خلّف سجالا حادّا داخليا وخارجيا: الاتفاق العسكري الليبي التركي ... الأبعاد والتداعيات

خلّف الاتفاق المُوقع بين الحكومة الليبية المعترف بها دوليا والحكومة التركية بشأن الحدود البحرية في البحر المتوسط موجة

من الجدل والانتقادات على الصعيدين الداخلي والإقليمي .وهاجمت أطراف ليبية الاتفاق معتبرة انه تعدّ صارخ على السيادة الليبية في حين اعتبرته مصر «تهديدا لأمنها» ، إذ يقضي الاتفاق الأمني بين حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج والجانب التركي برئاسة رجب طيب اردوغان بـ«فتح المجال الجوي والبحري أمام الجيش التركي بهدف مواجهة الجيش الوطني الذي يقوده المشير خليفة حفتر».

يشار إلى أن الاتفاق شمل توقيع مذكرتي تفاهم، إحداهما حول التعاون الأمني، والثانية في المجال البحري. ويرى شق من المتابعين والداعمين لخليفة حفتر أن الاتفاق الأخير تدخل سافر وتجسيد للدور التركي المتزايد في ليبيا في ظل موجة تداخل الأدوار الخارجية التي يشهدها النزاع الليبي منذ اندلاع شرارة الحرب الليبية سنة 2011. في حين اعتبره شق مساند لفايز السراج خطوة عادية صلب عمل حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.

تضارب المواقف
موقف»مجلس النواب الليبي» في طبرق، حول الاتفاق، جاء فيه أن «ما يقوم به رئيس المجلس الانتقالي في حكومة طرابلس انتهاك للأمن القومي العربي وللأمن والسلم في البحر الأبيض المتوسط بشكل عام، كما أنه يرقى إلى تهم الخيانة العظمى بتحالفه مع النظام التركي. الاتفاق يتيح لتركيا استخدام الأجواء الليبية وكذلك البرية والدخول للمياه الإقليمية دون إذن من الجانب الليبي، وكذلك إنشاء قواعد عسكرية في ليبيا».

هذا الاتفاق الأخير عرى الصراع الخارجي على الأراضي الليبية ونعني بذلك مصر والإمارات وقطر وتركيا وبعض الدول الأخرى وهي دول عُرف عنها دورها الكبير على الصعيد الداخلي السياسي والميداني في ليبيا سواء الأطراف الداعمة منها لحفتر أو الأطراف الداعمة للسراج.

من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي الليبي عبيد أحمد الرقيق لـ«المغرب» أن الاتفاق الأخير «مجرد زوبعة في فنجان فواقعيا لا توجد حدود مشتركة بين البلدين ويبدو ان طمع اردوغان المفرط اوقعه في فخ غباء السراج وعدم إدراكه للقوانين الدولية المتعلقة باتفاقيات البحار والمياه». وأضاف أن «تركيا تحاول ان تجد لها موطىء قدم في البحر المتوسط خارج حدودها الاقليمية عبر ليبيا لتخترق منطقة الاتفاق الموجود اصلا بين مصر واليونان وقبرص..طمعا في الثروات البحرية من غاز ونفط». واعتبر محدثنا أن تركيا لا تدعم فايز السراج في شخصه ولكنها تدعم امتدادها العرقي والايديولوجي في ليبيا .

وبخصوص تداخل الأدوار الخارجية داخل الميدان الليبي قال محدثنا «أن مايحصل ليس حربا بالوكالة، أنّ الذين يتقاتلون على الأرض ليبيون وان كل طرف له توجهه وهنا يأتي دور الداعمين للطرفين كتحصيل حاصل...لو لم يطلب الليبيون الدعم من هذا الطرف أو ذاك ما كان هناك دعم تركي أو إماراتي أصلا».
وحول مدى مساهمة هذا التعويل الليبي على الأطراف الخارجية في مزيد تأجيل الحل السياسي أجاب محدثنا «أكيد ساهم ذلك ولا زال يساهم لأنه بقدر حجم الدعم يكون التأثير في مجريات الأحداث».

وبخصوص الموقف المصري الرافض للاتفاق قال الكاتب الليبي «ما بين مصر وتركيا شيء جوهري ويمس الأمن القومي لها وهي بحكم حدودها مع ليبيا ترى أنها الأولى بالوضع الليبي من غيرها ممن يقبعون خلف البحر..ولذلك يكون طبيعيا أن ترفض أي تدخل تركي في الشأن الليبي وهذه سياسة مصرية معروفة منذ بداية أزمة ليبيا».

وتابع الحديث «ليبيا من بعد2011 بلد مفتوح لكل مصادر التسليح وهذه طبيعة كل بيئة حرب...لا اعتقد بأنه سيكون هناك تفجر في الوضع أكثر مما هو عليه الآن فالحرب على أشدها وتستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة وقد يستغرق ذلك بعض الوقت لكن في النهاية ستحسم الأمور عسكريا لصالح قوات الجيش بقيادة حفتر لاعتبارات استراتيجية وموضوعية».

مؤتمر برلين
أما بخصوص الأدوار الغربية التي تلعبها كل من ايطاليا روسيا وأمريكا ومحاولات واشنطن لمزاحمة الدور الروسي في ليبيا قال الرقيق أنّ الأدوار الغربية منقسمة وغير ثابتة أيضا فايطاليا مثلا مع السراج لكنها أخيرا بدأت تتنصل منه بالتدريج وذلك تحت التأثير الأمريكي الذي أخذ يتدخل بقوة الآن في مواجهة الأثر الروسي...أمريكا تدعم حفتر ولديها تفاهمات واضحة معه بخصوص محاربة الإرهاب وتعول عليه كطرف قوي وتنسق مواقفها من خلال رؤية الافريكوم التي تطلق يدها في كامل افريقيا».

وتابع «روسيا وحدها ذات موقف ثابت ومعروف من الأول فهي تحاول أن تحافظ على تمركزها القديم في ليبيا عسكريا حيث أنّ التسليح الليبي يعتمد عليها أساسا منذ عهد النظام السابق».

أما في ما يتعلق بمؤتمر برلين المقبل والحديث عن استثناء دول جوار ليبيا من المشاركة أكد محدثنا أنّ مؤتمر برلين لن ينعقد إلا إذا ضمنت ألمانيا توافق كل الأطراف هذا من ناحية ومن ناحية الحضور فانه سيكون مقتصرا فقط على الأطراف الفاعلة في الأزمة الليبية ومن بينها مصر وتركيا أما باقي دول الجوار فهي منشغلة بشؤونها ويبدو أنها تريد الوقوف عن الحياد...وبالتالي لا ضرورة لحضورهم وسيكون تحصيل حاصل دعمهم لما يتفق عليه الحاضرون» وفق تعبيره.

وحول السعي الألماني للدخول في معترك الأزمة الليبية بالإضافة إلى دول أوروبية أخرى ، قال الكاتب الليبي أنّ «المانيا تريد أن تؤكد للأوروبيين انها دولة عظمى وان لها تأثيرا في السياسة الدولية فاستغلت فرصة الانقسام الأوروبي حول ليبيا مستندة على موقفها السابق المحايد من ليبيا الأمر الذي يوفر لها مبررات تدخل قد تكون ناجحة بين الفرقاء...وهي مقبولة من الجميع».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115