ماكرون في مواجهة «النزعة الانعزالية الإسلامية» في فرنسا: «لا يمكن للقوانين الدينية أن تصبح فوق قوانين الجمهورية»

في خطاب ألقاه يوم الثلاثاء 18 فيفري بمدينة «ميلوز» ، أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برنامجا لمقاومة «النزعة الانعزالية الإٌسلامية»

التي أصبحت تهدد عديد المناطق في التراب الفرنسي. و أعلن ماكرون أن هذا البرنامج «ليس برنامجا ضد الإسلام» بل هو يهدف إلى استرجاع الدولة تحكمها في كامل تراب البلاد و فرض مبادئ و قوانين الجمهورية على كل المواطنين.
هذه المعادلة الصعبة تخترقها كل يوم في وسائل الإعلام تصريحات من جهات سياسية معارضة ، خاصة من يمين الخارطة السياسية، تخلط بين المسلمين و الإسلاميين و بين الإسلام و الإسلام السياسي، الشيء الذي أدخل البلاد في جدل عميق حول «المكان المخصص للدين الإسلامي» في فرنسا و ذلك بعد تكرر الهجمات الإرهابية الإسلامية منذ 2015 ومشاركة عديد المجاهدين الفرنسيين – وهم من أصل مسيحي – في الحرب في سوريا و العراق والتحاقهم بتنظيم داعش.
حرص الرئيس ماكرون كان واضحا ألا يخلط بين ما يعتبره حقا دستوريا ، وهو أن يعتنق المواطن أي ديانة و يمارسها في إطار القانون اللائكي، و بين الممارسات السياسية تحت غطاء ديني إسلامي لا تتماشى و قوانين البلاد. و عوض أن يقدم برنامجا مفصلا في هذا الإطار، اختار الرئيس الفرنسي ان يوضح معالمه العريضة قبل أن تعلن الحكومة عن الإجراءات العملية التي تنوي اتخاذها لتطبيق الإستراتيجية الجديدة في مقاومة ما يعتبره الرأي العام الفرنسي الإسلام السياسي و ما اختار الرئيس أن ينعته ب «نزعة الانعزال الإسلامي» حتى لا يغضب بعض الأطراف الفاعلة على المستوى الدولي و التي تنتمي بكل وضوح للإسلام السياسي.
إجراءات أولية
خلال زيارته لمدينة «ميلوز» أين التقى عددا من المسؤولين المحليين و الناشطين الاجتماعيين و أعوان من الشرطة المحلية صرح الرئيس ماكرون أنه «في الجمهورية، الإسلام السياسي ليس له مكان». و قال في مناسبة ثانية أن «الإنعزال هو العدو» وأنه لا يريد الإٌشارة بالأصبع إلى طائفة أو مجموعة دينية لأنه «يمكن أن تكون هنالك هويات مختلفة تحترم قوانين الجمهورية». و في خطابه أعلن أنه «في صلب الجمهورية لا يمكن أن نقبل أبدا أن تكون القوانين الدينية فوق قوانين الجمهورية». و أعلن نيته «مقاومة النفوذ الأجنبي» و العمل على إعادة تغيير هيكلة الديانة الإسلامية» في فرنسا و «مقاومة كل مظاهر الانعزال الإسلامي».
و قدم ماكرون إجراءات فورية تعلقت أولها بوقف التعامل مع خطة «الإمام المنتدب» وهو إجراء يتعلق ب 300 إمام يتم انتدابهم من تركيا و الجزائر و المغرب لسد الشغور الحاصل في 2500 مسجد في فرنسا. و تنتدب فرنسا 150 إماما من تركيا و 120 من الجزائر و 30 من المغرب. و يتم تمويل هذا البرنامج من قبل الدول المتعاقدة. هذا التعاقد المعروف في فرنسا باسم «الإسلام القنصلي» كان محل جدل و رفعت توصيات من قبل مؤسسة إسلام فرنسا للتخلي عن هذه الخطة في مناسبات عديدة. و أضاف الرئيس الفرنسي أنه تقرر عدم دعوة «المرتلين للقرآن» خلال رمضان و عددهم 300.
الإجراء الثاني يتعلق بتمويل دور العبادة والمؤسسات الدينية الأخرى. ويريد ماكرون أن تكون «الجوامع ممولة بصورة شفافة» وأن يكون الأئمة قد تمتعوا بتكوين فرنسي يحترم مبادئنا». وأضاف «نحن نريد أن نعرف من أين تأتي التمويلات، من يتلقاها و لأي غرض تصرف». وهو مشروع سوف تحدد الحكومة الوسائل الضامنة للتحقق من ذلك. لكن خطاب الرئيس لم يطرح مسألة «منع» التمويل الخارجي بل أكد على مراقبة التمويل. وتساءل عن مشروعية بناء جامع «النور» الكبير في مدينة «ميلوز» وهو مركب ديني يشمل بناء مسبح و مدارس و محلات تجارية ممولة من قبل جمعية قطرية كانت السلطات المحلية قد قررت إيقاف الأشغال فيه.
آخر إجراء تحدث عنه الرئيس شمل منع برنامج اللغات الأجنبية التابع للقنصليات ابتداء من سبتمبر القادم. و أوضح الرئيس ماكرون أنه تبين للسلطات أن عددا من المدرسين لا يحذقون اللغة الفرنسية و أن الدولة ليس لها رقابة على محتوى التدريس وعلى المدرسين. ويشمل هذا الإجراء كل المدارس التابعة للجزائر و كرواتيا وتونس واسبانيا و إيطاليا والمغرب والبرتغال وصربيا وتركيا. و قد عمد ماكرون على أن تكون البلدان «الإسلامية» ضمن قائمة تشمل بلدانا أوروبية «مسيحية» حتى لا يعتقد أن الإجراء يهدف بالأساس الإسلام.
مخطط شامل في الإنتظار
وكانت مجلة «لوبوان» الباريسية قد نشرت مقتطفات من التقرير الحكومي الذي أعدته لجنة تفكير خاصة في هذا الموضوع مهيكل في أربعة أجزاء تتعلق بتحديد التحرك تجاه تواجد «الإسلام السياسي» في المناطق و المؤسسات الناشطة في فرنسا. ثم أوردت «إستراتيجية العرض» أي الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها في 15 حيا في فرنسا لمقاومة الإسلام السياسي و فرض تواجد الدولة فيها. الإجراء الثالث يتعلق بالانتخابات البلدية و سوف يعمل على منع «القائمات الطائفية» التي تتخذها بعض الرموز الإسلامية للتسلل في البلديات قصد فرض «قوانين خارجة عن المبادئ الجمهورية». و آخر إجراء يشمل السبل المبرمجة لدعم «الإسلام ضد الإسلام السياسي».
و لا يعرف إلى أي مدى سوف تبلور الحكومة نوعية التعامل مع خطاب الرئيس و تلون إجراءاتها على أساسه. في العموم، هنالك تقييمات نوعية مختلفة تشق الحكومة و الأغلبية الحاكمة و ليس من السهل التكهن بمحتوى التوجه النهائي الذي سوف يبلور في البرنامج الحكومي القادم. لكن الرئيس ماكرون يسهر شخصيا على لعب دور أساسي في برمجة الانتخابات البلدية القادمة من أجل الانتصار بأهم البلديات والحصول على دعم اليمين الجمهوري والجالية الإسلامية في فرنسا في إطار برنامج إعادة ترشحه لولاية ثانية عام 2022. وهو الهدف الأساسي الذي يمكن أن يؤثر على برنامج إعادة هيكلة الإسلام في فرنسا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115