الكاتب والمحلّل السياسي العراقي جاسم البديوي لـ«المغرب»: «مايشهده العراق اليوم ليس ثورة سياسية فحسب بل هو ثورة وعي ثقافي واجتماعي»

قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي جاسم البديوي لـ«المغرب» أن المظاهرات التي بدأت في العراق منذ الأول من أكتوبر

كانت في البداية مظاهرات مطلبية تطالب الحكومة بتوفير الوظائف وتحسين المستوى المعيشي ، ليرتفع فيما بعد سقف المطالب حيث طالب المحتجون بإسقاط الحكومة ومحاربة الفساد المستشري في جهاز الحكومة العراقية.

وأضاف «كان هناك عامل مؤجج من هذه العوامل وهو حملات قمع المتظاهرين من حملة الشهادات العليا بالإضافة إلى إبعاد الضباط المعروفين بنزاهتهم من مراكز القرار، هذا وقد ظهر جليّا أيضا القمع غير المبرر لهذه التظاهرات من قبل بعض قوى الأمن والميليشيات غير المعروفة وصلت الى حدّ قتل أعداد كبيرة من المتظاهرين السلميين مما أدى إلى مزيد تأجيج الوضع مقابل صمت وبرود في تعامل الحكومة مع الوضع المشتعل».

وتعليقا على موقف الحكومة العراقية من المظاهرات الأخيرة قال محدثنا «الرد الحكومي وخطاب رئيس الوزراء كان خطابا باردا وغير مسؤول بالإضافة إلى خطاب رئيس الجمهورية الذي كان تنصلا من المسؤولية ونفي لوجود أيّة أوامر بإطلاق النار، أيضا خطاب المدعو فالح الفياض وهو نائب في جهاز حكومي والذي توعد فيه المتظاهرين بأقصى العقوبات فضلا عن خطاب رئاسة البرلمان العراقي الذي لم يكن بمستوى المسؤولية ولم يكن مدركا لعمق الغضب ومطالب المتظاهرين فتحولت مطالبهم من مطالب مطلبيّة تشغيليّة إلى مطالب سياسية أساسها تغيير النظام السياسي».

وتابع الكاتب العراقي «رغم سقوط أكثر من200 شهيد وجرح أكثر من 6 آلاف إلى 8 آلاف جريح ، بقي الجهاز الحكومي مراوحا في مكانه وأصر المحتجون على رفع سقف مطالبهم لتشمل إسقاط النظام القائم أو إسقاط الكثير من بنود الدستور وإلغاء أو تغيير نظام الانتخابات الذي يعرف بقانون «سنتاليغو» الذي فصّلته القوى السياسية على مقاساتها وأصبح استثمارا لمنهج سلب ونهب خزينة ومقدرات البلاد على حساب حقوق المجتمع العراقي». وأكّد مُحدثنا أن «هذه المطالب باتت تزداد يوما بعد يوم وأيضا أعداد المتظاهرين تزايدت يوما بعد آخر وكانت غاضبة وشملت كل القطاعات من الشّباب إلى التربية والتعليم وغيرها من القطاعات». واستمرت يوم أمس احتجاجات الشارع العراقي المستمرة منذ أسابيع للمطالبة بإسقاط الحكومة وتحسين المستوى المعيشي وتوفير الوظائف للعاطلين عن العمل، وأغلقت السلطات كل الطرق المؤدية إلى ميناء أم قصر العراقي الرئيسي المطل على الخليج أمس السبت بعد ان أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع باتجاه المتظاهرين.
ويطالب العراقيون المرابطون في الشوارع منذ بداية شهر أكتوبر المنقضي بإقالة حكومة عادل عبد المهدي بعد أن اقتصرت في البداية على مطالب معيشية على علاقة بالبطالة وارتفاع الأسعار وغيرها من المعضلات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى، وارتفع سقف المطالب في وقت لاحق ليفرز مطالب أخرى لمحاربة الفساد المستشري في كافة اجهزة الدولة والقطع مع المحسوبية والمحاصصة والطائفية.

«تخبّط حكومي»
واعتبر البديوي أنّ «هذه الثورة وحدت العراقيين وشكلت تحوّلا في الهوية الوطنية التي حاولت الأطراف السياسية خلال الفترة السابقة طمسها عبر توزيع وتفرقة المواطنين حسب مذاهبهم وطوائفهم وتوجهاتهم ودياناتهم إلا أنّ هذه الثورة لم ترفع فيها شعارات طائفية أو قومية أو مناطقية وإنما قدمت مثالا للوحدة العراقية وقدمت صورة جيدة لأمّة وروح عراقية موحدة، اذ مازلت الدولة العراقية تمر بإحراج وفوضى كبيرين في التعامل مع الثورة من خلال خطابات رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورؤساء بعض الأحزاب والكتل السياسية الذين مازالوا يتخبطون وليست لديهم رؤية واضحة للتعامل مع هذه الأزمة مع وجود انسداد في أفق الحل إلا أن المظاهرات لازالت قادمة».

وتابع «وبعد مطلب استقالة الحكومة هناك أيضا دعوة لتأسيس حكومة تصريف أعمال مهمتها الإعداد لانتخابات مقبلة من شانها كتابة أو تعديل مواد الدستور المختلف عليها ومن شأنها أيضا تغيير قانون الانتخابات وحظر الأحزاب المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة ، لذلك نستطيع القول أنها ثورة ليست على المستوى السياسي فحسب بل هي أيضا ثورة على مستوى الوعي الثقافي والاجتماعي والسياسي ، هذه الثورة شهدت اضمحلال الكثير من المفاهيم التي كانت سائدة في المجتمع العراقي. لاحظنا أن هناك انصهارا طبقيا كاملا في بوتقة هذه الثورة فهناك نوع من التنظيم الجديد بين الشباب الثائر، ومن المنتظر والمأمول أن تؤتي هذه الثورة ثمارها مقابل استمرار عجز وإحراج الحكومة خاصة في ظل وضوح وجود تغيير في لهجة القوى السياسية وتوجهها لتأييد الثورة ومطالب المحتجين».

انعطافات مرتقبة
وعن مستقبل المشهد في العراق خلال الفترة المقبلة أجاب محدثنا «يبدو أن الأيام المقبلة ستكون مليئة بالانعطافات ومن الصعب التنبؤ بشكل هذه الانعطافات بسبب تسارع الأحداث، لذلك ينبغي التفكير عن ماهية النظام السياسي الذي يدعو المتظاهرون إلى تغييره طبعا النظام السياسي المتمثل في رئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب الذي هو نتاج أولا للاتفاق بين القوى السياسية داخليا وثانيا هو نتاج اتفاق الدول الإقليمية والأطراف الدولية ونقصد أمريكا والخليج، هذه الاشتراطات أنتجت حكومة ضعيفة يترأسها عادل عبد المهدي وهي حكومة تراض واتفاق بين كل هذه الكتل والأطراف التي تحدثنا عنها». واضاف «إنّ هذا النظام مخترق ومسيطر عليه من قبل إيران والولايات المتحدة ومن قبل إرادات دول أخرى، كما أن هذا النظام منفذ للانتفاع السياسي والمصالح السياسية من خلال ما رسّخه مبدإ المُحاصصة الموجود في القوانين والدستور العراقي من خلال مبدإ أنّ لكل كتلة حصتها في الحكومة أو البرلمان أو في مؤسسات رئاسة الجمهورية رغم رمزية وشكلية دورها. فكل ماتقوم به هذه الحكومة هي الموازنة في محاولة لإرضاء كل هذه الأطراف والتكتّلات».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115