الإفريقية في المستقبل. أول تصريح لماكرون تعلق باعتباره «الاستعمار غلطة فادحة و ذنبا من قبل الجمهورية» داعيا إلى «فتح صفحة جديدة»، وهو ما أحدث جدلا في الشارع السياسي الفرنسي. أما الحدث الثاني فكان الإعلان عن التخلي المستقبلي عن نظام الفرنك المالي بالنسبة لستة دول افريقية و استبدال الفرنك الإفريقي بعملة «الإيكو».
و كانت جولة الرئيس ماكرون مبرمجة للتحادث في شأن الحضور الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي وإعادة تنظيم صفوف مشروع «برخان» العسكري الذي أصبح يواجه تحركات دامية غير مسبوقة لمختلف الجماعات الجهادية المتواجدة في المنطقة. و استغل الرئيس ماكرون هذه الفرصة لتهدئة الرأي العام الإفريقي الذي أصبح ينتقد التواجد العسكري الفرنسي في بلدان الساحل الإفريقي وخاصة في مالي وبوركينا فاسو وتشاد ويعتبره تواصلا لفترة الاستعمار بطرق جديدة. اختيار ساحل العاج مهم لباريس لما لهذا البلد من صلة تاريخية بفرنسا وهو يرمي إلى طي صفحة التصادم الدامي في عهد الرئيس لوران غباغبو الذي أجبر فرنسا عام 2004 على تدمير السلاح الجوي لساحل العاج بعد أن قصف معسكرا فرنسيا مخلفا تسعة قتلى في صفوف الجيش الفرنسي.
تسوية الإرث الإستعماري
بعد أن صرح الرئيس الفرنسي في مدينة الجزائر عام 2017 أن «الاستعمار جريمة ضد الإنسانية»، ها هو يعيد الكرة في المنطقة الإفريقية الثانية للاستعمار الفرنسي باعتباره «الاستعمار ذنبا من قبل الجمهورية». و علل ذلك بقوله : « اليوم وفي غالب الأحيان ينظر لفرنسا و كأن لها نظرة مهيمنة من مخلفات الاستعمار». لكنه أكد على نية فرنسا «تأسيس صفحة جديدة» في العلاقات مع الدول الإفريقية.
و تجسم هذا التوجه بإعلان الرئيس الحسن واتارا عن نية بلدان غرب إفريقيا التخلي عن عملة الفرنك و استبداله في المستقبل بعملة جديدة أطلق عليها اسم «الإيكو». العملة الحالية «سي أف أ» هي وليدة الفرنك الفرنسي في عهد الاستعمار وتم استبدال اسمها بـ«فرنك المجموعة المالية الإفريقية». لكن ذلك لم يغير من ترابط اقتصاد البلدان الإفريقية بالبنك المركزي الفرنسي الذي يحتوي على إيداعات تلك البلدان الضامنة للعملة. مشروع العملة الجديدة سوف تشارك فيه، على مراحل، 15 دولة من «المجموعة الاقتصادية لإفريقيا الغربية». الإرادة الإفريقية المعلنة هي أن تجسم هذه العملة الخروج من عهد ما بعد الإستعمار إلى عهد التعاون الحر. في مرحلته الأولى وسوف تشارك ثمانية دول في المشروع المالي الجديد: البينين وبوركينا فاسو وساحل العاج وغينيا- بيساو ومالي والنيجر والسنغال و الطوغو.
تركيز الحضور العسكري لحماية المصالح الفرنسية
هذه الخطوة المتفتحة على الشعوب الإفريقية صاحبتها خطوة أخرى تدعم الحضور العسكري الفرنسي في المنطقة من أجل المحافظة على النفوذ والمصالح الفرنسية. ولئن كرر الرئيس ماكرون دعمه للشباب الإفريقي ودعا إلى فتح الآفاق أمامه، فإن اهتمامه الأساسي كان للجيوش الفرنسية المتواجدة في المنطقة. وحرص ماكرون على زيارتها وتكرار أن «برنامج «برخان» مهمة أساسية بالنسبة لفرنسا» و«سوف نواصلها مع شركائنا الإفريقيين والأوروبيين». حضور ماكرون على التراب الإفريقي للنقاش حول مستقبل العلاقات العسكرية مع القارة لبنة في إطار التفاوض المستقبلي خلال القمة المبرمجة ليوم 13 جانفي 2020 في مدينة «بو» الفرنسية والتي سوف تجمع البلدان المشاركة في القوة العسكرية لبلدان الساحل الخمسة. وقال الرئيس الفرنسي أن هذا اللقاء سوف يضبط «الإطار السياسي والإستراتيجي لهذه العملية».
ولا تزال العمليات الارهابية متواصلة بعد رجوع ماكرون إلى باريس وكأن أجندة الإرهابيين مبرمجة على وقع التحركات الفرنسية. فالعمليتين الإرهابيتان الأخيرتان في بوركينا فاسو اللتين قام بهما تنظيم داعش في إفريقيا، والتي خلفت 50 قتيلا في صفوف العسكريين و المدنيين، تشير إلى أن الأجندات الانتخابية الإفريقية والفرنسية، التي تتحكم في أغلب الأحيان في القرارات والعلاقات، ليس لها وقع على تحركات الارهابيين بالرغم من تواجد 4500 عسكري فرنسي في بلدان الساحل الإفريقي.