غيّرت تلك الصورة النمطية للبنان الطائفي ، فهناك وحدة وطنية وارتفاع منسوب الحس الوطني لدى الجيل الجديد من الشباب الذي ثار على أوضاعه وعلى طبقته السياسية وعلى زعماء الطوائف . لأول مرة يهتف اللبنانيون من مختلف الأعمار والطوائف والأديان والمناطق بصوت واحد «كلن يعني كلن» في دعوة واضحة الى اسقاط الجميع دون استثناء . فالأوضاع الكارثية التي وصلت اليها البلاد والفساد المتفشي في كل القطاعات وتدني الخدمات الحياتية للمواطن العادي مثل المياه والكهرباء والصحة ، كل ذلك يتحمل مسؤوليته السياسيون بمختلف اطيافهم وطوائفهم .
لبنان اليوم أصبح طائفة واحدة هي طائفة الناقمين الغاضبين الثائرين المطالبين بالتغيير وبالإصلاح العاجل وبإعادة الأموال المنهوبة من الوزراء والنواب والسياسيين . فتلك هي أبرز مطالب المتظاهرين في بلد الأرز التي وصلت أعدادهم الى أكثر من مليون شخص بحسب وسائل اعلام محلية في بلد يقطنه 4 ملايين نسمة. وقد استجاب اللبنانيون المنتشرون في مختلف مناطق الاغتراب حول العالم لصرخة أبناء وطنهم وخرجوا في مظاهرات داعمة لمطالب الانتفاضة في عدد من عواصم العالم .
ولعل نقطة الضوء الأهم في هذه الاحتجاجات هو غياب مظاهر العنف التي دمرت ثورات الدول العربية الأخرى وحولتها الى حروب أهلية طاحنة. فبكل تحضر ورقي وبرقصات الدبكة التقليدية اللبنانية ، يلتف الجميع حول مطلب واحد وهو إسقاط كامل السلطة السياسية. كما طالب المشاركون بتشكيل حكومة انقاذ وطني مصغرة من اختصاصيين وتكنوقراط بعيدة عن الطبقة السياسية لإنقاذ البلاد من الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها.
لقد تفجرت موجة الغضب اثر اعلان الحكومة فرض ضرائب جديدة في موازنة العام القادم، تطال قطاع الاتصالات المجانية عبر الهاتف الخلوي، وغيره، بهدف توفير إيرادات جديدة لخزينة الدولة. ولئن أعلنت الحكومة، تراجعها عن مشروع فرض الضرائب والرسوم الجديدة، لكن المحتجين رفعوا سقف مطالبهم إلى إسقاط النظام.
وبعد انقضاء مهلة الـ «72 ساعة» التي طلبها رئيس الحكومة سعد الحريري من المتظاهرين لتقديم حل يرضي الشارع، واقرار الرئاسة على ورقة الاصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة ، وبغض النظر عن مآل الحراك المدني الثوري الذي اجتاح كل المناطق والساحات اللبنانية بعد هذه القرارات المعلنة، وعما اذا كان سيرضى بالإصلاحات الجديدة العاجلة ام لا...إلا ان المعطى الأهم هو أن لا صوت يعلو اليوم في شوارع لبنان فوق صوت الوطن وصرخة المواطن التي عبرت كل الحدود ووصل صداها الى العالم أجمع ضد كل الطبقة السياسية الحاكمة ...فاليوم الجميع للوطن.