الجمهوري المشهد بحصوله على 37 مقعدا في البرلمان ليصبح أول حزب من حيث الأصوات و ثاني حزب في البرلمان بعد حزب «ليانا فايل» الوسطي الذي يفوقه بمقعد واحد. أما حزب الوزير الأول ليو فرادكار «فين غايل» فجاء في المرتبة الثالثة ب 35 مقعدا من جملة 160. و كان هذا النجاح مفاجئا بالنسبة لقادة حزب «شين فاين» الذي لم يشارك إلا في نصف الدوائر و قدم 42 مرشحا فقط في حين قدم باقي الأحزاب ضعف ذلك.
نجاح حزب «شين فاين» يرجع لرئيسته ماري لو ماك دونالد التي خلفت زعيمه التاريخي جيري أدامس و تمكنت من إخراج الحزب من الشيطنة التي عانى منها بسبب علاقاته المشبوهة بالجيش الجمهوري الأيرلندي التي تعتبره لندن و الأحزاب الوحدوية جهازا إرهابيا . و إن تشكل الحزب أساسا عام 1905 للعمل على تحقيق استقلال أيرلندا من الاحتلال البريطاني ثم على توحيد الأيرلنديتين، فإن ماري لو ماك دونالد لم تطرح قضية البريكست و توحيد الجزيرة في حملتها الانتخابية ، بل ركزت على الوضع الاجتماعي المتردي بالرغم من النمو الاقتصادي و اقترحت القضاء على أزمة السكن و تقهقر الخدمات العمومية بفرض ضرائب إضافية على الشركات و الأغنياء.
معركة تشكيل الحكومة
المشهد البرلماني الجديد أدخل أيرلندا الشمالية في معادلة طريفة لم تعد الأحزاب اليمينية التقليدية الموالية للندن متمسكة بكل خيوط اللعبة السياسية. فتشكيل الحكومة على أساس النتائج ليس بالأمر الهين والبديهي. نجاح الجمهوريين أحدث رجة قوية بعد زلزال البريكست وفتح الباب أمام احتمال تحالفات جديدة لقيادة الحكومة. زعيمة «شين فاين» اعتبرت أن النجاح الشعبي للحزب (5،24 %) أمام حزب «فيانا فايل» (2،22 %) و حزب «فاين غايل» (9،20 %) و نجاحها في تحقيق المرتبة الثانية في البرلمان يخولان لها أن تكون الحكومة القادمة. و قالت لمناصريها: «حزب «شين فيان» فاز بالانتخابات. نجحنا في تحقيق الإقتراع الشعبي وهذا انتصار تاريخي.» و أضافت «من صوت لحزب «شين فاين» يريده أن يشارك في الحكومة، لذلك فتحنا الحوار و بدأنا في المشاورات مع القادة» السياسيين لتشكيل الحكومة: «هذه رسالة واضحة للأحزاب التقليدية، هيمنتهم انتهت، الناس يريدون سياسة أخرى».
إمكانية أن ينجح «شين فاين» في تشكيل حكومة مع حزب الخضر و الحزب الديمقراطي الاشتراكي بمساندة أطراف نيابية أخرى سوف يعتبر زلزالا سياسيا في البلاد. لكن هذه الفرضية تبقى بعيدة عن الواقع. الأرجح أن تدخل الأحزاب في مفاوضات لكسر حاجز العداء الذي طغى على العلاقات السياسية و الاجتماعية منذ عقود. هذا يعني سياسيا أن يقبل أحد الأحزاب الوحدوية الدخول في ائتلاف حكومي مع «شين فاين». من الأرجح أن يرفض حزب «فاين غايل» المشاركة مع «عدوه التاريخي» في الحكومة. لكن «فيانا فايل» حزب الوزير الأول ليو فرادكار لم يستثن ذلك مع تشديده على الخلافات العديدة مع الحزب الجمهوري. المفاوضات بين الأحزاب يمكن أن تستغرق أسابيع أو اشهر لكنها سوف تسفر على مشهد مغاير لما هو عليه اليوم.
نحو توحيد أيرلندا؟
صعود حزب «شين فاين» الإنتخابي يرجع مشروع توحيد الجزيرة لصدارة المسائل الشائكة. أي أن الحزب الجمهوري الذي ناضل منذ تأسيسه من أجل توحيد الجزيرة في نظام جمهوري مستقل لن يفلت هذه الفرصة التاريخية للعمل على التقدم في مشروعه الإستراتيجي. فمنذ 1986 و توقيع اتفاقية السلام من قبل جيري أدامس الذي اقتنع بأن العنف و القنابل لن تحل المشكلة، دخل الحزب الجمهوري في إستراتيجية مغايرة أساسها تغيير الرأي العام الأيرلندي و إقناعه بضرورة توحيد الجزيرة. و تجسم أول نجاح له في مساندة أيرلندا الشمالية بأغلبية 56% لمشروع البقاء في أوروبا - كما هو الحال بالنسبة لجمهورية أيرلندا- ضد البريكست. ثاني تحول هام جاء في نص الطلاق بين بريطانيا و الإتحاد الأوروبي الذي ابقى على الحدود بين الأيرلنديتين مفتوحة. فعمليا أيرلندا الشمالية خاضعة منذ 31 جانفي إلى القواعد و القوانين السياسية الأوروبية، شأنها شأن جمهورية أيرلندا و تشاركها نفس الفضاء الاقتصادي و القانوني. و كانت هذه شروط بروكسل التي قبل بها بوريس جونسون لتحقيق الطلاق.
اليوم مع تغيير المعادلة السياسية يمكن لحزب «شين فاين»، في صورة ترأسه الحكومة، أن يستغل هذه الفرصة وهو قد أعلن منذ مدة نيته تقديم مشروع استفتاء قبل 2025 حول توحيد الجزيرة في إطار الإتحاد الأوروبي. هل يمكن للندن أن تعترض على ذلك في حالة وقوعه؟ إنه من صلاحيات الحكومة البريطانية، في إطار سيادة المملكة، أن تسمح أو ترفض لأي مقاطعة أن تنظم الاستفتاء كما حصل ذلك مع اسكتلندا. لكن اتفاق السلام في أيرلندا لعام 1998 ينصص على أن شمال و جنوب ايرلندا يسمح لهما بالدخول في توحيد الجزيرة إذا ما قبلت أغلبية الأيرلنديين ذلك في استفتاء. وهو ما يجعل إمكانية تنظيمه واردة. و بذلك تصبح عملية تشكيل الحكومة أمرا استراتيجيا في المقام الأول بالنسبة للجمهوريين لأن أغلبية الناخبين يساندون البقاء في الإتحاد الأوروبي. و سوف يمكنهم تحقيق ذلك – بالرغم من البريكست – في حالة اتحدوا مع جمهورية ايرلندا التي هي ضمن الإتحاد. لكن ذلك لن يمر بسهولة. فكيف يمكن لمن يؤمن بالنظام الملكي أن يصبح جمهوريا من يوم لآخر؟ بالرغم من البعد الديمقراطي الذي يندرج فيه الاستفتاء فمشروع الوحدة يبقى حلما حتى تتحقق المعادلة الديمغرافية التي تمكن الجمهوريين من تحقيق أغلبية في عدد الناخبين وهو أمر وارد ، حسب توقعات إحصائيات بريطانيا وأيرلندا بعد 2025.