وسط اتهامات لتركيا بمحاولات السيطرة على شرق الفرات . وتعيد هذه التطورات الميدانية تشكيل التوازنات العسكرية على الحدود السورية وفق رؤية تركيا بالأساس وسط تنديد أوروبي ودولي لهذا التحرك ، وقد اقتصر موقف الجامعة العربية على إدانة الهجوم على دولة عربية .
وترفض أنقرة الدعوات الدولية لوقف الهجوم وتقول أن العملية العسكرية تهدف إلى إنشاء «منطقة آمنة» تمتد لعمق 32 كيلومترا في شمال شرق سوريا لضمان عودة ملايين اللاجئين السوريين وإخلاء المنطقة من المقاتلين الأكراد الذين تعتبرهم خطرا على أمنها القومي .
وقد بدأت العمليات البرية التي ينفذها الجيش التركي منذ أسبوع في عدة محاور أبرزها في محافظة حلب ومدينة تل ابيض وقرى في مدينة الرقة والحسكة ومدينة راس العين . وذلك بعيد الإنسحاب الأمريكي من المنطقة في خطوة اعتبرت كأنها ضوءا اخضر أمريكي لأنقرة. في هذا السياق تأتي زيارة نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس أمس إلى أنقرة في محاولة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار ووقف الهجوم التركي على شمال سوريا. وكان موقف اردوغان واضحا حيث شدد على رفض أية مفاوضات مع المسلحين الأكراد في سوريا وقال إن الخيار الوحيد أمامهم هو إلقاء أسلحتهم. ويواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتقادات متزايدة خاصة في الداخل الأمريكي بسبب سحبه المفاجئ لقواته لصالح أنقرة .
والواقع أن ما يحدث اليوم هو صراع على المناطق والنفوذ في سوريا بين القوى الكبرى والإقليمية المؤثرة في الملف السوري ...فهناك صراع تركي روسي للسيطرة على المناطق الكردية التي كانت تخضع للحماية الأمريكية . فيما يسعى الجيش السوري إلى إعادة تلك المناطق تحت سيادته ونشر جنوده فيها بعد أن ظلت لأكثر من ثماني سنوات منذ « الثورة» خارجة عن سيطرته .
اليوم يعاد تشكيل الخريطة السورية أمام أنظار العالم والموقف العربي الرسمي لا يتعدى أكثر من إدانة للعملية التركية. فهذا الهجوم يدفع أكثر نحو إعادة تعقيد المشهد السوري وتأجيل التسوية السياسية التي باتت مطلبا ملحا لملايين النازحين السوريين الذين شردوا من ديارهم قسرا وأصبحوا لاجئين على حدود الدول الأخرى. ويدفع السوريون من دمائهم ثمن هذه الحرب العبثية التي تدور رحاها وحصيلة الهجوم التركي حتى الآن بلغت 72 مدنيا قتلوا، و300 ألف نازح في المناطق الحدودية التركية غالبيتها في محيط مدينة الحسكة، إضافة إلى 83 ألف نازح تلقوا مساعدات الأمم المتحدة في المخيمات والملاجئ الجديدة بحسب حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وتحولت أربعون مدرسة إلى ملاجئ للنازحين في محافظة الحسكة، حسب المرصد. فيما يواجه 400 ألف شخص في مدينة الحسكة ومحيطها خطر نقص المياه، وفق الأمم المتحدة، بعد تعرّض محطة رئيسية للقصف جراء الهجوم.
أما الخطر الأكبر فهو تداعيات هذه العملية على الأمن الغذائي في سوريا بعد تهديد موسم الزراعة باعتبار أن إجمالي محصول الحبوب في سوريا يتم إنتاجه في شمال شرق البلاد. وقد علقت أيضا منظمات دولية غير حكومية نشاطاتها الإنسانية في مناطق الإدارة الذاتية الكردية بعد تردي الأوضاع مما ينبئ بتصاعد الأزمة الإنسانية في هذه المعركة والصراع الجديد على النفوذ الذي يدفع السوريون ثمنه باهظا من تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم .