في المرفق العمومي بمختلف أقسامه. قام نائبان من البرلمان بالتحقيق وهما إيريك بويا عن حزب «الجمهورية إلى الأمام» الحاكم و إيريك ديار عن حزب الجمهوريين المعارض و استقبلا في البرلمان شخصيات من ميادين مختلفة منها مسؤولون سامون في الدولة و رجال أعمال وأعوان من المخابرات و أعوان شرطة وحماية مدنية ونقابيون في وسائل النقل بأنواعه و باحثون في الشأن الإسلامي و تلقوا شهاداتهم من أجل تحليلها و تقديم مقترحات للبرلمان للتصدي لظاهرة ما ينعته الفرنسيون بعبارة «الراديكالية الإسلامية».
التقرير المسرب جاء بمثابة القنبلة ، ولو أن جريدة «لوبوان» لا تخفي معاداتها للإسلام المتطرف فإن الإعلام الفرنسي ساهم بصورة مكثفة في طرح المسألة على النقاش و إبراز مخاطر الوضع الذي اعتبره أحد الباحثين «قنبلة موقوتة» سوف تنفجر يوما ما. هذه ليست أول مرة يعتني فيها الإعلام الفرنسي بمسألة «الراديكالية» بل ساهم في الحملات ضد الحركات الإرهابية التي ضربت فرنسا في عديد المدن في السنوات الأخيرة. و كان التوجه يعتني بقضية التطرف الديني في الجوامع و المساجد و يشير بالأصبع إلى بعض الجمعيات الأهلية و المدارس القرآنية التي تسيطر عليها حركات إسلامية متطرفة. ثم أشارت بعض التقارير الإستخباراتية إلى ضرورة التحكم في السجون اين يتحول معظم المجرمين من المسلمين إلى متطرفين دينيا تحت وطأة الإرهابيين الموقوفين و الذين يتعايشون معهم.
لكن هذه المرة تعرض التقرير للميادين التي ، ولو لم تختف عن الأنظار، لم تكن تحت المجهر وهي تفشي ظاهرة التطرف الإسلامي في المؤسسات العمومية بما فيها الجيش والشرطة. وذكرت شهادات موثقة حسب التقرير المسرب أن جهات تابعة للإسلاميين تقوم بفرض «نظام إسلامي» داخل المؤسسات العمومية مثل المستشفيات ووسائل النقل والمدارس و المجمعات الرياضية و الأماكن العامة بطريقة تتعارض و قيم الجمهورية والقوانين الجاري بها العمل في إطار اللائكية التي لا تتدخل في الشأن الديني و لكن تمنع كل الديانات من التدخل في الشأن العام الذي هو مساحة مشتركة للمتدينين وغير المتدينين تحكمه قوانين و قيم الجمهورية المبنية أساسا على احترام حرية المواطنين و المساواة بينهم.
و سجلت الشهادات ظاهرة «منع الإختلاط في محطات النقل « في بعض الأحياء الفرنسية ، وكذلك تحركات لمسلمين ملتزمين ضد مسلمات غير سلوكيات في مؤسسات النقل الباريسية . وعبر بعض المستجوبين عن استحالة تمريض نساء مسلمات من قبل الأطباء الرجال. وصرح أحد أعوان الحماية المدنية أنه تم منعه من قبل بعض الأشخاص من دخول مسكن كانت تلتهمه النيران وكان فيه نساء ولم يتمكن من إنقاذهن. وندد بعضهم بظاهرة «أسلمة الفيدراليات الرياضية» التي تساهلت ، في إطار مبدأ التسامح ، مع الإسلاميين ومكن البنات من ارتداء الحجاب الطائفي ، ومنعت أخرى الاختلاط بين الإناث و الذكور في بعض المدن الفرنسية في المسابح العمومية أو خصصت أوقات معينة للمسلمات فقط و منعت الرجال من استعمال المرفق العمومي.
صفارة الإنذار
و ذكر بعض أعوان الشرطة المستجوبين أن الإدارة لم تتمكن قانونيا من رفت الأعوان المتطرفين دينيا في غياب التراتيب القانونية. و ينطبق هذا الوضع كذلك، حسب شهادات مسجلة، على الجيش الفرنسي . لكن هذه المؤسسة أظهرت قدرة فائقة في الماضي على احتواء الظاهرة الإسلامية في داخلها و يعتقد أن يتطور سلوكها مع نشر التقرير البرلماني رسميا نحو تحكم كامل في الظاهرة.
و أطلق نيكولا لارنر، رئيس إدارة المخابرات الداخلية، الذي شارك في التحقيق صفارة الخطر وقال «إن دور العبادة لم تعد مكانا يخلق الراديكالية بسبب تحرك السلطات العامة واتخاذ الوسائل الملائمة للتحكم فيها و ساهم المسؤولون الدينيون بوعيهم بدورهم في ذلك. لكن المحيط التربوي والفضاءات التي تعتني بصقل الأذهان تحتاج إلى شيء من اليقظة». و يتزامن هذا التقرير مع رجوع الحديث عن تقنين الهجرة وقبول وزير الداخلية كريستوف كستانار مبدأ نقاش مسألة «الحصص» في قبول المهاجرين وهو مطلب لطالما جعل منه التجمع الوطني اليميني المتطرف حصان طروادة في سياساته المعادية للهجرة و الإسلام.
و تعتقد جريدة «لوبوان» ، صاحبة السبق الإعلامي، أن التقرير سوف يضفي على اقتراح اعتماد التحقيقات الإدارية في شأن كل حالات الراديكالية المسجلة و خاصة فيما يتعلق بالمهن التي تعتني بالشباب و ذوي الاحتياجات الخاصة. لكن حدة الجدل القائم لن يمنع السلطات من التفكير في سن قوانين جديدة لمحاصرة ظاهرة تفشي الفكر السلفي في المرفق العمومي الفرنسي.