السياسة الأمريكية تجاه الرياض عقب جريمة قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا.وكان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قد وافق على «استضافة قوات أمريكية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة»، بحسب وكالة الأنباء السعودية.وجاء الإعلان السعودي في إطار تحرك مشترك يستهدف تعزيز الأمن الإقليمي بعد تصاعد التوترات في المنطقة، وفقا لتصريحات صادرة عن وزارة الدفاع السعودية.يشار إلى أنّ عودة القوات الأمريكية إلى الرياض يأتي بعد سنوات من مغادرتها البلاد منذ حرب العراق عام 2003.
يشار إلى أنّ وسائل إعلام أمريكيّة كشفت عن صور التقطتها الأقمار الاصطناعية، وأظهرت نشاطات لافتة وعمليات بناء في قاعدة الأمير سلطان الجوية. وهي قاعدة عسكرية سعودية جوية، تقع في جنوب شرق مدينة «السيح» عاصمة الخرج الإدارية . وقالت مصادر رسمية أمريكية أن إدارة البيت الأبيض تسعى من خلال إرسال قوات إلى المملكة لدعم منظومة صواريخ «باتريوت» في المنطقة. وتداولت مواقع إعلامية أن عدد الجنود ضمن القوة الأمريكية ستقدر بـ500 جندي، كما أعلنت واشنطن نيتها إرسال 1000 عسكري إضافي إلى منطقة الشرق الأوسط في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات مع إيران.
ولئن يرى مراقبون أن الانقسام الحاصل داخل دوائر القرار في أمريكا فيما يتعلق بقضية خاشقجي لم يثن إدارة البيت الأبيض بقيادة دونالد ترامب عن دعم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رغم انه المتهم الأول في القضية التي أثارت جدلا دوليا.الانقسام والخلافات داخل أمريكا لم تقتصر على أفراد أو سياسيين أو أحزاب بل طالت مؤسسات الدولة في حد ذاتها.
شرخ عميق
ويرى مراقبون أن إعلان البنتاغون نشر قوات أمريكية في السعودية للدفاع عن ما اسماه المصالح الأمريكية في مواجهة «تهديدات ناشئة جدية» ،اعتبره مراقبون خطوة مفاجئة خاصة وأنها جاءت بعد أيام قليلة على تبني مجلس الشيوخ الأمريكي (الكونغرس) قرار يقضي بحظر بيع الأسلحة للسعودية.
صوّت مجلس النواب الأمريكي، قبل ايام قليلة ، على منع صفقات أسلحة بقيمة 8,1 مليارات دولار للسعودية وحلفاء آخرين لواشنطن. وتشكل الخطوة صفعة للرئيس دونالد ترامب الذي من المرجح أن يستخدم حقه في النقض ضد القرار.والنواب الذين يشعر الكثير منهم بالغضب تجاه المملكة بسبب دورها في مقتل الصحافي جمال خاشقجي العام الماضي، أقروا ثلاثة قرارات توقف صفقات أسلحة أثارت الجدل بعد الإعلان عنها بموجب إجراءات طوارئ وبدون عرضها على الكونغرس.وسبق أن أقرت هذه التشريعات في مجلس الشيوخ، لذا سيتم إرسالها في خطوة لاحقة إلى البيت الأبيض حيث من المتوقع أن يواجهها ترامب بـ«فيتو رئاسي» هو الثالث له منذ توليه منصبه.
ويبرز هذا الخلاف الشرخ العميق الذي يقسم مؤسسات الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية .ويضاف إليها الآن نشر القوات في المملكة العربية السعودية نتيجة تزايد التهديدات الإيرانية في المنطقة .وأيضا نتيجة التراكمات الأخيرة التي شهدتها المنطقة عقب انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي المثير للجدل والتطورات الميدانية التي تشهدها حركة الملاحة في مياه الخليج وحرب الناقلات الدائرة بين طهران وبريطانيا وغيرها من الدول التي تمر سفنها وناقلاتها عبر مضيق هرمز.
تهديدات إيرانية
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشأن الأمريكي جاسم البديوي لـ«المغرب» أنه «ليس من الغريب أن تستعين المملكة العربية السعودية بحليفتها الولايات المتحدة الأمريكية كلما استشعرت التهديد، والتاريخ القريب لا يخذلنا بهذا الصدد، اذ استعانت المملكة بالقوات الأمريكية لمدة أكثر من 12 عاما بعد اجتياح قوات نظام صدام حسين للكويت عام 1989. ويبدو اليوم أن السعوديين يشعرون بالإحساس ذاته بعد تصعيد الأزمة مع إيران والتوتر الذي يشوب المنطقة بعد قراءة تصريحات ترامب المتكررة حول إمكانية انهيار النظام السعودي في ما إذا دخل حربا مع ايران، وما عزز المخاوف السعودية هو الانسحاب الإماراتي التكتيكي من ساحة اليمن ومضاعفة الضغط على حملة الامير محمد بن سلمان التي لم تؤت أكلها حتى الآن» وفق تعبيره .
وأضاف البديــــوي «يدرك السعوديون أن لا قبل لهم في فتح جبهة كبيرة مع الإيرانيين، كما أن الأمريكان مستعدون دائما للمناورة والضغط أضيف إليها طموح شخصي لترامب للحصول على مكتسبات اقتصادية، أما الإيرانيون فيبدو أنهم يعرفون ما يفعلون لاسيما في التعاطي مع الأزمة في منطقتهم».
سياسات مختلفة
واعتبر محدثنا أنّ الكل يعمل ما يجيده اليوم في المنطقة، الإيرانيون يلعبون لعبة (الممانعة) المفضلة، ويبدو انهم يمتلكون أوراقهم الخاصة، الأمريكان ينظرون إلى الأزمة بوصفها استثمارا اقتصاديا وسياسيا والواضح ان أسواقهم تشهد انتعاشا مريحا، والسعوديون يفعلون ما يبرعون به دائما وهو «سياسة الدفع».
وأضاف الكاتب المختص في الشأن الأمريكي أنه ورغم كل ما يحدث، حالة اللاحرب تلك تفرض نفسها ولا احد يعلم متى تنتهي. مشيرا إلى انه لا احد يعلم متى تنتهي لعبة التحديق والمتابعة تلك، لكن هناك شواهد قد تمنحنا الفرصة للقول أنّ ترامب لا يريد حربا بقدر ما يسعى إلى جائزة نوبل للسلام، ولا يريد من نظام (الجمهورية الإسلامية) أكثر مما يريد من نظام (كوريا الشمالية) الصديق الجديد لإدارة ترامب، فلم يغامر الرجل بالدخول بحرب قد تكلفه دورته الرئاسية القادمة في حين يستطيع أن يترك الأمور كما هي مع إرسال بضع مئات من الجنود المحدقين في مياه مضيق هرمز .
وتابع البديوي «أما هناك في أمريكا فالواضح أنّ ترامب لا يعير إهتماما لجدالات الكونغرس والنواب التي تتزايد مؤخرا، فلديه حق الطوارئ الذي يبيح له إبرام الصفقات مع من يشاء، والواضح أيضا انه ماض في سبيله وليس هناك قوة قادرة على كبحه.
وأكد انه من المتوقع أن تبقى الأمور على حالها حتى الانتخابات المقبلة على اقل تقدير، فالإيرانيون ينتظرون رحيل ترامب ليعيدوا إنعاش قلب اتفاقهم النووي مع الغرب، أو إعادة رسم سياسة جديدة في حال بقائه، والأمريكان لم يفقدوا الأمل بعد بإمكانيّة جلب طهران لمفاوضات جديدة مع استمرار الضغط السياسي والاقتصادي وفتح المجال أمام الخيارات الأخرى. في حين تبذل السعودية جهودا للتغيير في المنطقة ولا احد يعلم أبعاد هذا التغيير وتأثيراته وانعكاساته مع إرسال قوات أمريكية إلى المملكة تحت شعار (مراقبة إيران).