الرأي العام و الأحزاب السياسية بعد تكرر الهجمات الإرهابية وتنامي ظاهرة الاعتداءات على رجال الأمن في مختلف أنحاء البلاد وخاصة في المناطق التي يسكن فيها المهاجرون و التي أصبحت في بعض الحالات خارجة على نطاق السيطرة.
و كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد دعا الطبقة السياسية للحوار في هذه المسألة في صلب البرلمان خشية أن يستغل اليمين الشعبوي هذه القضية للهيمنة على الناخبين في الانتخابات البلدية القادمة. و طالب الحكومة بتقديم إجراءات عملية لتنظيم الهجرة و اللجوء في المسائل المتعلقة باستقبالهم و إدماجهم في الحياة العامة والعمل على ترحيل من دخل البلاد بدون تأشيرة وذلك بعد أن تقدم وزير الداخلية السابق جيرار كولومب بقانون جديد ينظم الهجرة واللجوء عام 2018.
حصص للعملة الأجانب
أهم إجراء من بين العشرين التي ذكرها الوزير الأول إدوار فيليب في ندوته الصحفية تخصيص حصص معينة لاستقبال العملة المهاجرين بالاعتماد على تحديد الحاجيات الوطنية في سوق الشغل. وذلك يعني أن الدولة الفرنسية سوف تحدد نسبا معينة في الميادين التي لا يمكن للسوق الفرنسية توفير عملة و مختصين فيها. وهو في الحقيقة تفعيل أجراء قديم تم بموجبه التعاقد مع بعض البلدان من شمال إفريقيا لضمان تشغيل كفاءات لا تمتلكها فرنسا بصفة منظمة مع الحكومات المعنية.
هذا الإجراء يقر ، خلافا لما تطالب به المعارضة الشعبوية واليمين الجمهوري، مبدأ قبول «الهجرة المهنية» مع العمل على ترحيل المهاجرين غير النظاميين و الذين يتسللون الى داخل الحدود الفرنسية. وتقوم فرنسا، حسب الإحصائيات الرسمية، بترحيل ما بين 30 ألف و50 ألف مهاجر كل سنة في إطار هذه السياسة المتبعة منذ سنين من قبل حكومات اليسار و اليمين. ولم يحدد الوزير الأول إن كان الإجراء يشمل العملة القادمين من باقي البلدان الأوروبية الأعضاء في الإتحاد. وكانت فرنسا قد منحت 33 ألف رخصة عمل عام 2018 في هذا المجال.
إجراءات اجتماعية
بعض القرارات تعلقت بتمكين المهاجرين و اللاجئين من التغطية الصحية على أن لا يتمتع بها الواردون إلا بعد تسعين يوما من موعد دخولهم للتراب الفرنسي. وعدلت الحكومة على التخلي عن حق عائلات المهاجرين بالالتحاق بالمهاجر عندما يحصل على موطن شغل وتأشيرة دخول قانونية. وقوبل القرار بانتقادات واسعة في صفوف الأحزاب اليمينية التي كانت تطالب بوقف العمل بهذا الإجراء بتعلة الحد من البطالة.
واعتبرت بعض المنظمات الحقوقية أن هذه «الإجراءات المحتشمة» لا تغير شيئا في واقع الهجرة واللجوء بل هي إجراءات القصد منها تحويل الأنظار عن المشاكل الأساسية للفرنسيين والمتعلقة بالتنمية والتشغيل والمقدرة الشرائية والحيطة الاجتماعية والمحافظة على الطبيعة. وتخشى هذه المنظمات أن تساهم هذه الإجراءات في تعميق المشاكل الاجتماعية و تمكين اليمين المتطرف من فرض أجندته على الرأي العام.
مظاهرة ضد كراهية الإسلام
في هذا الإطار المتشنج الذي أدى إلى تعالي الأصوات العنصرية ضد المهاجرين و خاصة منهم المسلمين، قررت منظمة «التجمع الإسلامي ضد الإسلاموفوبيا» تنظيم مظاهرة وطنية يوم 10 نوفمبر القادم للتنديد بتنامي الأعمال و التصريحات ضد الإسلام و المسلمين و أصدرت عريضة في هذا الشأن وقعها عدد من الوجوه البارزة في اليسار الفرنسي وفي الحركة الإيكولوجية. و ندد جون لوك ميلونشون زعيم اليسار الراديكالي بالهجمة على الإسلام و المسلمين تحت غطاء مقاومة الإرهاب و الهجرة غير النظامية.
لكن سرعان ما قرر الزعماء الذين أمضوا العريضة التنصل منها بدعوة أن نصها يعتبر أن «القوانين الفرنسية تحد من الحريات». و قال يانيك جادو الزعيم الإيكولوجي وفرنسوا روفان من حركة فرنسا الأبية أنهما لن يلتحقا بالمظاهرة في حين صرح بعض المناضلين اليساريين أن المظاهرة من تنظيم حركة تنتمي للإخوان المسلمين هدفها ليس الدفاع عن الفرنسيين المسلمين بقدر ما هو زرع التفرقة بين المواطنين و إجبار المسؤولين على عدم مقاومة الإسلام السياسي و منع المثقفين والسياسيين و الإعلاميين من حقهم في انتقاد الديانة الإسلامية كما هو الحال بالنسبة للديانات الأخرى.
ويبقى ملف الهجرة واللجوء قائما كما كان في السابق بالرغم من كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة من اليمين و اليسار. وذكر تقرير لجريدة لوموند الباريسية أن الدولة الفرنسية أقرت منذ 1945 أكثر من 100 قانون خاص بالهجرة دون أن يحل ذلك المشكل.وهو ما يبين أن المجتمع الفرنسي لا زال بتخبط في مسألة قبول الآخر واحترام خصوصياته الثقافية. ومع تكاثر عدد المقيمين الأجانب في فرنسا من أصول غير مسيحية وتمكين مئات الآلاف منهم من الحصول على الجنسية الفرنسية تفاقمت المسالة ولم تعد تخضع للمقاييس التي ضبطها القانون. بل أن حلها يكمن في قدرة الطبقة السياسية على القبول بفكرة أن الشعب الفرنسي في حقيقته متعدد الثقافات والإثنيات وعليها أن تعترف بذلك التعدد و إدماجه في إطار النظام اللائكي.