إيطاليا: تداعيات هزيمة ماتيو سالفيني في الانتخابات الجهوية: حراك «السردينة» يغير موازين القوى السياسية

أفرزت الانتخابات الجهوية في مقاطعة «إيميليا رومانا» الإيطالية الأحد الماضي هزيمة ماتيو سالفيني ،زعيم حزب

الرابطة المتطرف، الذي وعد ناخبيه باسترجاع هذه الجهة التي يحكمها اليسار منذ 70 عاما. و تمكن الرئيس اليساري المتخلي ستيفانو بوناتشيني، من الاحتفاظ بمقعده و الفوز بأغلبية 51 % من المقاعد في المجلس. أما في كالابريا، جنوب البلاد، فتمكنت جولي سانتالي من «فورصا إيطاليا»، وهي أول امرأة تترأس الجهة، بالفوز بنسبة 56 % . الانتخابات الجهوية في إيطاليا تدور في عدة مناسبات. فبعد مقاطعة «أمبريا» التي فاز بها حزب الرابطة، سوف تشهد سنة 2020 انتخابات في باقي الجهات إلى موفى جوان القادم.
هذه الانتخابات تأتي بعد تغيير الحكومة الإيطالية و إقصاء حزب الرابطة منها. و قررت حركة 5 نجوم، التي تتمتع بأكبر كتلة في البرلمان، التحالف مع الحزب الديمقراطي (اليساري، وريث الحزب الشيوعي) لتشكيل حكومة جيوزيبي كونتيه 2. و غير هذا الخيار المشهد السياسي على الساحة الوطنية. نتيجة ذلك على المستوى الجوي أن انهارت حركة 5 نجوم التي جاءت في مؤخرة الأحزاب في الشمال بنسبة 4،7 % أما في الجنوب فلم تحصل إلا على نسبة 7،4 % التي لا تمكنها من دخول المجلس. و قد شهدت الحركة انقسامات عديدة بعد تنحي زعيمها التاريخي بيبي غريلو و استقالة لويدجي دي مايو من رئاستها مؤخرا.

حراك السردينة
هزيمة ماتيو سالفيني متأتية أساسا من «حراك السردينة» وهو تجمع شعبي غير منظم تكون في نوفمبر 2019 من قبل أربعة أشخاص في الثلاثين من العمر أرادوا حث الشعب على الاستفاقة ضد تنامي الحركات الفاشية في البلاد مستهدفين بالخصوص ماتيو سالفيني. و بعد انطلاقه من مدينة بولونيا انتظمت جماعات أخرى للسردينة في جل مدن الشمال لتطال بعد ذلك روما وطورينو و فلورونس و سورينتو وبالرمو و غيرها من المدن. و يقتصر الحراك على استخدام صفحة على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك يذكر فيها موعد الحراك، مكانه وتوقيته. شعار السردينة يتلخص في سبع مبادئ، مبدأ لكل حرف من حروف كلمة سردينة باللغة الإيطالية: التضامن و حسن الضيافة و الاحترام و الحقوق و الاندماج و استبعاد العنف و مقاومة الفاشية.

و ساعد صعود هذه الحركة التي جمعت مئات الآلاف من المواطنين من فئات اجتماعية مختلفة على «استفاقة» اليسار الإيطالي الذي شهد انقسامات عديدة في العشرية الماضية أضعفت قدراتها على الصمود كقوة سياسية حاكمة. مساهمة حراك السردينة باركها السكريتير الأول للحزب الديمقراطي نيكولا زينغاريتي الذي يحاول ترميم الحزب من أجل استعادة دوره الريادي بعد الهزات القاتلة التي مر بها. استفاقة الناخبين ترجمت في صناديق الاقتراع في الشمال التي شهدت مشاركة 67 % من المسجلين. هذا الحراك الذي هو في خطواته الأولى، و الذي يشبه نوعا ما انطلاق حركة 5 نجوم، سوف يشكل معادلة سياسية طريفة لأنه ليس حزبا سياسيا بل هو تجمع أهلي غير منظم – لكنه نابع من أحد معاقل اليسار في إيطاليا - يعمل على التصدي للحركات الفاشية و الشعبوية و لا يخضع لضغوطات الهياكل القيادية التقليدية. وهو تعبير عن تعلق الإيطاليين بالقيم الإنسانية التي تقوم عليها الثقافة الديمقراطية.

استقطاب ثنائي جديد
إيميليا رومانيا صوتت لليسار و كلابريا لليمين. هذا التعادل في النتائج يخفي إعادة ترتيب للمشهد السياسي الإيطالي. فهو يجسد غياب حركة 5 نجوم من التأثير في موازين القوى و بداية استقطاب من نوع جديد بين قوى تنتظم حول الحزب الديمقراطي اليساري و أخرى حول حزب الرابطة المتطرف. و لو أن أحد وجوه حزب «فورصا إيطاليا» الذي يقوده رئيس الحكومة الأسبق سيلفيو برلسكوني تمكن من الحصول على رئاسة كلابريا فإن حزب برلسكوني يأتي في المرتبة الثانية في الائتلاف الانتخابي بعد حزب الرابطة. التحركات الجديدة لتشكيل أغلبية انتخابية على مستوى الجهات تشير إلى تغيير في المشهد السياسي.

على مستوى اليسار، صعود نيكولا زينغاريتي على رأس الحزب الديمقراطي وهو معروف باعتداله مع تمسكه بضوابط اليسار التقليدي فتح الباب أمام تجديد الحزب وانضمام عدد من الوجوه الجديدة من المجتمع المدني و خاصة من شباب المناضلين الشيء الذي أعطى حيوية للحزب و أخرجه من متاهات «حرب الأنا» و الانشقاقات التي غرق فيها في عهد ماتيو رانزي. مساندة حراك السردينة للحزب الديمقراطي أطاحت في صناديق الإقتراع بحركة خمسة نجوم التي أرادت أن تكون بديلا للديمقراطيين دون أن تمس بالتوازن الحكومي الحالي الذي يرتكز على تحالف الحزب الديمقراطي و حركة 5 نجوم. و سوف تشكل المحطات القادمة في الإنتخابات رهانا للقيادة الحالية للحزب الديمقراطي الذي أصبح أول حزب في البلاد و العمود الفقري للائتلاف الحكومي.

على يمين المشهد السياسي، يبقى حزب الرابطة في طليعة الأحزاب اليمينية في الشمال في حين لم يتمكن من التصدر بوضوح في جنوب البلاد. أما باقي القوى السياسية فهي منقسمة بين حزب «فورصا إيطاليا» و«إخوان من إيطاليا» وكل هذه الأحزاب لم تسجل أكثر من 10 % من الأصوات لكل منها. في حين يصبح الحزب الديمقراطي أول حزب في المنطقة بنسبة 16،2 % بدون أن ينجح في تحقيق أغلبية. دخول أنطونيو تاجاني رئيس البرلمان الأوروبي السابق المعركة الانتخابية لمساندة الرئيسة الجديدة جولي سانتيلي أعطى نفسا جديدا لحزب برلسكوني. لكن المؤشرات السلبية الراجعة لفضائح برلسكوني و تقدمه في السن لم تخدم الحزب على تجديد صفوفه و يبقى عرضة لتنامي حزب الرابطة على يمينه و منافسته في باقي الجهات على زعامة اليمين.

الأرقام الانتخابية، ولو هي جزئية و لا يمكن استخدامها كمؤشر على الصعيد الوطني، تدل على دخول إيطاليا مجددا في حالة استقطاب سياسي بين اليسار و اليمين. لكن هذه المرة، قوى اليمين تتهيكل لا حول الأحزاب الجمهورية التقليدية بل حول حزب الرابطة المتطرف الذي يشهد تطورا ملموسا في كل أنحاء البلاد بعد أن كان يقتصر إشعاعه على شمال البلاد. و لا يعرف إذا كان هذا الاستقطاب سوف يهدد الاستقرار الحكومي الحالي مع تردي وضع حركة 5 نجوم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115