طوال 30 عاما. وأكد في حديثه لـ«المغرب» ان «الطبقة السياسية» في لبنان فهمت أن لا عودة إلى الوراء وان الحل في الذهاب إلى إصلاح شامل وسريع، وهذا ما تحسسه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أصبح أمام خيارات متعددة أحلاها مرّ، فحاول الخروج بأفضل الحلول التي يراها في الورقة الإصلاحية التي قدمها، مراهناً على إنصات المتظاهرين اليه.
• كيف تنظرون الى الأزمة الحالية التي يمر بها البلد وما أسباب الانتفاضة؟
يمكن توصيف طبيعة الأزمة التي نمر بها اليوم، بالأزمة المركبة، أي المعقدة والمتنوعة المستويات، فهي أزمة بنيوية ليست وليدة السنوات الراهنة، على الرغم من وجود ثغرات كبيرة أدت إلى تفاقمها، وهنا تكمن أهمية دراسة مظاهر الأزمة البنيوية في لبنان، قبل الحديث عن حل شامل وذلك من أجل التأسيس لايجاد بديل جدي لأزمتنا الحالية، مع الأخذ بعين الاعتبار أننا لم نشكل نظاما سياسيا قادرا على مواجهة التحديات الكبرى، باستثناء تجارب ناجحة قدمتها المقاومة على صعيد مواجهة العدو وتحرير الوطن، إلا أننا حتى الآن لم نذهب نحو البحث عن النظام السياسي العقلاني، وتأسيس نموذج بديل لما هو قائم. وما يحصل في لبنان تعبيرا، عن وجود أزمة بنيوية شاملة في بنية الأنظمة السياسية العربية على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وطريقة التعامل مع العالم الخارجي خاصة من خلال الارتهان في الكثير من الخيارات السياسية والاقتصادية الى الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية. لن أدخل في البحث عن مظاهر الأزمة بشكلها الكامل، وذلك لكي يتسنى لي الحديث عما نحن فيه اليوم من أزمة بين المواطن اللبناني والسلطة الحاكمة، حيث توجد أزمة ثقة كبيرة بين الشعب والدولة أدت الى فقدان الشعب للأمل بالإصلاح، فالدولة على مدار 30 عامًا أوجدت من خلال سياساتها الخاطئة والفساد المستشري والجشع، هذا الشرخ مع شعبها، وراهنت دائمًا على سكوته . طبعاً يتحمل الشعب جزءا من الأزمة من خلال السكوت على الممارسات والمشاركة في كثير منها حتى أتت «الانتفاضة» العارمة بوجه النظام، الذي فهم أنه لا عودة إلى الوراء وأن الحل في الذهاب إلى إصلاح شامل وسريع، وهذا ما تحسسه رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أصبح أمام خيارات متعددة أحلاها مر، فحاول الخروج بأفضل الحلول التي يراها في الورقة الإصلاحية التي قدمها، مراهناً على إنصات المتظاهرين له.
• رأيكم في ورقة الاصلاحات التي قدمها رئيس الحكومة وهل هي كافية لامتصاص الغضب الشعبي؟
ظهر الرئيس سعد الحريري كرجل دولة يقدر الظروف التي تمر بها البلاد ويحترم رأي شعبه، هناك قاعدة أساسية في الحكم الذي هو استمرار ولا يمكن للإصلاح أن يحصل من خلال الفراغ.. ورقة الإصلاحات التي تقدم بها الحريري يمكن أن تشكل خريطة طريق لإعادة هيكلة سياسات الدولة وتحسين الوضع الإقتصادي ومكافحة الفساد المستشري وقراراته جريئة جداً ومقبولة ولم تحصل منذ العهد الشهابي، وإذا كانت هناك إرادة فعلية وتوافق بين كل الأطراف يمكن أن تكون هذه الورقة ثورة في إدارة الدولة وإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية في المؤسسات الحكومية والذهاب نحو حوكمة جديدة خالية الى حد كبير من الفساد...
• وكيف ترون رد فعل الطبقة السياسية في لبنان على المتظاهرين؟
من الواضح أن الرسالة الشعبية وصلت، وأن كل الأطراف تحسست الخوف على مستقبل البلاد ومستقبل النظام، ولذلك يجب أن يتحمل الجميع مسؤولية الخطأ والإنطلاق منه نحو تحول مسؤولية التغيير الفعلي، لكي نخرج من نموذج الفشل إلى نموذج جديد كما تخطت الكثير من الدول ذلك ومنها اليونان. الحكومة الحالية اذا توافق اطرافها وامتلكوا إرادة التغيير ولم تقف بعض الأطراف المعروفة عقبة فيها من أجل مصالحها الضيقة يمكن أن تتغير، صحيح ان المشكلة كانت في عدم الارادة، إذ لو اقرت الورقة وتم العمل بها وتحسست الاطراف الخطورة على لبنان لم نكن لنصل إلى هذا الوضع، إلا أن الفرصة لم تفت، نحن الآن بحاجة الى التضحية لكي نتمكن من الخروج من هذه الأزمة، والمهم اليوم أنه لم يعد لأي أحد أن يتحكم بالشعب اللبناني وأن يفرض عليه ما يريد وأن يبني ثروات على حسابنا، لم يعد بإمكان المصارف أن تتحكم بالشعب ، لم يعد من المسموح أن يكون هناك طرف فاسد يبني ثروات مسؤوليه على حساب الدولة. وبالتالي استقالة الحكومة ستكون خطأ ولن تساهم في تحسين الأوضاع، لأن الدخول في فراغ لن يقدم إلا المزيد من الأزمات على كل المستويات، ويمكن للمتظاهرين أن يكونوا الضامن الرئيسي لحماية مطالبهم والدفع باتجاه تحسين الأوضاع ومراقبة عمل الحكومة بشكل جدي. والى اين يسير الوضع؟ يمكنني القول أنه في ظل ضرورة المحافظة على الكيان اللبناني وعدم الذهاب نحو المجهول، ومنع دخول البلاد في الفراع، أن تشكل ورقة الإصلاحات خريطة طريق لإعادة هيكلة سياسات الدولة، وتحسين الوضع الإقتصادي، ومكافحة الفساد المستشري، في حال كانت هناك إرادة جدية للعمل، وتوافق بين كل الأطراف، حيث يمكن أن تكون هذه الورقة -على الرغم من مكامن الضعف في بعض بنودها، والهفوات الموجودة في بنود أخرى- بشكلها العام آلية للبدء بالدخول في الإصلاحات مع إمكانية إدخال إضافات جديدة عليها، وبالتالي أن تؤدي إلى ثورة في إدارة الدولة وإعادة ترتيب الأوضاع الداخلية في المؤسسات الحكومية والذهاب نحو حوكمة جديدة خالية الى حد كبير من الفساد، علماً أنها لا تلبي كل طموحات الشعب. لكن المظهر الايجابي الأساسي في الحراك المشتعل، هو أن الرسالة الشعبية وصلت بقوة، وأن كل الأطراف تحسست الخوف على مستقبل البلاد ومستقبل النظام ومستقبلها، ولذلك يجب أن يكون عند الجميع تحمل مسؤولية الخطأ والإنطلاق منه نحو تحمل مسؤولية التغيير الفعلي، لكي نخرج من نموذج الفشل إلى نموذج جديد.
نحن الان بحاجة إلى العمل والتضحية لكي نتمكن من الخروج من هذه الأزمة، والنقطة الأهم في كل ذلك أنه لم يعد ممكناً للسلطة أن تتحكم بكرامة ومقدرات الشعب اللبناني وأن تبني ثروات على حساب اللبنانيين، ولم يعد بإمكان المصارف أن تتحكم باللبنانيين بعد أن تحسست الخطر على استقرارها.
• ما مدى مخاطر التدخل الخارجي للتأثير على خط الانتفاضة؟
كلنا متفق على المطالب المحقة، لكن إغلاق الطريق عدوان في حق الشعب إغلاق الطريق سيمنع وصول القمح والدواء والبنزين ويعطل مصالح الناس.
هناك من يعمل على حجز حرية الشعب والتفاوض عليها لتحقيق مكاسب خاصة من قبيل القوات اللبنانية حيث ان هدف جعجع من التظاهرات أصبح واضحاً ويريد القول أن عهد ميشال عون فاشل وهكذا يجمع المسيحيين حوله لكي يصل إلى رئاسة الجمهورية، فضلاً عن تنفيذه لمشروع أمريكي خليجي قائم على محاسبة الحريري على سياساته الداخلية التي ابتعدت عن السياسة السعودية داخلياً، فضلاً عن محاولة محاصرة المقاومة وتأليب الرأي العام ضدها. الرهان اليوم على وعي الشعب لمنع ركوب الحراك من قبل هؤلاء الفاسدين وعدم تضييع المطالب المحقة، وإدخال البلد في فراغ يريده جعجع وجنبلاط.