قطع العلاقات الاقتصادية مع ايران ، التي هددت في حال تنفيذ هذا القرار بإغلاق مضيق هرمز لما يحمل من أهمية كبيرة في نقل النفط بين دول الخليج العربي. وتسعى الولايات المتحدة الى تشكيل قوة لحماية مضيق هرمز على خلفية الازمة مع ايران . هذا المضيق الذي يعبر عبره أكثر من خُمس إمدادات النفط العالمية ويعد من اكثر الممرات المائية حركة للسفن في العالم . فهو يتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة بسبب موقعه باعتباره المنفذ البحري الوحيد للعراق والكويت والبحرين وقطر . وبحسب القانون الدولي فان المضيق يعد جزءاً من أعالي البحار، واهم ما ورد في الاتفاقية الدولية الموقعة في افريل من عام 1982 «تتمتع جميع السفن العابرة للمضائق الدولية، بما فيها مضيق هرمز، بحق المرور دون أي عراقيل، سواء كانت هذه السفن أو الناقلات تجارية أو عسكرية».
وقد طلبت امس واشنطن من المانيا الانضمام الى قوة بحرية الى جانب بريطانيا للمساعدة في ضمان الامن بمضيق هرمز في خطوة اثارت جدلا واسعا في المانيا وسط معارضة قوى سياسية المانية عديدة . ويرى مراقبون ان هذا الطلب الأمريكي من شأنه ان يزيد من حدة الصراع، ويجر المنطقة الى نزاع بحري جديد.
وسبق لوزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا ان اتفقوا يوم 22 جويلية الجاري، على العمل معا من أجل ضمان أمن الملاحة البحرية في مضيق هرمز. وكان رد طهران واضحا على لسان الرئاسة الايرانية في اتصال اكدت خلاله للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن طهران هي الضامن الأول لأمن خطوط الملاحة في مضيق هرمز. كما أكد الرئيس الإيراني أن طهران لن تبدأ أي توتر في المنطقة، لكنها ستواجه بقوة من يعرّض مصالحها للخطر. وأكدت أن أي حضور للقوات الأجنبية في الخليج سيزعزع الأمن والاستقرار فيه. فالى اين يسير هذا الصراع وما تداعياته على الوضع في المنطقة .
اية تداعيات؟
يؤكد المحلل والكاتب السياسي العراقي نصيف الخصاف في حديثه لـ«المغرب» ان موضوع أزمة الناقلات بين ايران وبريطانيا بدأ حين احتجزت قوات مشاة البحرية البريطانية ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق بتاريخ 4 جويلية المنصرم ما فتح الباب امام احتمالات عديدة من بينها احتمالات ردود إيرانية على الخطوة البريطانية التي عقدت المشهد المعقد أصلا».
ويضيف بالقول :«علينا ان نفهم اولا لماذا قامت بريطانيا بخطوتها في احتجاز الناقلة الإيرانية، هل هو قرار ضابط منفرد في مشاة البحرية البريطانية رأى ان تلك الناقلة «تنتهك» الحضر الذي فرضه الاتحاد الأوربي على سوريا فقرر احتجازها، ويستطرد بالقول :«هكذا امر لا يمكن ان يحدث دون ان يكون هناك قرار سياسي على اعلى المستويات باتخاذ مثل هذه الخطوة، ومعرفة دوافع القرار السياسي لاتخاذ هذه الخطوة اكثر أهمية وخطورة من مجرد احتجاز ناقلة نفط» ويعتبر محدثنا ان من بين التفسيرات ان بريطانيا كانت تسعى من وراء قرارها الى احد امرين: أولهما: خلق مبرر ،ذات طبيعة تصاعدية، للانضمام الى الولايات المتحدة في قرارها الانسحاب من الاتفاق النووي الذي التزمت به بريطانيا مع دول الاتحاد الأوروبي وروسيا بالإضافة الى الولايات المتحدة قبل اعلان رئيسها إلغاء الاتفاق من جانب واحد، بمعنى آخر ان بريطانيا بصدد خلق مبرر للالتحاق بالولايات المتحدة في موضوع الاتفاق النووي، خاصة ويمكن بواسطته جس نبض الشارع البريطاني والمواقف الدولية التي ستقرر فيما اذا كانت بريطانيا ستمضي بقرارها الى نهايته ام لا.
الامر الآخر الذي أرادت بريطانيا تحقيقه هو دفع ايران الى رد فعل يوحد القوى الدولية ضد ايران كما فعلت سابقا مع صدام حسين في موضوع أسلحة الدمار الشامل، شجعها في ذلك تصريحات لبعض المسؤولين الإيرانيين باحتمال إغلاق مضيق هرمز، الامر الذي ارادت بريطانيا خلق المبرر لإيران للقيام به، الامر الذي لم تفعله ايران، ورأت ان تقوم بدلا عن ذلك باحتجاز ناقلة النفط ستيرا امبيرو التي كانت تحمل العلم البريطاني كرد فعل محدد ضد دولة محددة قامت بفعل مشابه، وهو امر يبيحه القانون الدولي (الرد بالمثل).
احتمالات عديدة
وعن السيناريوهات القادمة في ظل التصعيد الحاصل بين ايران من جهة والقوى الاوربية وواشنطن من جهة اخرى يجيب محدثنا :» ثمة ثلاثة احتمالات لسير الأحداث مستقبلا فيما يتعلق بموضوع ناقلات النفط بين ايران وبريطانيا وموضوع الاتفاق النووي وحرية الملاحة في الخليج ، وهي مواضيع مترابطة لا يفصلها عن بعضها سوى العنوان الاحتمال الاول: ان تسعى الدول الغربية وبعض الدول العربية وربما بالتحالف مع اسرائيل بإنشاء قوة عسكرية او تحالف عسكري سيكون مبرر إنشاءه «ضمان أمن الملاحة في الخليج» بينما هدفه الحقيقي إيجاد قوة عسكرية جاهزة للتدخل في حال نشوب صراع مسلح بين الولايات المتحدة وإيران او بين «اسرائيل» وايران. والاحتمال الثاني: ان تقوم بريطانيا بتصعيد الموقف سياسيا او عسكريا للمضي في قرارها في خلق المبرر للانسحاب من الاتفاق النووي، لإظهاره كـ«عقاب» لإيران على تحديها لبريطانيا و»تعريض مصالحها للخطر» الاحتمال الثالث: ان يقوم طرف ثالث بتسريع وتيرة الأحداث بخلق حادث عسكري في الخليج وربما في مضيق هرمز، وإلقاء المسؤولية على عاتق ايران لتصعيد التوترات وإيصالها درجة المواجهة العسكرية الشاملة».
هل ما يحدث هو صراع على المضائق البحرية يعتبر الخصاف ان كلا الدولتين، لا تمتلك القدرة على فرض سيطرتها بالقوة على اي من المضيقين لأنهما بكل بساطة ممرات دولية محمية قانونيا بموجب اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار . ويتابع «قد تكون لإيران او بريطانيا القدرة العسكرية لإغلاق احد المضيقين امام الاخر، لكن بالتأكيد ان ذلك سيؤدي الى تداعيات دولية ليس لكل منهما الرغبة او القدرة على الوقوف بمواجهتها».
اما عن اهمية مضيق هرمز يجيب: «تكمن أهمية مضيق هرمز في انه تمر من خلاله ما يعادل تقريبا نصف مجموع ناقلات نفط دول الخليج النفطية وإغلاقه يثير مخاوف دولية بارتفاع أسعار النفط بشكل غير مسبوق، لذلك فان بعض القادة الإيرانيين يصرحون باحتمال إغلاق المضيق لوضع العالم امام حدوث هكذا احتمال في حال نشوب صراع مسلح معها. كما ان ذلك يعني إمكانية «خنق»بعض الدول التي تعتمد على المضيق في تجارتها النفطية وغير النفطية مثل الكويت والبحرين وقطر بالدرجة الأساس والمملكة العربية السعودية والعراق بدرجة اقل . وهذا بالتأكيد ليس من مصلحة ايران في الوقت الحاضر، لكنه قد يكون خيارا ممكن اللجوء اليه في حالة نشوب صراع مسلح تكون هذه البلدان او بعضها طرفا فيه».
يشار الى ان مضيق هرمز كان تاريخيا عرضة لأطماع قوى اقليمية ودولية عديدة وكان بؤرة صراعات عديدة مفتاحها هو الاستحواذ على هذا المضيق من اجل السيطرة على حركة الملاحة والتجارة الدولية عبره. وهو يعتبر من أهم عشرة مضائق أكثرها اهمية في العالم هي: مضيق فلوريدا، مضيق دوفر، مضيق ساجدات، مضيق موزمبيق، مضيق باب المندب، مضيق جبل طارق ومضيق ملقة، مضيق لومبورك، مضيق لوزون، ومضيق البوسفور ومضيق الدردنيل، وأخيراً مضيق هرمز. حيث عرفت هذه المضائق بأهميتها الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية على المستوى العالمي.