بعد أشهر على دعوة البرلمان العراقي لطرد القوات الأجنبية من البلاد وسط انتقادات حادة للصراع الأمريكي الإيراني المتصاعد داخل البلاد وتأثيراته على الأمن الداخلي وسياسة الحياد التي تسعى العراق لإرساءها في إطار نفس المسافة من كل الأطراف . وأعلنت قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة في 26 مارس سحب جنودها من قاعدة القيارة الجوية جنوبي الموصل وتسليمها إلى القوات العراقية.وقبل ذلك بنحو أسبوع الماضي، غادرت القوات الأجنبية قاعدة القائم الغربية على الحدود مع سوريا، بما في ذلك الفرنسيون والأمريكيون.
هذه الخطوة لم يعتبرها البعض تنفيذا للدعوات الصادرة من السلطات العراقية والداعية لضرورة الانسحاب من أراضيها ، بل عجل بها تفشي فيروس «كورونا» في اغلب الدول ومن بينهم العراق، وهو ماسرع وتيرة سحب الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لعدد كبير من جنودها المتمركزين في عدد من القواعد العسكرية في البلاد.
وقال مسؤولون في التحالف الدولي إن الهدف النهائي هو مواصلة دعم القوات العراقية التي تقاتل فلول تنظيم داعش، لكن «من قواعد أقل وبعدد أقل».ويقوم التحالف الدولي أيضا بسحب مئات من مدربيه موقتا، وأوقف كل التدريبات مع القوات العراقية منذ بداية مارس، لتجنب مخاطر تفشي وباء كورونا المستجد بين قواته.
من جهتها انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية بدأت منذ نهاية الشهر المنقضي من 15 قاعدة عسكرية متواجدة على الأراضي العراقية يضاف اليها 3 قواعد جديدة يوم أمس، وذلك إثر تصويت جريء قام به مجلس النواب العراقي في شهر جانفي المنقضي صادق خلاله على قرار نيابي يتضمن إلزام الحكومة العراقية بإلغاء طلب المساعدة المقدم منها إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «»داعش» الإرهابي، وإلزام الحكومة العراقية بإنهاء تواجد أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية. وأكدت لجنة الأمن والدفاع النيابية في العراق، إن الولايات المتحدة، بدأت تغادر العراق، وبدأت قواتها بالانسحاب فعليا من 15 قاعدة عسكرية.ولفت إلى أن الأمريكيين انحصر وجودهم في قاعدتين، الأولى في أربيل والثانية هي قاعدة عين الأسد في الأنبار.ويشير القرار الاخير بالانسحاب من 3 من أصل 8 قواعد لها في العراق، إلى أن الولايات المتحدة تتطلع إلى تقليص حضورها بشكل كبير في البلاد.ويأتي ذلك وسط توترات متزايدة مع الحكومة العراقية وإيران. حيث ستسلم الولايات المتحدة رسمياً التجهيزات إلى الجيش العراقي لمساعدته على ضمان الأمن في المنطقة.
قرار رسمي
وفي وقت سابق أكدت الحكومة العراقية أنها لن تتراجع عن قرار البرلمان القاضي بإخراج القوات الأجنبية وخاصة الأمريكية من الأراضي العراقية. يأتي هذا التأكيد الرسمي العراقي بعد إعلان البرلمان يوم 5 جانفي الجاري التصويت بالأغلبيّة على قرار يطالب الحكومة بإنهاء تواجد أي قوّات أجنبيّة على الأراضي العراقية وذلك على خلفية الغارة التي نفذها البنتاغون وزارة الدفاع الأمريكيّة في العراق واستهدفت الرجل الثاني في إيران الجنرال قاسم سليماني وعددا من قادة الحشد الشعبي العراقي ماخلّف غضبا محليا وإقليميا حادا.
وتضع التطورات العسكرية التي شهدتها المنطقة العربية منذ استهداف أمريكا للجنرال سليماني وردّ إيران بقصف قاعدتين عسكريتين في العراق ، تضع هذه التطورات العراق أمام خيارات محدودة أولهما السير قدما في قرار إخراج القوات الأجنبية وتحمل مايترتّب عن ذلك من نتائج ، أو حصر دور القوات الأجنبية في تدريب القوات الأمنية العراقية ومساعدتها على ملاحقة «الدواعش» وذلك يتم بالعودة إلى قرار سبق طرحه أمام البرلمان العراقي وينصّ على ذلك.
ورغم أنّ الحكومة العراقيّة ذهبت إلى الخيار الأول رغم ما قد يترتب عنه من تنفيذ أمريكا لتهديداتها بفرض عقوبات قاسية على العراق ، يرى البعض أنّ هذا القرار قد يضع العراق في مسار جديد لإعادة ترتيب بيته الداخلي والخارجي والنأي بنفسه عن التجاذبات الخارجية وحماية سيادته من الانتهاكات المتكررة.يشار إلى أنّ عدد الجنود الأمريكيين المتواجدين على الأراضي العراقية وصل إلى 170 ألفا، قبل الانسحاب نهاية عام 2011، وبقي بعد الاتفاق أعداد متواضعة، تقدر بنحو 5 آلاف جندي أمريكي في قواعد عسكرية بأرجاء العراق، ضمن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي ويضمّ عسكريين من مختلف الجنسيات أغلبهم أمريكيون .
ويشير مراقبون إلى أنّ قرار البرلمان العراقي الذي يدعو إلى طرد القوات الأجنبيّة كان له تأثير على المظاهرات الشعبية التي يشهدها العراق منذ شهر ، إذ ينادي المحتجون بعدم استثناء أية قوات من القرار أي أن المحتجين يطالبون بطرد القوات الأمريكية والقوات التي تحمل جنسيات أوروبية أخرى وأيضا القوات الإيرانية . وغذّت هذه المطالب الاحتجاجات التي يعيشها العراق منذ أشهر النزعة الطائفية في البلاد ، وغذت أيضا الصراع السياسي والمواجهات بين الأحزاب والكتل السياسية ذات الانتماءات الدينية المختلفة في البلاد بين سنية وشيعية وكردية .
ويرى مراقبون أن انسحاب أمريكا لن يكون كليا حتى وان تم الإلعان عن عكس ذلك خاصة وان مصالحها في المنطقة ستكون مهددة ، مع العلم أن 25 هجوما صاروخيا،استهدف القواعد التي يتمركز فيه الجيش الأمريكي في العر اق في تزايد واضح لحدة الخلافات بين إيران وأمريكا عقب استهجاف الأخيرة للجنرال الإيراني قاسم سليماني قبل أشهر.