وهدّدت حكومة رجب طيب اردوغان الدول الأوروبية بفتح الحدود أمام عودة المقاتلين في بؤر التوتر إلى بلدانهم الأصلية وهو ما يثير قلق ومخاوف بلدان القارة العجوز.
وزادت أنقرة في ضغوطاتها على الغرب بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية مقتل زعيم تنظيم ‘’داعش’’ الإرهابي أبو بكر البغدادي في عملية عسكرية نفذتها قواتها ، وعقب الإعلان رسميا عن مقتل البغدادي سارعت حكومة اردوغان إلى استغلال المشهد الذي بدا متخبطا لما يطرحه مقتل البغدادي من قراءات مختلفة حول مستقبل التنظيم ومقاتليه. وباعتبار ان تنظيم «داعش» الإرهابي استقطب منذ الإعلان عن ولادته قبل سنوات عددا كبيرا من المقاتلين حاملي الجنسيات الأجنبية ، وباعتبار فشل الدول الأوروبية في وضع آلية مشتركة لمجابهة ملف عودة المقاتلين الحاملين لجنسياتها إلى دولهم الأصلية والمخاطر التي سترافقهم تحاول حكومة اردوغان الضغط عبر هذه المعضلة للحصول على تنازلات وضمانات في عدة ملفات أولها الملف السوري.
وفي هذا الاطار هددت السلطات التركية الدول الأوروبية بإعادة سجناء تنظيم «داعش» الإرهابي المعتقلين لدى الجيش التركي، إلى بلدانهم الأصلية في أوروبا، وقال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو «إن تركيا ستعيد أعضاء تنظيم «داعش» المعتقلين إلى بلادهم في الوقت الذي شكا فيه من التقاعس الأوروبي بشأن هذه المسألة».وقال صويلو عن الموقف الأوروبي الذي جعل تركيا تتعامل بمفردها مع مسألة السجناء «هذا أمر غير مقبول بالنسبة لنا وغير مسؤول أيضا، سنرسل أعضاء داعش المعتقلين إلى بلادهم».
يشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت رسميا مقتل زعيم «داعش» تقود منذ فترة حملة تدعو إلى ترحيل عائلات مقاتلي التنظيم إلى دولهم الأصلية وسط تضارب في المواقف والاستراتيجيات بين واشنطن وباقي دول الاتحاد الأوروبي وسط تردد ومخاوف من تداعيات هذه الخطوة . ولئن تعبر الدول الاوروبية على غرار فرنسا النمسا بلجيكا بريطانيا وغيرها من الدول الغربية عن مخاوفها وترددها من قبول المقاتلين ، تحاول حكومة تركيا الضغط بورقة رابحة للحصول على ضمانات سواء مالية وسياسية لتحقيق أهدافها على صعيد اقليمي ودولي ايضا.
المقاتلون .. اعدادهم وجنسياتهم
وشهدت منطقة الشرق الأوسط منذ حرب العراق 2003 وصول عدد من المقاتلين الأجانب المساندين في البداية لجماعة ‘’القاعدة’’ الإرهابية ومن ثمة استقطبت الحرب السورية عام 2011 عددا آخر لايستهان به من حاملي الجنسيات المختلفة ، إلا أن توسع نفوذ تنظيم «داعش» الإرهابي عام 2014 واعلانه عن قيام دولة خلافته المزعومة وهو مافتح الباب أمام أكبر موجة استقطاب للمقاتلين من الجنسيات العربية والغربية المختلفة . كما سبق لتركيا أن هددت أوروبا بطوفان من اللاجئين ردا على انتقادات أوروبية للهجوم الأخير على أكراد سوريا على الحدود التركية السورية.
ولئن يعتبر مراقبون احصاء العدد الحقيقي للمقاتلين الأجانب المتواجدين في بؤر التوتر ، إلاّ ان آخر التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة تقول إن ما يزيد على «40 ألف مقاتل أجنبي قدموا من 110 دولة دخلوا سوريا والعراق للانضمام إلى جماعات إرهابية» .
كما تؤكد دراسة نشرها المركز الدولي لدراسات التطرف التابع لكينجز كولدج في لندن خلال شهر جويلية 2018 أن عدد الأجانب في صفوف «داعش» تحديدا يبلغ 41,490 شخصا (بواقع 32,809 من الرجال و 4,761 امرأة و4,640 طفلا) من 80 دولة.
وخلص الباحثون إلى أن 18,852 من هؤلاء الأجانب قد وفدوا من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و7,252 من شرق أوروبا، و5,965 من آسيا الوسطى، و5,904 من أوروبا الغربية، و1,010 من غرب آسيا، و1,063 من جنوب شرق آسيا، و753 من الأمريكيتين وأستراليا ونيوزلاندا، بالإضافة إلى 447 من جنوب آسيا، و244 من جنوب الصحراء الكبرى. ويبلغ عدد الأجانب الملتحقين بتنظيم الدولة من المملكة المتحدة قرابة 850 شخصا، بينهم 145 إمرأة وخمسين طفلا وفق تقرير نشرته «بي بي سي عربي» .
المطامع التركية في المنطقة
ويرى متابعون لأزمات الشرق الاوسط أنّ تركيا بدأت منذ سنوات خلت استراتيجية محكمة تتعلق بالمشهد السوري وبدورها الذي تلعبه في المعادلة السورية ، فبعد أن كان الدور التركي يقتصر في البداية على المواقف السياسية باتت تركيا اليوم لاعبا فاعلا على الأراضي السورية بتعلة محاربة الأكراد المهددين لأمنها القومي وخشية نجاح الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة الأمريكية .
وتعدّ الأراضي السورية أرضا خصبة للحرب تستقطب أطرافا خارجيّة تختلف مصالحها من بلد الى آخر على غرار روسيا ايران تركيا والولايات المتحدة الأمريكية . ويرى متابعون للشأن الشرق أوسطي أن حرب المصالح الذي باتت تحتضنها الاراضي السورية ساهمت في مزيد تأجيج الأزمة في سوريا وتأجيل فرص الحل والتسويات السياسية .
وعلى الصعيد الميداني نجحت تركيا على امتداد السنوات الاخيرة في تعزيز نفوذها ووجودها العسكري خاصة في الشمال السوري ، ويرى مراقبون ان مطامع تركيا وصلت حد التفكير في ضم المنطقة الحدودية الشمالية من سوريا لأراضيها . اذ تحاول تركيا بسط سيطرتها ولو جزئيا على الاراضي المتاخمة لنهر الفرات قرب حدودها الجنوبية الشرقية بدءا من «جرابلس» وصولا الى عفرين ذات الغالبية الكردية، ومنذ بداية عام 2017 سيطرت القوات التركية وحلفاؤها من المعارضة على جزء من الشريط الحدودي بين البلدين، الممتد بين جرابلس في الشرق وأعزاز من الغرب ومنطقة الباب إلى الجنوب.
ويرى متابعون أن الدور التركي تخطى حدود النفوذ الميداني ليصل إلى تنامي المطامع بضم بعض المناطق الواقعة تحت سيطرة قواته والواقعة على حدوده وهو ماتستنكره حكومة بشار الأسد وأيضا باقي الأطراف الدولية المؤثرة في المعادلة السورية. وتحاول أنقرة عبر ورقة اللاجئين أولا والمقاتلين ثانيا الضغط لتحقيق البعض من هذه المطامع.