نشر أمس الأول الجمعة تزامنا مع مؤتمر ميونيخ للأمن أن النفقات العسكرية العالمية شهدت السنة الماضية أكبر ارتفاع لها منذ عشر سنوات على خلفية تصاعد حدة التنافس على المستوى الدولي وتزايد جبهات الصراع وتعدد أطرافها .
وأبرز التقرير أنّ النفقات العسكرية ارتفعت بنسبة 4 بالمائة، وأوضح جون شيبمان المدير العام للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية أنّ النفقات العسكرية «ازدادت مع خروج الاقتصادات من الأزمة المالية (لسنة 2008) وتحت تأثير أفق تصاعد التهديدات».ويتزامن هذا الارتفاع في النفقات مع انسحاب أمريكا من معاهدة القوى النووية متوسطة المدى رسميا ، وذلك بعد سنوات الجدل والاتهامات التي وجهتها أمريكا لروسيا بانتهاك بنود الاتفاقية الشهيرة التي تمّ توقيعها للحدّ من التسلح النووي منذ الحرب الباردة. وتعجز كل من أمريكا وروسيا عن التوافق حول صيغة جديدة للاتفاق في هذا الموضوع ما يزيد من تعقيدات وتوتر المشهد الدولي الراهن .
واعتبر البعض أن نهاية العمل بمعاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى (من 500 الى 5500 كم) في 2019 واحتمال زوال معاهدة نيو ستارت حول الأسلحة النووية العابرة للقارات في 2021، ومايشهده العالم من تصاعد نفوذ الصين والأزمات الإقليمية على غرار ليبيا سوريا العراق لبنان وأوكرانيا بالإضافة إلى سباق التسلح المحموم الذي تعيشه أغلب الدول ، كل ذلك سيجعل العالم على شفا حرب وشيكة قد تكون تداعياتها الاقتصادية والسياسية مدمرة.
وتخشى أغلب دول القارة الأوروبية من تداعيات سقوط معاهدة الحد من التسلح وتوجه الولايات المتحدة الأمريكية نحو تغيير بوصلة اهتماماتها نحو القارة الأسيوية والمحيط الهادي وتعدد جبهات الصراع على غرار شرق أوروبا ومنطقة الخليج في الحرب التي تشنها واشنطن ضد إيران هناك.
يشار إلى أن انسحاب أمريكا رسميا من «كافة التزاماتها بموجب معاهدة القوى النووية متوسطة المدى’’ واجهه رد روسي قاس هذه المرة اذ أعلن الكرملين على لسان رئيس البلاد فلاديمير بوتين انسحاب موسكو رسميا من الاتفاقية ردّا على الخطوة الأمريكية متعهدا بالبدء في إنتاج صواريخ جديدة بينها واحد أسرع من الصوت.
تصعيد دولي
وأثار هذا التصعيد ردود فعل دولية قلقة إذ تطالب ألمانيا بضرورة التوصل إلى مبادرة جديدة لضبط التسلح في العالم، إذ تعتبر برلين «أن سباق التسلح يتصدر أولويات الاهتمام العالمي، ولابد من نزع السلاح وهو أمر لا ينطبق على الولايات المتحدة وروسيا وحدهما فحسب، بل يجب أن يمتد لدول مثل الصين أيضا».
وطفت على السطح مؤخّرا موجة من الانتقادات والشكوك الدولية عقب انسحاب أمريكا من هذه المعاهدة التاريخية للأسلحة النووية بدعوى انتهاك موسكو لمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى. ويرى مراقبون أنّ مرور واشنطن من مرحلة التهديد إلى التنفيذ وأيضا الرد الروسي بالانسحاب أيضا فتح جبهة صدام جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا في وقت تتّسم فيه العلاقات بين البلدين باحتقان وتوتر مستمر . وتقضي المعاهدة الدولية التي وقعت بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية عام 1987 بحظر تصنيع الصواريخ متوسطة المدى التي تطلق من قواعد أرضية بمدى يترواح من 500 إلى 5,500 كيلومتر.
ويأتي هذا التصعيد بعد اتهامات وجهتها الإدارة البيضاوية للكرملين بانتهاك المعاهدة وتطوير صواريخ متوسطة المدى.ويرى متابعون أن هذا الانسحاب المثير للجدل هو الثالث في سجل الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب بعد انسحابه أولا من الاتفاق النووي المبرم بين الغرب وإيران عام 2015 ثم انسحاب امريكا من معاهدة باريس للمناخ التي وقعتها 195 دولة في العام ذاته.
ويرى مراقبون أن الخطوة الأمريكية «متسرّعة» خاصة بعد فشل أي محاولات للتفاوض بين الجانبين ، إذ اعتمد الجانب الأمريكي في قراره على عدة عوامل أخرى لمهاجمة الطرف الروسي بدءا بالدور الروسي الذي تلعبه موسكو في سوريا والتقارب الصيني الإيراني الروسي وأيضا أزمة ضم شبه جزيرة القرم وما خلفته الخطوة من عزلة اقتصادية حادة فرضها الغرب ضد موسكو . ولعل الأهم في هذه الخطوة الأمريكية هو وجود مخاوف كبيرة لدى إدارة ترامب من اكتساب روسيا قدرة صاروخية تتيح لها شن هجوم على دول في حلف الناتو خلال فترة قصيرة وهو ما اعتبرته واشنطن انتهاكا صريحا للاتفاق المبرم منذ 31 عاما . وقد نفت روسيا أنها انتهكت الاتفاقية، لكنها لم تتطرق لهذه الصواريخ.
ولئن يرى مراقبون أن الانسحاب الأمريكي من المعاهدة المثيرة للجدل لا يعني بالضرورة حربا قائمة بين البلدين إلاّ انه سيفتح دون شك الباب أمام سباق تسلح خطير بين الدول العظمى سيحمل تداعيات خطيرة على الجانبين وحلفائهما من جهة أخرى .