انتخاب الوزير الأول من قبل 160 ألف مناضل في حزب المحافظين الذي يمثل الأغلبية، حسب التقاليد البريطانية، سوف يعلن عنه اليوم الثلاثاء 23 جويلية مع توليه الحكم من تيريزا ماي يوم 24 من نفس الشهر. هكذا تدخل المملكة المتحدة مرحلة سياسية جديدة يحكمها الفاعل الأول المساند للبريكسيت والداعي إلى خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي دون اتفاق.
الإستراتيجية الناجحة التي اتخذها بوريس جونسن بدأت ، بعد نضاله الصريح ضد أوروبا، باستقالته من حكومة تريزا ماي و تخليه عن منصب وزارة الخارجية. ثم ركز تحركاته تجاه النواب في البرلمان للحصول على مساندتهم، وخاصة من قيل زعيم المحافظين بينهم «جاكوب ريز موغ» الذي من المتوقع أن ينضم للحكومة الأولى لجونسون في منصب سيادي. و تجسد هذا التوجه في انتخابه صحبة «جيريمي هانت» وزير الخارجية الحالي لخوض الدور الأخير الذي يقرر فيه المناضلون المحافظون للحزب مع العلم أن غالبيتهم يساندون الخروج من أوروبا. للحصول على هذا الدعم نسق بوريس جونسن حملة إعلامية اعتبرها البعض شعبوية لأنه استخدم خطابا شعبيا يتجه نحو المواطن العادي الذي سئم من المعارك السلبية داخل البرلمان والتي لم تفض إلى برنامج يقبله المواطنون و زعماء أوروبا في آن واحد. وعلى الرغم من «الفضائح» المتعلقة به على المستوى الشخصي فإن بوريس جونسن مثل «أخف الضررين» بالنسبة للرأي العام المحافظ.
رهانات المستقبل
يرث بوريس جونسن رأيا عاما منقسما بين مساند و معارض للخروج من أوروبا. يوم الخميس الماضي نظم مساندو «البقاء» في أوروبا مظاهرة عارمة بشوارع لندن شارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين طالبوا فيها بعدم الطلاق من أوروبا و رفضوا مشروع «الخروج بدون اتفاق» الذي ركز عليه بوريس جونسن. ومن المتوقع أن يجابه الوزير الأول الجديد موجة معارضة شعبية صاخبة في صورة تمسك بمبدإ الطلاق دون اتفاق.
الرهان الثاني تمثل في مصادقة البرلمان يوم الخميس الماضي على تنقيح لقانون الخروج من الإتحاد يقضي بمنع أي قرار طلاق بدون موافقة البرلمان عبر تصويت صريح. وهي عتبة إضافية تتخذها الأغلبية في البرلمان تمنع أي «تهور» من بوريس جونسن الذي عادة ما يقدم على تصريحات و أعمال خارجة على الأعراف البريطانية العريقة. هذا يعني أن مساحة المناورة سوف تكون ضيقة. ربما التصريح الأخير لدونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي الداعي إلى تمديد آخر في موعد الخروج إلى ما بعد 31 أكتوبر يفتح الباب أمام مفاوضات جديدة لتسهيل عملية الخروج، بدون المساس بنص الاتفاق. وهو سيناريو رفضه بوريس جونسن في حملته الانتخابية دون الإفصاح عن توجه مخالف في المستقبل. و اكتفى بالقول إنه عازم على تحقيق الطلاق و إن لزم الأمر دون يتوافق.
ثالث رهان داخلي يتمثل في إعادة توحيد البريطانيين حول مشروع وطني يحافظ على وحدة المملكة. قراره الخروج من أوروبا بدون اتفاق واجه معارضة قوية من حكومة اسكتلندا التي كررت عزمها، في صورة تحقيق هذا السيناريو، تنظيم استفتاء آخر حول الاستقلال. و يلقى كذلك مشروع جونسن معارضة داخلية في أيرلندا الشمالية التي لا ترغب في إعادة الحدود مع جمهورية أيرلندا. كل هذه المسائل تعتبر عتبات قوية يمكن أن تعصف بقدرة رئيس الوزراء على البقاء في قصر الحكومة وتفرض الرجوع ثانية إلى الناخب لاختيار أغلبية جديدة واضحة لإدارة نتائج الاستفتاء.
تموقع دولي استراتيجي جديد؟
التحرك البريطاني ضد إيران بالقبض على سفينة محملة بالوقود في جبل طارق – والذي صحبه القبض على سفينة مماثلة بريطانية من قبل إيران في مضيق هرمز – يظهر اصطفافا بريطانيا مع الموقف الأمريكي، خلافا للمساعي الأوروبية للتوصل إلى حل سلمي يحافظ على الاتفاق النووي الممضى عام 2015. و أشار الملاحظون في بريطانيا أن بوريس جونسن نسق مع ستيف بانون المستشار السابق لدونالد ترامب وهو قريب من الطرح الأمريكي في شأن العلاقة مع إيران وكذلك في مختلف المسائل الدولية.
إن حصل ذلك سوف يتغير الوضع جذريا في أوروبا، من ذلك أن بعض العواصم الأوروبية تعمل منذ مدة على بلورة موقف موحد للتصدي لمشروعات أمريكية مناهضة للإتحاد الأوروبي تنتصب على بعض الكيلومترات من الحدود المشتركة. حسب كبار مراكز التفكير ورجال الإقتصاد المعروفين، سوف يؤثر ذلك سلبا على مسار البريكست الذي، في حال تحقق بدون اتفاق، لا بد أن يأتي على أسس الاقتصاد البريطاني ويخلف أضرارا اجتماعية جسيمة تهز بالاستقرار الداخلي الهش و تضع المملكة المتحدة في حالة من الانحلال الخطير مع شبح استقلال اسكتلندا.