بذلك أحسن انتصار للمحافظين منذ عهد مرغرات ثاتشر. و حصل الجمهوريون على 364 مقعدا (6، 43 %) في حين تقهقر العماليون إلى 203 مقعدا (2، 32 %) و لم يحصل حزب الليبراليين الديمقراطيين المناهض للطلاق من أوروبا إلا على 11 مقعدا (5، 11 %). و قرر «حزب البريكست» التنحي لفائدة الوزير الأول في عديد المحافظات لضمان نجاح الطلاق مع بروكسل.
و كان بوريس جونسون قد وعد الناخبين بتحقيق الخروج من أوروبا في نهاية جانفي 2020 إذا ما منحوا له أغلبية واضحة في مجلس العموم. وهو ما حصل بعد أن تجمهر الناخبون في طوابير غير مسبوقة للتعبير عن أصواتهم. وعاش الشارع البريطاني منذ - موعد الاستفتاء الذي قرر الطلاق من الإتحاد الأوروبي- على وقع النقاشات والخلافات والانشقاقات في صفوف الأحزاب والبرلمانيين مما جعل الوزير الأول يعلق أشغال البرلمان دون أن يفلح في تمرير الاتفاق الحاصل مع المجلس الأوروبي. و سئم من ذلك الرأي العام البريطاني الذي أراد بهذه النتيجة الواضحة طي صفحة تريزا ماي نهائيا و دعم توجه بوريس جونسون و الخروج من الأزمة الحادة التي تردت فيها البلاد.
«البريكست»، أولوية الأولويات
مباشرة بعد الإعلان عن فوز حزبه علق بوريس جونسون على النتائج قائلا : « هذا التكليف القوي يعطي لهذه الحكومة الجديدة الفرصة لاحترام الإرادة الديمقراطية للشعب البريطاني». و أضاف في خصوص «البريكست»: «سوف أجعل حدا لهذه الترهات و سوف نحققه في الإبان قبل 31 جانفي». و يدخل هكذا بوريس جونسون التاريخ بكونه الوزير الأول الذي سوف يخرج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بعد أن تربع على عرش عمادة العاصمة لندن لمدة ولايتين متتاليتين.
في نفس الوقت يجد الوزير الأول نفسه أمام معارضة هشة لا تملك أي وسيلة للاعتراض على مشاريعه السياسية في خوض المعركة الجديدة المرتبطة بـ«البريكست» بعد أن خسر حزب العماليين أكثر من 50 مقعدا. وتتعلق هذه المرحلة بضبط العلاقات التجارية و الصناعية والتبادلات بين بريطانيا و أوروبا الذي يربط بينهما أكثر من 3000 قانون. وهي مهلة يعتقد الخبراء في الشأن الأوروبي يمكن أن تصل إلى ثلاث سنوات من المفاوضات تحدد مصير العلاقات بين الجانبين يدخلها بوريس جونسون هذه المرة بقوة لأنه يتمتع بأغلبية برلمانية واضحة عززها بدخول الشخصيات المساندة له الى البرلمان و التي استولت على حزب المحافظين بعد استقالة تريزا ماي.
تغيير التوازنات في أوروبا
نجاح بوريس جونسون يعني للأوروبيين الاستعداد لمواجهة عاصفة قوية يمكن أن تهدد ركائز الإتحاد بالرغم من أن المجلس الأوروبي قد اتفق مع بوريس جونسون على نص جديد للطلاق. لكن الخبراء يعتقدون أن البلدان الأوروبية سوف تشهد لمدة طويلة الآثار السلبية لخروج بريطانيا من الإتحاد و سوف يؤثر ذلك بالأساس على الشركات الصناعية الأوروبية التي لها علاقات قوية مع بريطانيا حيث ركزت وحدات إنتاج في مختلف أقاليمها. و تقوم بريطانيا بصنع أجزاء من طائرات ايرباص و من المعدات للصواريخ الأوروبية و لها مشروع مشترك مع بروكسل في صنع الطائرات المروحية و غيرها من المواد الصناعية الأخرى. و تعتمد بريطانيا من جهتها على أوروبا في ضمان أكلها و أدويتها وتنقلها و صناعتها و تدفق العمال من شتى أنحاء القارة. وهي معادلة صعبة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الفاتورة الباهظة التي يجب على لندن سدادها لبروكسل و التي قدرت بأكثر من 30 مليار يورو.
لكن بروكسل تنظر إلى ملف آخر بنوع من الحذر و الخشية وهو البعد الجيواستراتيجي وخوف الأوروبيين أن تلتحق لندن بالسياسة الأمريكية التي تعمل على ضرب النفوذ الأوروبي الاقتصادي و السياسي في العالم منذ تولي دونالد ترامب السلطة. و قد دعم هذا الأخير بوريس جونسن في معركته ضد بروكسل و كرر دعمه له بعد الإعلان على النتائج واعدا بريطانيا بالوقوف إلى جانبها و بمساعدتها على تحمل الصعاب. التحاق بريطانيا بالشق الأمريكي سوف يضعف أوروبا بلا شك. لكن بوريس جونسون بالرغم من قبوله اليد الأمريكية الممدودة لم يظهر في السابق رغبة في الدخول تحت مظلتها. بل أكد أكثر من مرة على استقلال القرار البريطاني و كرر عزمه على فرض سيادة الشعب البريطاني وهو تعبير، على المستوى الدبلوماسي، لرفض أي وصاية جديدة و لو كانت من الحليف الأمريكي.
المخاطر الداخلية
داخليا، يمثل الملف الأيرلندي والموقف الاسكتلندي عقبة أمام بوريس جونسون. كان قبل الانتخابات قد وعد بعدم فرض حدود مادية بين أيرلندا الشمالية و جمهورية أيرلندا. و تفاوض في الغرض مع رئيس الوزراء الأيرلندي. لكن هذا الموقف رفضه حزب الوحدويين الأيرلنديين ( 8 مقاعد فقط) الذي كان حليفا في البرلمان. اليوم بحصوله على الأغلبية يمكن لبوريس جونسون أن يتخلى عن مساندة الوحدويين في البرلمان لتمرير القوانين المتعلقة بالوضع الجديد. لكن معارضة الوحدويين في البرلمان الأيرلندي تبقى مشكلة لا بد أن تجد لها الحكومة البريطانية حلا من أجل دعم السلم بين المجموعتين الأيرلنديتين الكاثوليكية والبروتستنتية.
الملف الثاني يتمثل في نجاح الحزب القومي الاسكتلندي بحصوله على 55 مقعدا (بعد أن كان له 20 مقعدا فقط). وتعتزم اسكتلندا، التي صوتت ضد «البريكست» عام 2015، طلب تنظيم استفتاء جديد حول الاستقلال من المملكة المتحدة بالرغم من معارضة بوريس جونسون لهذه المسألة. و كررت الوزيرة الأولى الاسكتلندية مرارا عزمها على تقديم طلب في الغرض في صورة نجاح حزبها في الانتخابات التشريعية.النتائج الحالية تفتح نافذة حول أزمة داخلية جديدة يصعب تحديد ملامحها في ظل التوازنات الحالية ولكنها تفرض على بوريس جونسون أن يراعي المطالب الاسكتلندية إذا ما أراد ضمان وحدة المملكة.
المئات يتظاهرون في لندن اعتراضا على فوز جونسون في الانتخابات العامة
خرج مئات المحتجين «المناوئين» لحزب المحافظين، الحاكم في بريطانيا، إلى شوارع العاصمة لندن اليوم السبت، تعبيرا عن اعتراضهم على الفوز الذي حققه رئيس الوزراء بوريس جونسون في الانتخابات العامة التي جرت أمس الأول الخميس، فيما شهدت تلك المسيرات مواجهات مع الشرطة التي اعتقلت شخصين.
وذكرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، على موقعها الإلكتروني، أن تواجدا مكثفا للشرطة شوهد بالقرب من النصب التذكاري في شارع «وايت هول» وسط لندن حيث فرضت الشرطة طوقا أمنيا حوله فيما اندلعت الاشتباكات، وتسببت تلك المسيرات في عرقلة حركة المرور.
يأتي ذلك، فيما يتوجه بوريس جونسون إلى شمال إنجلترا، امس، ليلتقي نواب المحافظين المنتخبين حديثًا ، وذلك في إطار جولة للاحتفال بالنصر، بعد حصوله على ما وصفه ب «التفويض القوي» من خلال تأمين أغلبية 80 مقعدا في الانتخابات العامة.