الحوار الوطني، ترأس إيمانويل ماكرون مؤتمرا صحفيا قدم فيه قراراته للمرحلة المتبقية من ولايته مع التمسك بالمنهج الإصلاحي الذي بدأ فيه منذ توليه السلطة أمام 300 صحفي.
عدد الرئيس ماكرون الإجراءات الجديدة التي تنوي حكومته تطبيقها للخروج من الأزمة التي اندلعت مع مظاهرات «السترات الصفراء» في نوفمبر 2018 و تواصلت إلى حد هذا الأسبوع وهي مرشحة، بعد الخطاب الرئاسي، لأن تتمادى في الأسابيع القادمة.أربعة محاور أساسية قدم فيها الرئيس ماكرون للرأي العام الفرنسي جملة من الاقتراحات تعلقت بمستوى المعيشة و بالإصلاح الإداري وبتغيير المؤسسات الديمقراطية و بالعلاقات الخارجية، خاصة مع الإتحاد الأوروبي.
تخفيف حدة الضرائب
تعلقت الإجراءات الأولى بالعمل على خفض نسب الضرائب على الدخل بمقدار 5 مليار يورو لفائدة 15 مليون عائلة إضافة لما كانت الحكومة قد قررته بمقدار 10 مليار يورو في ديسمبر 2018. و تراجع ماكرون على الضرائب التي فرضها على المتقاعدين و قرر ربط جراية التقاعد لمن لا يتجاوز دخلهم 2000 يورو بنسبة التضخم حتى يتمكن المتقاعدون من تحسين دخلهم الشهري. و قرر كذلك رفع الحد الأدنى للجراية من 637 يورو شهريا إلى 1000 يورو حتى تتحسن القدرة الشرائية للمتقاعدين ذوي الدخل الضعيف.
وطالب في نفس الوقت الفرنسيين بالعمل أكثر أي برفع عدد ساعات العمل بدون المساس بنظام 35 ساعة أسبوعيا بل بالتوافق مع أصحاب المصانع في إطار الحوار الاجتماعي. و بقي الباب مفتوحا للوظيفة العمومية بعد أن تنص الحكومة على ذلك بمرسوم. هذا الإجراء يدخل في إطار تحسين الثروة الداخلية و توفير مصادر مالية إضافية لصندوق التقاعد. وهو يعني أن القانون سوف يطلب من العمال أن يشتغلوا أكثر أي، عمليا، أن يمددوا في مدة العمل إلى ما بعد 62 عاما و لو أن ذلك يكون بصورة غير ملزمة بل تطوعية.
إصلاح الإدارة
أعلن الرئيس ماكرون أنه مواصل في خطته لإصلاح البلاد و تمسكه بتعصير مردود الإدارة و تمكينها من مواكبة مقتضيات العصر. من ذلك أن قرر التراجع عن حذف 120 ألف موطن شغل في الوظيفة العمومية كانت مقررة من قبل حكومة إدوار فيليب. و قرر إلغاء الهيئات و المناصب العليا في الوظيفة العمومية لتخفيف عبئها على ميزانية الدولة. و بنفس المناسبة، أعلن ما كانت تداولته أجهزة الإعلام عن حذف المدرسة الوطنية للإدارة التي كانت الجهاز الأساسي لتكوين إطارات الدولة منذ الحرب العالمية الثانية. و طلب الرئيس من المدير الحالي تقديم مقترحات على السبل الحديثة لتكوين الإطارات وانتداب الموظفين لهياكل الدولة.
وأعلن ماكرون كذلك، ردا على مقترحات العمد و المسؤولين الجهويين، عن بعث «مراكز خدمات فرنسا» تشمل في 4 آلاف مقاطعة ترابية كل الخدمات العمومية لتقريبها من المواطن في المناطق الريفية البعيدة عن المدن و ذلك لتقريب الإدارة من المواطن. و قرر عدم غلق المدارس الابتدائية في القرى التي تشكو من فقدان كثيف لسكانها. وهي مطالب كان واجهها ماكرون عندما فتح الحوار في جل الجهات الفرنسية مع العمد و النواب والمسؤولين المحليين.
إصلاحات دستورية
أهم الإجراءات الجديدة المتعلقة بالمؤسسات الجمهورية جاءت ردا على مطالب «السترات الصفراء» و المعارضة السياسية. فقد قرر الرئيس الفرنسي تغيير القانون الانتخابي ليشمل التمثيل النسبي لمجموع 20 % من المقاعد في البرلمان. وذلك يفتح الباب لدخول عدد هام من الأحزاب للبرلمان لتحسين تمثيليته خاصة أن الحزب الثاني في البلاد، حزب التجمع الوطني المتطرف، لا يقدر على الوصول للبرلمان بالرغم من حوزته على أكثر من 11 مليون ناخب من جملة 45 مليون مسجلين. في نفس الوقت أعلن ماكرون عن الشروع في تنقيح الدستور لتخفيض عدد النواب بنسبة تتراوح بين 30 % و 25 % على أن تقدم الحكومة قانونا في الغرض خلال الصيف.
القرار الآخر تعلق بتطوير نظام الاستفتاء، لا على غرار ما طالب به الشارع المنتفض لأكثر من 20 أسبوعا ، بل باعتماد «الاستفتاء المحلي» الذي يمكن المواطنين من المشاركة في أخذ القرار في المسائل المحلية. أما على المستوى الوطني فقرر الرئيس خفض عدد التوقيعات الملزمة لتنظيم استفتاء من 7،4 مليون توقيع إلى مليون توقيع فقط مع الإبقاء على التصويت في البرلمان ليدخل القرار حيز التنفيذ. رد ماكرون لم يشف غليل المتظاهرين الذين طالبوا لأسابيع بإرساء «الاستفتاء بطلب من المواطنين». يرى الرئيس ماكرون أن الاستفتاء ليس الغرض منه تغيير الهيئات المنتخبة دستوريا. بل هو متمسك بتشريك المواطنين في المشاورات و أخذ القرار في الهياكل الدستورية. من ذلك أنه فتح الباب أمام مشاركة 150 مواطن بالقرعة في المجلس الاقتصادي و الاجتماعي و 250 آخرين في مجلس الدفاع عن البيئة الذي قرر احداثه.
مقاومة الإسلام السياسي
و فاجأ الرئيس الفرنسي الصحفيين بإقحام مسائل من الشؤون الخارجية في محتوى مداخلته التي كان مغزاها الرد على مطالب «السترات الصفراء». و أعلن ماكرون بوضوح عزمه على «مقاومة الإسلام السياسي» ولو أنه لم يوضح مدى المقاومة والسبل التي تنوي الحكومة إتباعها. بل طالب الحكومة بـ «الصرامة» في مقاومة الظاهرة. مسالة تطرح أكثر من إشكال على المستوى الداخلي و الخارجي. إذ اقتصرت الحكومة على مقاومة الإرهاب الإسلامي الذي هو جزء من الإسلام السياسي. لكن تواجد حركة الإخوان المسلمين في فرنسا، المدعمة من قوى أجنبية، في صفوف حركة «مسلمو فرنسا» تطرح عديد الأسئلة لأنها تتواجد في كل أنحاء البلاد و لها أكثر من 200 مقر محلي و تنظم سنويا مهرجانا في «البورجيه» يحضره أكثر من 140 ألف مسلم. هل يعني الرئيس الفرنسي أنه اصطف وراء المد السعودي المقاوم لحزب الإخوان؟ هل ذلك يعني تغيير العلاقات مع الدول العربية التي تحكمها كليا (مثل المغرب)أو جزئيا (مثل تونس) حركات تتصل بالإسلام السياسي؟ الخطاب الرئاسي لم يوضح ذلك.
بل أعلن الرئيس عن نيته اقتراح تغيير القانون الأوروبي المتعلق بالهجرة و اللجوء حتى تتوحد البلدان الأوروبية حول قانون واحد . وحسب رأيه من لا يريد الالتزام به فعليه أن يخرج من نظام «شنغان» ملوحا بذلك للخلافات القائمة بين فرنسا و إيطاليا و المجر في ملف إدارة الهجرة و اللجوء. هذه المسائل المطروحة من قبل ماكرون فسرها المحللون بدخول الرئيس في الحملة الانتخابية الأوروبية التي تظهر فيها الحركات القومية المتطرفة في طليعة الأحزاب وهي التي تجعل من قضايا الهجرة و اللجوء حصان طروادة لانتخابات ماي المقبل.