إذ ارتفعت أصوات المحتجين للمطالبة بـ«تفكيك النظام» السياسي الراهن. وخلفت الاحتجاجات منذ انطلاقها في الأول من أكتوبر مقتل نحو 460 شخصا وإصابة نحو 25 ألفا اغلبهم من المدنيين وسط دعوات دولية للتهدئة.
ورغم أنّ رئيس الحكومة عادل عبد المهدي أعلن استقالته بعد تزايد حدة الاحتجاجات وخطورة المشهد الميداني ودخول البلاد في فوضى أمنية وسياسية خطيرة ، إلاّ أنّ ذلك لم يرض الشارع المحتج بل ارتفع سقف مطالبهم ليصل الى الدعوة إلى الإطاحة بكافة المسؤولين المحسوبين على النظام الحاكم.
ويرى مراقبون ان التجاذبات الخارجية كان لها تأثير كبير على صعوبة تشكيل الحكومة الجديدة في العراق والرفض الذي رافق عدة مقترحات ، وتواجه ايران اتهامات ، منذ إستقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي قبل شهر، بالضغط على الأطياف السياسية العراقية لتسمية خلف له يكون مواليا لها. ما أدى برئيس الجمهورية برهم صالح إلى إحالة نص استقالته على أنظار البرلمان خاصة في ظل الفشل الذي رافق مشاورات تعيين رئيس حكومة جديد لاعتبارات سياسيوية وحزبية ، وما نجم عنه من مشاكل وتعقيدات أمام تشكيل حكومة جديدة.
وهدد رئيس الجمهورية برهم صالح بالإستقالة معلنا رفضه مرشح قدمه تحالف موال لإيران لمنصب رئيس الوزراء إلى البرلمان. لكن ذلك ينذر بتعميق الأزمة السياسية في البلاد خصوصاً مع تنامي نفوذ الجارة إيران.
تجاذبات سياسية حادة
من جهته قال الكاتب والمحلل السيباسي العراقي نصيف الخصاف لـ«المغرب» أن ‘المشهد في العراق مفتوح على أكثر من إحتمال خاصة مع وجود صراع إرادات إقليمية ودولية على أرضه ينفذها أتباع لتلك الأطراف الإقليمية والدولية من الطبقة السياسية الحالية مع الأسف ، كتلة البناء المقربة من إيران دفعت بمرشحين غير مقبولين من الشارع المنتفض ضد كل من شارك بالحكومات السابقة لتورط اغلبها بالفساد وفشلها بادارة موارد البلد’’.
وتابع محدثنا «وأمام هذا الاصرار من كتلة البناء على ترشيح اسماء غير مرضى عنها من قبل الشارع المنتفض لم يبق أمام رئيس الجمهورية الا رفض ترشيحه والا فإنه سيتحمل نتيجة قرار يتم اتخاذه لتوريطه به ليكون هو بالصورة وليس الجهة التي اقترحت وقدمت هذه الأسماء خاصة وان ألمواطن البسيط لا يعرف تماما السياقات الدستورية لذلك سيعتبر تكليف الرئيس لأي شخصية غير مرغوب فيها شعبيا وكأنه خياره هو وليس الكتلة التي رشحته: وهنا لابد أن أشير إلى نقطة مهمة غابت عن الكثيرين وهي أن معرفة الكتلة الأكبر ليس له علاقة بترشيح شخص آخر بتشكيل الحكومة استنادا إلى أحكام البند (خامسا) من المادة (76)من الدستور التي تجيز لرئيس الجمهورية تكليف أي شخص بتأليف الحكومة في حالة عدم نيل المرشح الأول الثقة ، ولعدم معالجة استقالة الحكومة في الدستور يمكن أن تعد مصادقة مجلس النواب على استقالتها بمثابة عدم نيلها ثقته».
وأضاف الكاتب العراقي «»بالتالي للرئيس الحق بتكليف شخص آخر بتشكيل الحكومة من خارج الطبقة السياسية ، رسالة الرئيس إلى مجلس النواب لا تعد استقالة بل هي رسالة عادية يعتذر فيها عن تكليف شخص معين بتشكيل الحكومة ويعرب فيها عن استعداده للاستقالة في حال إصرار القوى السياسية على ترشيح أشخاص مرفوضين من قبل الشعب وهو موقف وطني يحسب له بكل تأكيد».
وأشار الى أن القوى السياسية لا تريد أن تتخلى عن مكتسباتها في الحكومة الحالية وسيطرة بعضها على موارد البلد ولذلك ستبقى تحاول التشبث بالسلطة ما أمكنها ذلك رغم ان ذلك قد يعني خسارتها لأي وجود سياسي مستقبلاً في ظل حراك احتجاجي يميز بين من يبطش به وبين من يحاول أن يقف في صفه. وتابع: «قد تربح هذه القوى بضعة اسابيع او أشهر وربما سنة لكنها بالتأكيد ستخسر كل السنوات اللاحقة» .
«نهضة شعبية في العراق»
وبخصوص استمرار الحراك الشعبي اعتبر محدثنا أن «الحراك ليس مقتصرا على عدد المتظاهرين الموجودين في الساحات والشوارع بل يمتد ليشمل كل فئات الشعب التي عبرت عن تأييدها لهذه الاحتجاجات من خلال التبرعات للمعتصمين ومن خلال تواجد النسوة كبار السن لإعداد الطعام للمنتفضين ومن خلال الدعم المعنوي الكبير من خلال وسائل التواصل الاجتماعي» وفق تعبيره.
وأضاف «للأسف بعض القوى السياسية لا تريد الاعتراف بفشلها ولا تريد إعطاء الشعب فرصة اختيار ممثليه بعملية انتخابات شفافة ونزيهة، ما يجري هو نهضة جيل ضد محاولة تكريس دكتاتورية الاوليغاركية الممثلة بما عاد يعرف بـ (زعماء الكتل) ممن جاءوا بعد 2003 وتسلطوا على الحكم بطريقة لها شكل خارجي براق يتسم بالديمقراطية ولكنه في الحقيقة وجه من أوجه الدكتاتورية التي استخدمت العنف والخطاب المتطرف ضد كل من يختلف معها، ولم يعد للمواطن العراقي طريق لتمثيل ارادته غير لجوئه إلى هذه الطريقة لإعلان رفضه لها. باختصار شديد أثبتت قوى الإسلام السياسي فشلها الذريع في إدارة موارد البلد وتبعيتها لأطراف خارجية على الضد من مصلحة بلدها ولابد من تغييرها لأنها تقف ضد عجلة التاريخ» على حد قوله.
تطورات أمنية
وعلى صعيد متصل وكرد على الهجمات المتكررة التي تتعرض لها المصالح الامريكية في العراق، استهدفت الولايات المتحدة بغارات جوية استهدفت منشآت قيادة وتحكم تابعة لكتائب حزب الله، أحد أبرز الفصائل الموالية لايران في الحشد الشعبي الذي يعد جزءا من القوات العراقية وتخضع بعض فصائله لهيمنة إيرانية.وارتفعت إلى 25 قتيلا حصيلة الضربات الجوية الأمريكية التي استهدفت ليلة الأحد قواعد لفصيل عراقي موال لإيران، رداً على مقتل أمريكي في هجوم صاروخي، الأمر الذي أثار غضباً في العراق في حين وصف البنتاغون الهجمات بأنّها «ناجحة». في وقت يشهد فيه العراق توترا داخليا متزايد اوهجمات إرهابية متفرقة توحي بأن العام 2020 لن يكون صعبا في بلاد الرافدين.
من جانبها، اعتبرت طهران أمس الاثنين أن هذه الضربات تكشف «دعم الإرهاب» من قبل واشنطن وخصوصا أن كتائب حزب الله تنتمي إلى قوات الحشد الشعبي التي شكلت لمحاربة تنظيم «داعش» الإرهابي وباتت اليوم جزءا من القوات العراقية.وجاء في بيان رسمي أصدره مسؤول مديرية الحركات في هيئة الحشد الشعبي جواد كاظم الربيعاوي أن «حصيلة الاعتداء الغاشم على مقرات اللواءين 45 و46 بلغت 25 قتيلا و51 جريحاً».