤدي الى تشكل نظام عالمي جديد فكيف ترون ذلك؟
صحيح انه لا يكاد أن يمر يوما واحدا منذ سريان أخبار تفشي فيروس كورونا دون ان تطالعنا به كبريات الصحف العالمية وفي مقدمتها الصحف الامريكية مثل النيويورك تايمز والواشنطن بوست الى جانب عدد كبير من مراكز البحث والدراسات بمقالات وتحليلات يؤكد معظمها انه سيكون لكورونا تأثيرات كبيرة خاصة لجهة الواقع الهيكلي الذي هو عليه النظام الدولي منذ انهيار نظام الثنائية القطبية الذي أعقب نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي.

وصحيح ايضا ان لكل الأحداث الكبرى صداها وتداعياتها وآثارها ، وان طبيعة هذا الفيروس وسرعة انتشاره كشف عن اخلالات هيكلية فاضحة في طبيعة مفهوم الدول الكبرى ومدى استعدادها للانتصار في أي نزاع دولي محتمل.
غير ان ذلك كله لا يعطيني المبرر الكافي للإسراع في اطلاق أحكام نهاية على نتائج حدث لا زال متواصلا من ناحية ودون ان نعرف حجم واتجاه صيرورة الانتهاء او الاستمرار حيث تشير مثلا بعض الآراء العلمية ان هذا الفيروس سيصبح جزء من حياتنا.

طبعا وان اتحدث اليك الان فانه من الضروري ان يقوم في وعينا ما يفصل بين مفهوم النظام الدولي ككم هائل من تفاعلات آلاف كثيرة من الفاعلين فيه لتحديد نمط تفاعلاته اولا وتشكيل هوية سياسته الدولية ثانيا ، وبين نوعية وطبيعة قيادة النظام الدولي فيما ستكون ذات قطب واحد او متعددة الأقطاب او ثنائية القطبية او حتى ثلاثية الأقطاب.
ولكن هل هناك علاقة بين نوعية قيادة النظام الدولي وطبيعة تفاعلاته. الاجابة أكيد ان هناك علاقة ولكنها ليست آلية او ميكانيكية كما نشهد الأن وما يدعو الى ضرورة التمييز بين طبيعة النظام ونوعية قيادته.

صحيح انه هناك مؤشرات على أنه لم يعد بمقدور الولايات المتحدة الانفراد في ادارة الشأن العالمي . وبالتالي فان ذلك هو ما أوصل ترامب الى البيت الابيض لكي يحول عدم القدرة الموضوعية على قيادة العالم وفقا لمقاربة استرضاء العالم الى قيادته، عبر مقاربة خلق فراغات أمنية تعود عليه بعائدات مالية تمكّنه من مجابهة ما يدور في الأفق الآسيوي وعلى ضفاف الباسفيك.

والحقيقة ان هذه الاستراتيجية بدأت ملامحها مع نهاية فترة الحكم الثانية لبوش الابن ، وأخذت طريقا متعثرا ابان ادارة اوباما الى ان وصل ترامب على خلفية شعار مركزي شديد الوضوح وهو أمريكا اولا، والذي أخذ بتجسيده فور مباشرة مهامه بالانسحاب من العمل الدولي متعدد الأطراف وآخرها التهديد بسحب او تقليص المساهمة الأمريكية في ميزانية منظمة الصحة العالمية.

بمعنى ان هناك رؤية وراء هذه الانسحابات الأمريكية وان هناك محاولة لاستبدال عولمة النظام الدولي بأمركته والتي يراها البعض مؤشرا على ضعف الدور الأمريكي، وهي فعلا كذلك ولكن هل هو ضعف مؤقت وقابل للعلاج ام انه بداية فعلية للانهيار.
في الطريق للوصول الى تلك النتيجة هناك آلاف المتغيرات التي سيشهدها العالم والتي لن تبق النظام الدولي على ما هو عليه راهنا حتى ولو بقي بوجود أمريكي متميز وان كان ذلك مستبعدا، خاصة وان غموض الحالة التي ستنتهي اليها جائحة كورونا قد تدفع لتغيير النظام القيمي الدولي وتحويل قيمه القديمة المبنبة على شكل واحد للقوة وهي القوة العسكرية الى متحف التاريخ.

• لو نعود الى تاريخ الأوبئة في العالم هل أظهرت الأزمة الجديدة ان المجتمع الحديث عاجز عن التحكم بهذه الجائحة رغم التطور العلمي وكيف تفسرون ذلك؟
أعيد التأكيد على ان النظام القيمي للنظام الدولي سيتغير، فما قلت عنه الآن بالتطور العلمي والذي أبهرنا في كثير من منجازاته الرائعة للأسف الشديد كان في خدمة فلسفة اقتصادية محددة . حيث شهد مثلا قطاع الاتصالات تطورات نوعية كبرى اعتمدت قوانين ما بعد حركة الأطياف الكهرومغناطسية كما يسميها بول فيريليو . حيث الحركة عنده هي السلطة الفعلية، كما شهدت الصناعت العسكرية هي الأخرى تطورات ضخمة الى جانب صناعات النانو تكنولوجي وغيرها من المنجزات الصناعات التكنولوجية والعلمية .

وعلى ما يبدو فان أطروحة فيريليو حول هدف الانسان الدائم في تقليص استخداماته لقانون الجهد الحراري الى الأقصى ، انتقلت من التقليص في الجهد لتوفير حاجات الاستهلاك الى حاجات مراكمة الثروات الطائلة. فمنذ عام 1917 بدأ الاقتصاد العالمي يدخل منعطفا جديدا عندما شهدت أسواق العملات تدوالا ضخما للعملات الافتراضية مثل البيتكوين والاثريوم وغيرهما من الأنواع الأخرى التي مكنت قلة من الناس من جني ملايين الدولارات خلال وقت وجيز وباستثمارت محدودة جدا مما تسبب في خسائر فادحة لمنتجي الثروة الحقيقية .

ولو عمقنا النظر أكثر لوجدنا ان الجزء الأكبر من المنجزات العلمية للأسف الشديد هو الذي يقف وراء هذا التتابع في أزمات النظام الدولي، وهو الذي يقف الآن حائلا دون القدرة على مجابهة الأزمة الراهنة والخشية ان يدفع لتعميقها حيث تلاحظ الأن ان الاتجاه العام للتعامل مع أزمة كورونا يرجح كفة الاقتصاد على حياة البشر، وهذا ما يفسر الدفع باتجاه الإسراع بإعادة الحياة الى طبيعتها ومحاولة إيجاد الطرق الملائمة للتكيف مع الفيروس دون ان تتوفر لنا الأدلة العلمية الكافية.

• ما هي انعكاسات كورونا على الأزمات والحروب في المنطقة نقصد القضية الفلسطينية وليبيا وغيرها؟
كما أشرنا فان تجسيد ترامب لشعار أمريكا أولا قد أدى الى الاضرار بمعظم آليات العمل الجماعي، بل المرحلة الأولى لانتشار الوباء كانت شاهدا على بداية مخاطر جدية تهدد العمل الدولي متعدد الأطراف. وعلى الرغم من مبادرة تونس التي كانت الأولى للتولى الأمم المتحدة مسؤولتها بالمحافظة على امن المجتمع الدولى وفقا لمبادئ ميثاقها غير ان إيطاليا واجهت ولا زالت أوقاتا رهيبة والعالم لا يحرك ساكنا.

اليوم وبعد ان وصل تفشي الفيروس وبات تهديدا حقيقيا للعالم تحرك مجلس الأمن وصدرت عن الأمين العام للأمم المتحدة السيد انطونيو غوتيريش بعض التصريحات والنداءات لتوحيد الجهد الدولي لمجابهة كورونا ووقف الحروب والصراعات . ولاحظنا مثلا ان التحالف العربي بقيادة السعودية قد أعلن وقفا لإطلاق النار من جانب واحد، قال الحوثيون ان تعرضوا بعده لعدة غارات.

والأمر لا يختلف كثيرا في ليبيا وربما أكثر سوء فبعد اعلان اطراف الصراع عن وقف مماثل لاطلاق النار ، كافة الأخبار تؤكد استمرار الصراع للاستيلاء على طرابلس. اما في سوريا فربما التطور اللافت هو مبادرة ولي عهد الامارات العربية المتحدة بالاتصال بالرئيس السوري وتأكيد الرغبة الإماراتية في مساعدة سوريا.
اما فلسطين فانها كانت ولا تزال قضية اخلاق متمدني القرن الحادي والعشرين، بل انها كاشفة زيف كل شعارات العدل والانصاف والحق في تقرير المصير وحتى الحق في الحياة وابسط مقومات الحياة الكريمة.
فالعالم الى اليوم ولأسباب باتت معروفة لا هو الذي أجبر إسرائيل - وهو قادر على ذلك – على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني التي اقرتها وأعادت إقرارها مئات الشرعية الدولية ولا هو الضاغط عليها لكي تتصرف كدولة احتلال يلزمها القانون القيام بعدد من الإجراءات لحماية السكان وقت الحرب.

اليوم مع جائحة كورونا لا أقول تتجدد الحرب لانها مستمرة منذ مائة عام بل أقول انها أخذت منحا حطيرا حيث يتعرض شعب أعزل مجرد من ابسط الامكانيات لفيروس عجزت عن مجابهته دول عطمى ومتقدمة صناعيا. اليوم العالم مطالب وبقوة ان يفعل قراراته ويحمي الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لعمليات إبادة منظمة من قبل دولة الاحتلال، وان يضع قرارات الشرعية الدولية موضع التنفيذ لاقامة دولته المستقلة وعاصمتها مدينة القدس.

• هل سيؤدي وباء كورونا الى هدنة مؤقتة ام بداية حلول للأزمات العالقة في منطقتنا؟
اعتقد ان سرعة مسار انتشار الفيروس ومدى نجاح الاجراءات الحالية في السيطرة عليه سيحددان كثيرا من الأمور على هذا المستوى، فمثل مثل هذه الاجراءات الوقائية وبالتالي السيطرة عليه او عودة انتشاره لا شك انه سيحد من مدى استمرار هذه الصراعات حيث سيكون من الصعب على أطراف الصراعات خوض أكثر من حرب في الوقت نفسه. والأرجح في حالة من هذا القبيل هو ان يتلاشى الصراع ذاتيا خاصة وان ما قد ينتج عن الحرب مع كورونا في حال استمرارها لا قدر الله سيكون مكلفا وان التفرغ لاعادة بناء واستئناف الحياة مجددا ستكون له الاولوية.
اما القضية الفلسطينية فقد يكون وضعها مختلفا فهي لا تخضع لنفس دوافع وآليات الصراعات الدولية، اذ سيبقى العنصر الدولي فاعلا فيها، وهنا اكثر ما يخيف ان تكون العناصر الفاعلة في قيادة النظام الدولي أكثر انشغالا في اعادة ترتيب انتشار قوتها على المستوى العالمي وهو ما قد يؤدي الى احد احتمالين، فاما ان تستغل اسرائيل الأوضاع الدولية وتعمل على ترسيخ احتلالها والاتيان على ما تبقى من حقوق للشعب الفلسطيني، واما ان تستغل بعض الاطراف المحلية او الاقليمية حالة الغضب الفلسطيني التي ستتصاعد جراء ما قد تخلفه الحرب على كورنا من خسائر لاعادة تدوير عجلة العنف وما قد يتسبب به ذلك من تداعيات على الأوضاع الهشة التي قد تخلفها كورونا.

• اليوم كيف هو الوضع الصحي الوبائي في فلسطين في ظل نقص الامكانيات الصحية والحصار الجائر والاحتلال؟

كما قلت فان نقص الإمكانيات وحصار المدن والقرى والمخيمات في ظل استمرار سياسات التضيق الإسرائيلية والتملص من التزاماتها كدولة محتله إزاء ارض وشعب محتلين سؤثر سلبا على قدرات شعبنا في التصدي لهذه الجائحة. ولكن ورغم كل ذلك فقد اعترفت منظمة الصحة العالمية بالقدرة الفائقة للسلطة الفلسطينية في التصدي لتفشي هذا الفيروس ومحاصرته وصنفت فلسطين كثاني دولة نجحت في الحد من انتشاره وبقي الوضع تحت السيطرة الى ان عمدت إسرائيل خلال الأسبوع الماضي الى التعمد في نشر الوباء مجددا في أراضي السلطة الفلسطينية عبر الإصرار المتعمد على رفض الانصياع لتوجيهات منظمة الصحة العالمية باتخاذ الإجراءات الوقائية الضرورية مع اليد العاملة الفلسطينية في مناطق ما وراء الخط الأخضر.

فبدل اخضاع العمال الفلسطينيين لإجراءات الفحص الضرورية قبل عودتهم الى أراضي السلطة للتأكد من أوضاعهم الصحية عمدت الى السماح لهم بحرية العودة وهي تعلم مدى انتشار الوباء في صفوف الإسرائيليين.
ومما يؤكد هذا التعمد الذي يرقي الى جرائم القتل العمد انها وفي محاولة مكشوفة لإحباط جهود السلطة الفلسطينية في السيطرة على الوباء وتحمل عبء ما يفرضه القانون على إسرائيل، حيث عملت السلطة الفلسطينية الى إقامة خيم طبية للمراقبة الصحية على المعابر الرسمية لعودة العمال فانها قامت بفتح معابر لم تعلن عنها ولم تبلغ السلطة الفلسطينية بها ودفعت العمال للعودة منها مما تسبب في عودة انتشار الوباء.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115