الكاتب والباحث العراقي نصيف الخصاف لـ«المغرب»: الوضع في المنطقة قابل للتفجّر في أيّة لحظة، وهو أكثر دموية مما كان عليه أيام الحرب مع «داعش» الإرهابي

• «إيران ليس من مصلحتها التصعيد في المنطقة»
اعتبر الكاتب والباحث العراقي نصيف الخصاف ان إنكفاء التنظيات الإرهابية المسلحة وخاصة «داعش» الإرهابي في سوريا والعراق

أجبر الأطراف المختفية وراء الكواليس أن تظهر نفسها وتظهر عداءها للآخر والحديث عن الحرب المباشرة معه بدأ يأخذ وتيرة تصاعدية.مشيرا في حديثه لـ«المغرب» الى ان الوضع في المنطقة قابل للتفجر في أية لحظة، والوضع أكثر دموية مما كان عليه أيام الحرب مع داعش. اما عن الصراع الإيراني الخليجي فاوضح انه ليس من مصلحة ايران التصعيد وان ما يشغل ترامب الآن أمور أخرى في مناطق أخرى من العالم، مثل الحرب التجارية مع الصين، وشبه الحرب التجارية مع أوربا، وخروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي، والتعاطي مع روسيا، أما منطقة الشرق الأوسط فلا يهمه فيها شيء قدر إستمرار تدفق النفط منها.

• كيف هو الوضع في المنطقة عموما وبأي الإتجاهات يسير حسب توقعاتكم؟
الوضع في المنطقة قابل للتفجر في أية لحظة، مع إن الوضع أكثر دموية مما كان عليه أيام الحرب مع داعش، لكن كانت الحرب مع داعش تفرض نوعا من القيود على تطورات الأحداث بين الأطراف المتعادية أو المتخاصمة، بكلام آخر، كانت الأطراف المتعادية داخلة في الحرب بشكل أو بآخر، وكان كل طرف يسعى لإنهاك الآخر من خلالها، فإسرائيل كانت تسعى من خلال حلفاءها العرب وغيرهم لتقوية بعض الفصائل المسلحة في سوريا ضد النظام هناك وحلفاءه المتمثلين بصورة اساسية من حزب الله اللبناني وإيران وحتى روسيا، وإشتركت الطائرات الإسرائيلية بصورة مباشرة في الصراع من خلال ضرب مقرات ومعسكرات للجيش السوري وحلفاءه، بينما كانت إيران تسعى وساعدت النظام السوري في محاربة الإرهاب والفصائل المسلحة التي كانت لا تختلف كثيرا عن داعش مثل جبهة النصرة وجيش تحرير الشام وغيرها والتي لا تزال مدعومة من بعض الأطراف العربية والإقليمية، لكن إنكفاء التنظيات الإرهابية المسلحة وخاصة داعش في سوريا والعراق أجبر الأطراف المختفية وراء الكواليس أن تظهر نفسها وتظهر عداءها للآخر والحديث عن الحرب المباشرة معه بدأ يأخذ وتيرة تصاعدية.

• ماهي قراءتكم للوضع في العراق؟
الوضع في العراق سيء رغم اندحار داعش، أنا أتكلم هنا عن إدارة الدولة وليس عن مفردة الوضع الأمني الذي هو في تحسن ليس بسبب إدارة حكيمة وفاعلة للملف الأمني بقدر ما هو حصيلة لتغير المواقف الدولية والتحالفات الإقليمية والحاجة لوجود عراق مستقر للمرحلة المقبلة من الصراع في المنطقة عموما. والحكومة لا يمكن أن تنجح في إدارة موارد البلد مادامت المحاصصة الحزبية متفشية في البلد وتعيين أنصاف المتعلمين في مناصب مهمة وحساسة في الدولة، وما دامت هناك أيادي تلعب بمقدرات البلد خارجية بأذرع داخلية مسلحة وغير مسلحة، وما دام هناك من يعتقد بإمكانية تفصيل مقدرات الدولة على مقاساته، وما دام يسيطر على المناصب المهمة في البلد بعض العراقيين الذين عاشوا في الخارج ولازالت عائلته تعيش هناك ويعتبر المنصب فرصة للإثراء السريع ليس إلا.
يحاول رئيس مجلس الوزراء الحالي إتباع نهج سلفه حيدر العبادي في النأي بالعراق عن الصراع في المنطقة، أعتقد إن هذه السياسة حكيمة رغم عدم قناعتي بمدى قدرتها على الصمود بوجود ولاءات حزبية وشخصية لأطراف مهمة في الحكومة مع جهات خارجية داخلة في خضم صراع مع أطراف أخرى لها ذات العلاقات مع أطراف أخرى داخل العراق، وبالمناسبة هذه إحدى مشكلات إنعدام الأمن وإنعدام فرصة الحديث عن بناء عراق آمن ومستقر.
لو كان هناك من يستمع للنصيحة في الرئاسات الثلاث –إذا كانوا صادقين في رؤية عراق مزدهر ومستقر- لقلت لهم قللوا الأحاديث وأكثروا من الأفعال، العراقيون لم يعد لديهم قدرة على تحمل المزيد من الإرهاق والجوع وضياع وسرقة مواردهم أمام أعينهم. أنجز «السيسي» في مصر خلال عامين ثلاث محطات لإنتاج (14400 ميغا فولت أمبير) بكلفة تبلغ نصف مخصصات وزارة الكهرباء العراقية السنوية التي لازالت منذ 15 عاما تراوح مكانها رغم المبالغ الضخمة التي تكفي لتغطية كامل الشرق بحاجته للطاقة الكهربائية فيما لو إنفقت في مكانها الصحيح وهكذا في باقي القطاعات الصحية والخدمية الأخرى. هذا الفشل المتراكم يهدد سلامة البلد وليس فقط وجود السلطة، سيضطر المواطنون للخروج الى الشوارع للمطالبة بحقوقهم وليس بوسع أحد التنبؤ كيف ستؤول الأمور، ولن يكون لأحد القدرة على إيقاف التدهور إذا بدأ.

• أين وصلت الحرب ضد الإرهاب؟
الحرب ضد الإرهاب مستمرة، لكن علينا أن نسأل سؤال آخر، كيف يستمد الإرهابيون هذه القدرة على المطاولة في الصراع؟ من اين يحصلون على إمداداتهم من السلاح والمال؟ في رأيي الإرهاب يدار بأيدي خفية قادرة على توجيهه الوجهة التي يريدها مدراءه، قد يعترض من يعترض بأنني من أتباع نظرية المؤامرة وإن كل ما يجي هو مؤامرة تحاك خيوطها في الظلام، أقول نعم أنا في هذا الموضوع تحديدا من أتباع نظرية المؤامرة، وإلا كيف تفسر عدم إستهداف إسرائيل بعملية واحدة بينما استهدفت كل بلدان العالم؟ كيف لم يستهدف الإرهابيون إسرائيل ولا بقذيفة واحدة عندما كانوا على حدودها في المناطق التي سيطروا عليها في سوريا ولبنان؟ لماذا يستخدم جرحى داعش المستشفيات الإسرائيلية للعلاج والمداواة ويعودون بعدها الى سوريا؟
الحرب ضد الإرهاب «بزنس» من مصلحة بعض الأطراف إستمراره بالوتيرة التي يرونها مناسبة، تقوى عندما يقررون وجوب تقويتها، وتضعف عندما يقررون وجوب إيقافها، مصالحهم الخاصة والصراع في المنطقة هي ما يحدد أي السيناريوهات يستمر.

• ماذا عن إستهداف شركة أرامكو في السعودية وهل هناك مؤشر لتصعيد جديد في المنطقة؟
تتجه أصابع الإتهام إلى إيران في إستهداف شركة أرامكو السعودية من منطلق إنها في صراع معها وإن إيران تريد خلق أزمة في سوق النفط لتسويق نفطها أو فرض التعاطي مع موضوعها بطريققة أخرى. أنا شخصيا لا أميل إلى هذا الإعتقاد لسبب بسيط هو ان إيران ليس من مصلحتها التصعيد في المنطقة ولا من مصلحتها أن تفقد بعض الأطراف العالمية الذين لازالوا متمسكين بالإتفاق النووي وخاصة بعض الأطراف الغربية مثل المانيا وفرنسا بالإضافة الى روسيا والصين طبعا، ومثل هذا العمل قد يؤزم الموقف وتفقد معه إيران فرصة الحصول على دعم هذه الأطراف في مفاوضات الملف النووي.

•أميل إلى الإعتقاد إن هناك إحتمالين في كيفية تنفيذ الضربة:
الأول: قد يكون الفاعل حليف لإيران إعتقد إن ضرب هذه الأهداف سيصب في مصلحة إيران وقام بتنفيذ الضربة دون تشاور أو تفاهم أو علم إيران بها، مثل الحوثيون الذين أعلنوا تبنيهم للضربة ولا أستبعد وجود أيدي لأطراف أخرى حليفة لإيران في العملية.
الثاني: أن يكون هناك طرف «خفي» يريد تصعيد الموقف مع إيران فعمد إلى ضرب هذه الأهداف كي يزرع بذور الحرب في المنطقة التي بالتأكيد ليس في صالح أي طرف في المنطقة بإستثناء إسرائيل، وهذا الإحتمال أكثر ترجيحا لسبب بسيط هو إن إيران بالإضافة الى كونها لا تريد تصعيد الموقف في المنطقة، فإنها لا تمتلك صواريخ كروز تطير منخفضة «بمستوى الأبنية» وتتمتع بهذه الدقة في التصويب، والأطراف الوحيدة التي لها مثل هذه القدرة هي الولايات المتحدة وإسرائيل. أما الهدف من وراء ذلك فهو معروف، فبحجة هذا العمل أرسلت الولايات المتحدة الجنود والمعدات الى المملكة العربية السعودية، وسيتم مطالبة السعودية بمبالغ طائلة لـ«حمايتها» من «إيران»التي إستهدفتها وستستهدفها في المستقبل بمثل هذه الصواريخ. الموضوع «بزنس» هو الآخر.
لن تكون هناك حرب مع إيران رغم دفع أطراف إقليمية في هذا الإتجاه، لن ترتكب الولايات المتحدة هذه الحماقة رغم شطحات رئيسها ورغم النزعة العدوانية في خطابه تجاه إيران.
لا يتحمل العالم حربا في منبع طاقته الرئيسي، سيكون ذلك بمثابة إدخال العالم في نفق ضيق قد لا يخرج منه لسنوات، لا أتكلم هنا عن إمكانية صمود إيران في حرب مع الولايات المتحدة، لكنها بالتأكيد ستستهدف منشآت النفط في المملكة العربية والخليج وستغلق مضيق هرمز، وربما كان من ضمن أهداف الضربة معرفة قدرة الولايات المتحدة عن التعويض عن الخسائر في سوق النفط فيما إذا تعرض إمداد النفط الى الخطر.

• ما رأيك في إستراتيجية ترامب في المنطقة؟
ليس للرئيس الأمريكي إستراتيجية للتعاطي مع مشاكل المنطقة رغم الحديث الكثير عنها ورغم الحديث الكثير عن صفقة القرن وغيرها، هذا حديث لخداع العرب والحفاظ على نوع من التوازن في خطابه بينهم وبين إسرائيل، ليس هناك مسعى جدي لتحقيق أي شيء لا تريده إسرائيل، حل الدولتين لن يأت مادامت إسرائيل لا تريده، ما يشغل ترامب الآن أمور أخرى في مناطق أخرى من العالم، مثل الحرب التجارية مع الصين، وشبه الحرب التجارية مع أوربا، وخروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي، والتعاطي مع روسيا، أما منطقة الشرق الأوسط فلا يهمه فيها شيء قدر إستمرار تدفق النفط منها، وهذا أهم ما يسعى لتحقيقه وهناك من القدرة العسكرية والحلفاء في المنطقة والعالم من يضمن ذلك، للاسف قادة بلدان المنطقة يصدقون الكلام أكثر من الأفعال، أتذكر أن الرئيس الأسبق بوش في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء البريطاني بلير في خضم التحضير للحرب على العراق أكدا أمام الصحفيين «إن الولايات المتحدة وبريطانيا عازمتان على اقامة دولة فلسطينية خلال خمس سنوات وليسجل العالم علينا ذلك» ولم يسجل العالم ذلك ولم تنشأ دولة فلسطينية، إنها خطابات لخداع أمة لا تريد الصحو من سباتها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115