ما بين الدول المشاركة في هذا الفضاء. و بعد التوصل إلى اتفاق على المبادئ مع البرلمان الأوروبي شرعت المفوضية في تحديد البنود المعتمدة في النص الجديد و التي سوف تطرح على موافقة المجلس الأوروبي من أجل تشديد الخناق على الهجرة غير النظامية و حماية الحدود الخارجية للدول الأعضاء من الإرهاب و العمل الإجرامي واللجوء المغلوط.
و كان رئيس المفوضية جون كلود يونكر قد رسم استراتيجية أوروبا عام 2014 عندما صرح حينها :«نحن نحتاج إلى حدود آمنة في أوروبا. سياساتنا الجماعية في مسألة اللجوء و الهجرة النظامية لا يمكن أن تكون ناجعة إلا إذا نجحنا في منع أمواج الهجرة غير النظامية.» لكن أزمة 2015 جاءت لتهز نظام شنغان و أجبرت بعض الدول الأعضاء على غلق حدودها أمام موجات اللاجئين من سوريا و العراق و أفغانستان غير دول البلقان الشيء الذي أخل بنظام حرية التنقل داخل دول الإتحاد وهي الحرية الأساسية التي كانت وراء اتفاق شنغان. لهذا السبب أكدت رئيسة المفوضية الجديدة أمام البرلمان الأوروبي يوم 16 جويلية الماضي أنه «يجب العودة لفضاء (شنغان) يحمي كليا حرية التنقل التي هي جزء أساسي في ازدهارنا و أمننا و حرياتنا».
إخلالات نظام شنغان
أزمة 2015 للهجرة ،و التي واكبتها موجة من الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا و ألمانيا و بلدان أوروبية أخرى، جعلت عديد البلدان الأوروبية تتخذ إجراءات استعجاليه مختلفة. ففي حين فتحت ألمانيا حدودها أمام أكثر من مليون لاجئ سارعت المجر و النمسا إلى غلق حدودها أمام اللاجئين و قررت أخرى مثل البلدان الاسكندينافية قبول بعضهم و رفض البعض الآخر في أجواء مشحونة بين بلدان غرب أوروبا و البلدان الشرقية و الدول المتوسطية التي ، مثل اليونان و إيطاليا و اسبانيا تواجه بمفردها موجات متكررة من الهجرة عبر البحر بدون أن تفعل آليات التضامن الأوروبي لمساعدتها على اقتسام العبء.
و بموجب هذا الوضع سجلت إخلالات في نظام شنغان في عدد من البلدان الأوروبية التي أغلقت حدودها الخارجية أمام حرية التنقل بما في ذلك للمواطنين الأوروبيين داخل الحدود الأوروبية الذين خضعوا للمراقبة عند دخولهم الحدود . وهو مخالف للميثاق ولو أن هذه الدول، و في مقدمتها فرنسا و ألمانيا و النمسا و النرويج والسويد، كان لها الحق في ذلك حسب القانون الأوروبي المعتمد. و تعمق الخلاف مع المواقف الأحادية التي اتخذها المجر في رفع حواجز حديدية مع صربيا وكرواتيا و رومانية لمنع اللاجئين من العبور واعتبارهم مجرمين في حال دخلوا البلاد. وهو ما اعتبرته بروكسل خرقا للقوانين الأوروبية. واستفحلت الأزمة مع قرار ماتيو سالفيني، وزير الداخلية و نائب رئيس الحكومة الإيطالية السابق، غلق المواني الإيطالية أمام بواخر النجدة في البحر الأبيض المتوسط.
أنظمة مراقبة جديدة ومحينة
الجديد في هذا الأمر جاء في تقرير للمفوضية الأوروبية صدر هذا الشهر يشير إلى الإجراءات الجديدة المعتمدة في تطوير نظام شنغان حتى يضمن حرية التنقل داخل الحدود المشتركة. وهو ، في الحقيقة، مشروع في ظاهره ليبرالي بالنسبة للأوروبيين لكنه زجري بالنسبة للأجانب، أي اللاجئين والمهاجرين والسياح. و أدخل المشروع الجديد عدة تحيينات على الأنظمة المعتمدة إلى حد الآن و عددا من الأنظمة الجديدة.
في طليعة هذه الإجراءات ، يأتي تحيين نظام الإعلام حول التأشيرات الذي يدير منح تأشيرات الدخول لفضاء شنغان. سوف يتم اقتسام المعلومات بين الدول الأعضاء في نظام البيانات المشترك في ما يخص هوية طالب التأشيرة و بصماته . وهو يمكن السلطات في كل بلدان شنغان من مراقبة الحدود لصد الأشخاص الذين اشتروا تأشيرة خارج النظام المعتمد. و سوف يسمح لأعوان الأمن داخل الفضاء المشترك من التحقق في الهويات عبر هذا النظام ويسهل عملية تعقب المخالفين و الفارين من العدالة و الأشخاص الممنوعين من دخول أوروبا. وهي آلية جديدة الهدف منها حماية أوروبا أمنيا من الإرهاب والأعمال الإجرامية المنظمة.
الإجراء الثاني يتعلق بإرساء قاعدة بيانات موحدة تضبط بصمات كل الأشخاص الذين طلبوا اللجوء في بلد أوروبي خاضع لشنغان أو خارجه مع دمج البصمات و البيانان القضائية المتعلقة بالقضايا المفتوحة في كل البلدان الأوروبية في هذا السجل الموحد. و سوف يمكن ذلك من إقصاء كل شخص يتقدم بمطلب لجوء وهو متتبع عدليا في أوروبا. و تعمل المفوضية على فتح سجل آخر يدخل حيز التطبيق في جانفي 2021 يحتوي على معلومات (هوية و بصمات) لكل الأشخاص الذين لا يحتاجون لتأشيرة. و سوف يخضعون لطلب تسريح بالسفر قبل دخول الفضاء الأوروبي المشترك. وهو ما يسمح، حسب نص المشروع، للسلطات الأوروبية أن «تتعرف على هوية الشخص الذي لا يخضع للتأشيرة قبل أن يشرع في سفره نحو أوروبا». وهو إجراء يمكن السلطات من منع سفر الأشخاص غير المرغوب فيهم. لكن إلى حد الآن لم تتبين سبل تطبيق هذا الإجراء الذي سوف يشمل بالضرورة مساهمة شركات الطيران و النقل البري و البحري.
الإجراء الثالث يتعلق ببعث بيان رقمي مركزي مشترك تجمع فيه كل الأحكام القضائية و يشمل السجلات القضائية (مثل بطاقة عدد 3 في تونس) للأشخاص الأوروبيين وغير الأوروبيين الذين تمت إدانتهم في الفضاء المشترك من قبل المحاكم الأوروبية. ويعطي هذا النظام إمكانية آنية للتعرف على الحالة القضائية للأشخاص عند تقديم مطالب التأشيرة مما يسهل عملية منعهم من دخول أوروبا.
نظام جديد سوف يتم اعتماده ابتداء من 2022 يتعلق برصد الدخول والخروج من الفضاء الأوروبي المشترك. و ينص المشروع على تسجيل الهوية و صورة رقمية للوجه تؤخذ في المطارات والمواني و الحدود البرية لكل عابر للحدود مع زيادة المعلومات الموجودة في جواز السفر. وهي بيانات تتعلق بملايين من المسافرين بدأ العمل بها في الولايات المتحدة الأمريكية و كندا و أسترالية و المملكة العربية السعودية. وهي تعتمد على مراقبة المواطن حيثما كان. فالبيانات الرقمية لصورة الوجه يمكن رصدها في الشوارع عبر كاميرات المراقبة التي تمكن أعوان الأمن من التعرف آنيا على هوية الشخص و حالته القانونية على الأراضي الأوروبية.
آخر نظام سوف يشهد تغييرات في الأشهر القادمة هو نظام «فرونساكس» المعتمد منذ سنين لمراقبة الحدود المشتركة و خاصة منها الحدود البحرية. وهو يعمل أساسا على التصدي للهجرة غير النظامية ة يستخدم أجهزة البحرية الأوروبية من بواخر و طائرات و عتاد و جنود. و إن يصل اليوم عدد الموظفين المجندين في هذا الجهاز إلى 1500 عونا فإن المشروع الجديد سوف يرفع هذا العدد إلى 10 آلاف في السنوات القليلة القادمة.
قلعة محصنة
و نددت عديد المنظمات الحقوقية الناشطة في مجال اللجوء و الهجرة بالمشروع الجديد للمفوضية الأوروبية. و أعلنت منظمة «صيماد» الفرنسية المختصة في إعانة المهاجرين واللاجئين على لسان أمينها العام جون كلود ماص، في تقرير على أنشطة المنظمة، أن «الإتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء يجاوبون بسياسة قمعية تعتمد التقليص الجذري في التحرك ، مما يجرهم الى نشر تجهيزات أمنية وعسكرية صالحة في زمن الحرب». و ندد بالضغوطات المفروضة على ليبيا و تركيا و النيجر و السودان للتعامل مع هذا الوضع غير الإنساني الذي يجعل من أوروبا «قلعة محصنة» تعتمد «سياسات مغلقة ضد أبسط حقوق الإنسان و تسبب خسائر بشرية لم نكن نتصورها ممكنة في مسالك الهجرة».
لكن يبدو أن حجم التنديدات المتتالية من قبل منظمات المجتمع المدني لن تمنع القرارات الأوروبية النابعة عن المحافظة على المكاسب السياسية والاقتصادية لمختلف الحكومات القائمة و الداعمة للتوجهات الأوروبية المشتركة.