قتلى وجرحى.. حظر تجوّل.. واستنفار عسكري: مظاهرات العراق ... ثورة شعبية أم احتجاجات موسمية ؟

يشهد العراق هذه الأيام احتجاجات شعبية غاضبة تسارعت وتيرتها يوم أمس لتبلغ حصيلة الضحايا 21 قتيلا بالإضافة إلى عشرات الجرحى

ومئات المعتقلين.وبدأت المظاهرات الشعبية منذ يوم الثلاثاء المنقضي ضد الفساد والمحسوبية مطالبة برحيل «الفاسدين» وتأمين فرص عمل للشباب العاطل عن العمل.

ومع تزايد وتيرة الاحتجاجات التي بدأت في العاصمة بغداد لتطال في ما بعد مدنا أخرى وصولا إلى المنطقة الخضراء وهي منطقة ذات أهمية بالغة باعتبار أنّها تضم منشآت حساسة وسفارات اغلب الدول العربية والأجنبية. وقد فرضت قوات الأمن العراقية حظرا شاملا للتجوال في عموم العاصمة،وفق قرار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، في مسعى لاحتواء موجة الاحتجاجات التي انطلقت يوم الثلاثاء الماضي. وأمر وزير الدفاع العراقي بفرض حظر تجوال طارئ في العاصمة العراقية، بغداد، ابتداء من الساعة الخامسة من صباح يوم امس الخميس بالتوقيت المحلي حتى إشعار آخر، باستثناء المسافرين من وإلى مطار بغداد الدولي بالإضافة إلى سيارات الإسعاف والفرق الطبية ، كما طوقت قوات الأمن أغلب أحياء العاصمة بغداد بعد اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن تم إثرها استعمال الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع.ورغم ذلك استمرت الاحتجاجات الشعبية يوم أمس بعد رفض المحتجين الاستجابة لحظر التّجوال الذي تم فرضه في البلاد. وتعالت أصوات المنظمات والدول المنادية بالتهدئة بضرورة احترام الحق في التظاهر السلمي وسط مخاوف من توسع رقعة الاحتجاجات وتأثيراتها على امن العراق وأمن المنطقة .

«حكومات سائبة»
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي جاسم البديوي لـ«المغرب» أن «العراقيين شهدوا في الأسبوع الماضي ثلاثة أحداث أظهرت الوجه الحقيقي القبيح والهمجي للسلطة الغاشمة، هذا الوجه البذيء الذي كان يختبئ خلف أقنعة الكلام المعسول والوعود الكاذبة للمسؤولين الذين استولوا على مقدرات هذه الدولة فنهبوا خيراتها وسرقوا المال العام، وتسلطوا على رقاب الناس بمساعدة وتواطؤ مع المؤسسات المستفيدة والمتنفذة في الداخل والخارج.»

وأضاف «لقد جسدت تلك الأحداث الثلاثة انتهاكا صارخا لحقوق المواطنين من جهة، واستهتارًا وعنجهية من السلطات التي ابتلي بها الشعب من جهة أخرى. وقد شكلت إهانة حملة الشهادات العليا المطالبين بتوفير درجات وظيفية تضمن لهم حقهم في ان يكونوا أعضاء نافعين لمجتمعهم ومواطنيهم، صدمة وخيبة أمل للوجدان الشعبي، لا سيما بعد ان فرقت السلطات الغاشمة هذه التظاهرات السلمية، التي كفلها الدستور العراقي، بالقمع المفرط عبر ضربهم،شبانًا وشابات، بخراطيم المياه والهراوات وسحلهم في الشارع، في مشهد يتعارض مع شرعة العقلانية وحقوق الإنسان» وفق تعبيره .

وتابع الكاتب العراقي «ان الإحباط والأسى قد ازدادا بعد ان طردت حملة الحكومات المحلية البربرية الفقراء إلى العراء بعد هدم بيوتهم وتحطيم بسطات أرزاقهم، دون ان تتحمل هذه الحكومات السائبة مسؤولياتها في تداعيات هذه الخطوة الساذجة والتي لم تكن انموذجا في سوء الإدارة وانعدام التخطيط والدراسة فحسب، بل كانت مؤشرًا واضحًا على ان معظم عمل مؤسسات هذه الدولة قائم على أساس التمايز الطبقي والعنصرية والجهل والمزاجية. الأمر الذي شجع على الكراهية وآثار النعرات العنصرية بين ابناء البلد الواحد، كما دفع احد الشبان الكسبة الى إضرام النار في جسده احتجاجًا على تلك الطريقة العشواء في التعامل مع المواطن، مما أدى إلى وفاته مع الأسف الشديد، في مشهد أعاد إلينا صورة البوعزيزي التونسي الذي كان الشرارة الأولى لثورة تونس المعروفة».

«النعرات الطائفية والمحاصصة»
واشار الكاتب والمحلل السياسي العراقي جاسم البديوي إلى أنّه «بعد ذلك أقدمت السلطات الغاشمة على إبعاد الشخصيات الوطنية التي شهد لها العراقيون كافة بالنزاهة والكفاءة من المشهد، ما استفز الوجدان العراقي الذي يرى في تلك الشخصيات رموزا لعراق واحد عابر للطائفية والمحاصصة التي إنما تأسست عليها حكومات العار المتعاقبة، فدافع العراقيون عن إبعاد وإهانة الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي لأسباب واهية لم تقنع الرأي العام بحياديتها وموضوعيتها.ورغم أن تلك الأحداث كانت مقدمات لفورة الغضب التي اجتاحت الشارع، إلاّ أنها لم تكن الأسباب والعوامل الوحيدة التي جعلت من الحشود تخرج من بيوتها لتتلقى رصاص جلاوزة الخضراء بصدور مفتوحة وأيادي بيضاء» .

وبخصوص تطورات المشهد الراهن قال البديوي أنّ السبب الرئيس في ما يحدث اليوم هو إيمان هذه الحشود بأنهم أمة تستحق أكثر من مجرد حكم مجموعة اللصوص المرتزقة المتربعة على سدة الحكم هذه، إنما هو إيمانها بأنها تستحق أكثر بكثير من تلك العصابة الضالة التي تتستر بمباركة المرجعيات والسفارات المتنفذة على حد سواء. وتابع أن هذه الحشود الشجاعة لم تنتظر ، هذه المرة، فتوى من رجل دين، ولا أمر من زعيم فصيل سياسي، ولا من توجيه حزبي أو طائفي أو مناطقي، بل إنما خرجت تحت ضغط الروح الوطنية الصافية، والضمير الأخلاقي الخالص، والخوف على مستقبل روح هذه الأمة التي تمزقها عواصف العابثين».

وأضاف محدثنا أنها «الروح العراقية الأصيلة التي يعرفها البعيد والقريب، انها الروح التي يجود بها العراقيون في هذا الوقت من كل سنة، انها روح العطاء والبذل والثورة على الظلم والاستبداد. انها الروح التي تدرك جوهر ما تدعو اليه الأديان، وما يمليه الإيمان، وما يقره الوجدان الحي، من دون فذلكات رجال الدين وبهلوانياتهم ووصايتهم المزعومة على الناس. لقد وفرت هذه الاحتجاجات ثقافة جديدة تعكس الروح الواقعية للأمة العراقية يمكن أن تكون إطارا للتغيير السياسي وركيزة أساسية لبناء مستقبل هذه البلاد الغنية بمصادرها الذاتية والموضوعية.» حسب تعبيره.

واكد الكاتب العراقي أنه قد آن الأوان للاعتراف بأن الخلل الأكبر يكمن في طبيعة هذا النظام الذي انتج هذه الحكومات الفاسدة المتجبرة، ويجب تحمل المسؤولية بشكل كامل لإعادة ترتيب شكل جديد للنظام يعكس التمثيل الحقيقي لروح الأمة العراقية الغنية و إرادة الشعب المتطلع الى الحرية والكرامة والازدهار.

مضيفا انها دعوة لرجال البلاد ونسائها كافة، كادحيها ومثقفيها، أكاديميها وباحثيها، شعرائها ومفكريها، وابنائها المخلصين إلى دعم هذه المطالب بالدعوة إلى الاستقالة الفورية لهذه الحكومة البائسة، بعد ان فقدت مسوغات شرعيتها بقتل ابناء شعبها العزل، وتقديم ممن تورط في سفك دماء الشباب إلى العدالة، بعد ذلك يمكننا التفكير بجدية بشأن كتابة قانون انتخابات جديد تكتبه لجنة جديدة لا تطالها رغبات لصوص السياسة المارقين ، وتعديل الدستور لاسيما في فقراته التي أسست للمحاصصة الطائفية والقومية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115