حريق كاتدرائية «نوتردام» بباريس: حزن وطني عميق وحسرة عالمية

عندما اندلعت النيران في سقف كاتدرائية «نوتردام» بباريس كان الرئيس إيمانويل ماكرون يجهز نفسه ليقدم على شاشات التلفزيون

مخرجات الحوار الوطني الكبير الذي دام قرابة الأربعة أشهر. لكن سرعان ما تغيّرت برامج القنوات التلفزيونية التي فتحت نقلا مباشرا للحريق الهائل. وقرر الرئيس الفرنسي عدم إلقاء خطابه والالتحاق بساحة نوتر دام حيث واكب أعمال الإنقاذ من قبل رجال الحماية المدنية الذين قضوا أكثر من 15 ساعة من العمل والمحاولات قبل إخماد الحريق تماما.

حدث حريق نوتر دام يوم اول امس خلال الأسبوع المقدس الذي يسبق عيد الفصح المسيحي. و كانت الكنيسة تعج بالمصلين والحجاج الذين أقبلوا من كل أنحاء العالم خصيصا لهذه المناسبة بالرغم من بداية أشغال ترميمها التي انطلقت منذ صيف 2018. وتمكن رجال الحماية المدنية في العاصمة من إجلاء المصلين و الانطلاق في مقاومة النيران التي التهمت الأعمدة الخشبية و أذابت عشرات الأطنان من الرصاص الذي يكسوا سقف الكاتدرائية بدون إحداث أضرار بشرية ما عدى أحد رجال الحماية المدنية الذي يشكو من بعض الحروق.

نوتر دام هي معلم مسيحي تاريخي أسسه الإمبراطور شارلمان شهد ، منذ أكثر من ثمانية قرون، على أحداث و تحولات المجتمع الفرنسي من ثورات و حروب عديدة. و كانت رمزا لوحدة الشعب دقت أجراسها ايذانا بنهاية الحرب الكبرى عام 1918 و تحرير باريس بعد الحرب العالمية الثانية. فيها أصبح نابليون إمبراطورا عام 1804 و في داخلها نظمت مراسم دفن ثلاثة رؤساء معاصرين هم دي غول و بومبيدو و ميتران.مرة أخرى وحد هذا المعلم التاريخي صفوف الفرنسيين الذين انطلقوا منذ أسبوع في حملة انتخابية قسمت صفوف الشعب بين مناصر و معارض للحكومة و للمشروع الأوروبي. أمام جسامة الخسارة اصطف الجميع للتعبير عن حزنهم العميق وألمهم دون حسابات سياسوية. وعبر زعماء العالم مباشرة عن حسرتهم و تضامنهم مع مسيحيي فرنسا في هذه المحنة.

وشكلت الفاجعة حدثا هاما تابعته جل تلفزيونات العالم بما فيها التي لا تنتمي للعالم المسيحي لما لهذا المعلم من شهرة ومن رواد يأتون كل سنة لزيارة أحد أهم المعالم الفرنسية مع برج إيفل و متحف اللوفر و جادة الشانز إيليزي. 13 مليون زائر قدموا العام الماضي من كل أنحاء العالم و دخلوا الكنيسة للتعرف على داخلها أو للصلاة.

خسائر جسيمة
خسائر جسيمة من لوحات ونحوت وآثار مقدسة لا تقدر بثمن ذهبت بفعل النيران. وأعلن المسؤولون عن الحماية المدنية بعد إخماد الحريق أنهم لا يعرفون مدى صمود الحيطان المتبقية بعد أن التهمتها النيران و قدرتها على الحفاظ على هيكل الكنيسة. و تقرر فتح تحقيق عدلي في الحريق بتهمة «إحداث ضرر عن غير قصد» و تشكيل لجنة فنية من كبار المهندسين والمعماريين والمختصين في التراث المادي الفرنسي لدراسة ترميم الكنيسة.

وأعلن الرئيس الفرنسي إبان التحاقه بالكنيسة وهي تلتهب : «سوف نعيد بناء هذه الكاتدرائية». وقرر فتح اكتتاب وطني مفتوح للجميع بما في ذلك غير الفرنسيين في العالم للمساهمة في إعادة إحياء المعلم التاريخي الذي يعتبره الجميع في باريس ملكا للإنسانية على اختلاف مشاربها. وقررت مباشرة بعد ذلك شركة «ارتيميس» تخصيص 100 مليون يورو من ميزانيتها كمساهمة في ترميم الكنيسة. وتوالت المساهمات عبر شبكة الأنترنت لجمع مساهمات المواطنين. وأعلنت مؤسسة حماية التراث الفرنسي في الولايات المتحدة الأمريكية فتح ملف للغرض على الواب. وبدون شك سوف تتواصل الإعلانات المماثلة من كبار الشركات والعائلات الغنية في البلاد و خارجها، علما و أن الدولة لا يمكن لها المساهمة مباشرة في تمويل دور العبادة بحكم قانون اللائكية الذي يفصل بين الدين والدولة. لكن الدولة الفرنسية لها اتفاق مع الكنيسة والفاتيكان يقضي بمساهمتها في بعض عمليات الترميم المتعلقة بسلامة الجدران والمعدات وذلك حفاظا على سلامة المواطنين الذين يدخلون الكنيسة.

كاتدرائية نوتر دام تعتبر رمزا في وجدان الفرنسيين على مختلف مشاربهم الفكرية و الدينية. وهي التي تعرفوا على خباياها في المدرسة في رواية «نوتر دام دي باري» للكاتب الشهير فيكتور هوغو . وهي التي تحولت إلى أوبرا تنشد قصة إزمرالدا وكازيمودو وتقام في مسارح برودواي ولندن و باريس وأوتاوا غيرها من العواصم في العالم. وكعادتها تعرضت الصحافة الفرنسية لذلك وأعادت التذكير بمقطع في الرواية الشهيرة يروي فيها فيكتور هوغو الحريق الذي اندلع فيها وكأنه تنبأ بذلك 180 سنة قبل يوم 15 أفريل الماضي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115