عن تأجيل «الملتقى الوطني» الذي كان مزمعا عقده بين الأطراف الليبيّين في منتصف الشهر الجاري، إلى أجل غير مسمّى بسبب المعارك . وكان مقرّراً أن يبحث المؤتمر في وضع «خريطة طريق» لإخراج البلاد من الفوضى. ويأتي هذا التحرك المفاجئ لحفتر ليضع التسوية السياسية برمتها على المحك ، فبعد مفاوضات ماراطونية برعاية الامم المتحدة ومع تعدد المبادرات بشأن ليبيا ، فانه من الجلي ان ما يحدث اليوم في العاصمة هو ما سيحدد المشهد الليبي ويرسم معالم المرحلة القادمة .
وفي الحقيقة فان هجوم حفتر فاجأ حلفاءه قبل ان يفاجئ خصومه السياسيين ويرى البعض ان الرجل القوي في ليبيا رفض التسوية السياسية القائمة بشكلها الحالي وهذا ما دفعه الى اعادة خلط الاوراق من جديد . فبعد السيطرة على شرق ليبيا وبنغازي وبعد معركة الجنوب، تبدو طرابلس هي معركة الحسم الاخيرة بالنسبة لحفتر من اجل فرض معادلات جديدة في المشهد الليبي . وكانت المعارك استؤنفت صباح امس جنوب العاصمة، وسط اتهامات من الجيش الليبي بقيادة حفتر لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الغرب بـ «التحالف مع مجموعات مسلّحة إسلامية».
الحل العسكري
واللافت ان هجوم حفتر المفاجئ على طرابلس لقي ترحيبا من قبل شرائح ليبية واسعة سئمت الوضع الحالي وتعدد المبادرات السياسية دون فائدة ...وبحسب هؤلاء فان سطوة الميليشيات لا يمكن ان تحل سياسيا وان الحل العسكري هو خيار لا بد منه . وبحسب الباحث الليبي عز الدين عقيل فان الجيش الليبي يحارب الميليشيات التي تسيطر على طرابلس وابرزها ميليشيات مصراتة والزنتان وبقايا ميليشيات سرايا ثوار بنغازي ومجاهدي درنة وداعش والقاعدة وانصار الشريعة وعصابات الجريمة المنظمة التي تعمل في مجال الهجرة غير الشرعية وتهريب السلاح اضافة الى بقايا ميليشيات الجظران التي تم طردها من المنشآت النفطية...ويؤكد محدثنا ان كل هذه العصابات اجتمعت الان في العاصمة في محاولة للتصدي لهجوم الجيش «وقال ان بعض الميليشيات تفاوض من اجل الهروب وبعضها الآخر يواصل القتال لكي يورط الجيش في حمام دم ...وهذا ما دفع حفتر الى سحب هؤلاء خارج العاصمة لقتالهم بعيدا عن المدنيين والعزل».
أي مصير للعملية السياسية؟
اما بشأن تأثير ما يحصل على العملية السياسية فبحسب الباحث الليبي فان دور المجتمع الدولي كان منذ البداية داعما لأطراف الصراع على حساب الاطراف الاخرى وان ذلك ولد انقساما كبيرا في بلد يتميز بتجانسه الطائفي اذ لا توجد فيه طوائف او انقسامات اثنية كبيرة بحسب قوله معتبرا ان دور الامم المتحدة كان سلبيا ولم يؤد الى اي اختراق للازمة وهذا ما دفع اصوات ليبية للمطالبة بالحسم السريع لانهاء الوضع المتردي في ظل عجز حكومة الوفاق على حماية البلاد بعيدا عن التدخلات الخارجية». وشدد عقيل على الدور الخطير الذي تلعبه شركات النفط خاصة الايطالية والفرنسية والتي تبحث عن تحقيق استقرارها ومصالحها بغض النظر عن الوضع الليبي وامن البلاد».
وقال ان المجتمع الدولي سمح لعديد الميليشيات بالتواجد واعطاها الشرعية تحت غطاء تأمين العاصمة طرابلس». واكد انه لا يمكن اليوم اجراء انتخابات في ليبيا بوجود الميليشيات ودعا الى ابقاء الجيش الليبي بعيدا عن التسويات السياسية . واضاف ان وجود الاخوان المسلمين وفرضهم كشركاء في المشهد سيجعل مؤتمر غدامس محكوما بالفشل واضاف ان كل المسارات السياسية المدعومة من المجتمع الغربي لن تؤدي الى الحل في ليبيا ما دام هناك ميليشيات وعصابات اجرامية».
وقال ان العملية الجارية ستحدد المشهد الليبي القادم. وشدد على ضرورة ان تفتح ملفات الفساد ومعاقبة كل مجرمي الحرب على جرائمهم واشار الى ان الاحداث الاخيرة في طرابلس كشفت وجود قوات اجنبية امريكية وغيرها على الاراضي الليبية مبينا ان حكومة زيدان هي من فتح الطريق للجيوش الاجنبية وعلى رأسها المارينز للدخول الى التراب الليبي . واضاف :«ليبيا اليوم هي دولة تحت الاحتلال ولا يمكن تحريرها الا بجيش موحد، فالصراع الدائر اليوم هو بين شركات النفط الغربية والميليشيات المتورطة في تهريب النفط الى الخارج».
يؤكد جل المتابعين والمهتمين بالشأن الليبي على استحالة إجراء انتخابات في ليبيا في الوقت الراهن حتى بعد التفرغ من كتابة الدستور الذي ستجرى هذه الإنتخابات على أساسه. فالأمن غير مستتب والسلاح منتشر لدى الميليشيات ويصعب أن يقترع المواطنون في ظل هذه الظروف الإستثنائية التي تمر بها البلاد منذ ثماني سنوات. وحتى على فرض النجاح في إجراء الإنتخابات فإن القبول بنتائجها من قبل الطرف المنهزم غير مضمون خاصة وقد حصل الأمر خلال الإنتخابات الأخيرة و منع البرلمان المنتخب من عقد جلساته بالعاصمة طرابلس و اضطر للتحول إلى طبرق. و يخشى أن يتكرر الأمر مع البرلمان الجديد في ظل هذا الوضع المزري بعد تدويل الملف الليبي و خروجه من أيدي أبنائه.