استقالته رسميا تحت ضغط الشارع وكذلك استجابة لضغوطات الجيش الذي كان حازما في وقوفه الى جانب الشعب.
واليوم تدخل بلاد المليون شهيد في مرحلة سياسية هامة ومصيرية يصفها الجزائريون بـ«الجمهورية الثانية» ، وخلالها سيكون وجوابا على الشعب بكل اطيافه السياسية المشاركة في رسم مستقبل البلاد وقرارها السياسي والاقتصادي .
منذ انطلاق الحراك الشعبي يوم 22 فيفري والبلاد تتغير بصورة غير مسبوقة، فلم تعد حالة الجمود التي عرفتها طوال 20 سنة من حكم الحزب الاوحد هي نفسها، فالجزائريون انتفضوا وطالبوا بالتغيير ويتطلعون الى خوض تجربتهم الديمقراطية عبر تحقيق انتقال سياسي سلس وفعلي بعيدا عن الهزات . وهذا ما يفسر حرص المتظاهرين على رفع شعارات تطالب بعدم التدخل الخارجي في شؤونهم الداخلية ..
وقد خرج ليلة اول امس آلاف الجزائريين احتفالا بالحدث الاهم والمفاجئ بعيد أسابيع من الغضب الشعبي. وهذا ما يجعل يوم 2 افريل استثنائيا، فهو التاريخ الذين تسلم فيه الجزائريون بلادهم في وضع اقليمي صعب ودقيق وسط تطلعات بان يتجنبوا الخلافات والمنعرجات الأسوأ بعد ان اختاروا تغيير نظامهم بطريقة سلسة وبأقل قدر من العنف، وذلك بخلاف الاحتجاجات التي شهدتها دول العالم العربي خلال الاعوام الماضية وخلفت الكثير من الدمار ولا تزال شعوبها تدفع ضريبة باهظة من دمائها واستقرارها ... فان فهم الواقع الجزائري بكل ظروفه واسبابه ، يبدأ من ادراك طبيعة النسيج الاجتماعي والسياسي والتاريخي لهذا الشعب بخصوصيته الفريدة فكانت رسالة المتظاهرين واضحة في كل المنابر وهي «نعم لتغيير النظام ولا للتدخل الخارجي» ...
الفراغ الدستوري
وقد عقد المجلس الدستوري في الجزائر، امس اجتماعا لبحث تقديم رئيس البلاد، عبد العزيز بوتفليقة استقالته، أعلن اثره رئيس المجلس الدستوري في الجزائر الطيب بلعيز ثبوت شغور منصب الرّئيس .وأخطر المجلس البرلمان رسميا بثبوت حالة شغور منصب الرئيس، حيث سيتم نشر خبر الشغور في الجريدة الرسمية.وبموجب الدستور الجزائري يتولى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح (77 عاما) رئاسة البلاد بالوكالة لمدة أقصاها 90 يوما، تجري خلالها انتخابات رئاسية.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هل استقالة بوتفليقة وانتهاء حكمه يعني حتما انتهاء النظام السياسي الحالي ام انه مجرد تغيير لرأس الحكم .اللافت في هذا الاطار هو رد فعل حزب الافلان الحاكم وهو حزب الاستقلال والثورة وبناء الدولة الحديثة فقد أكد عضو المكتب السياسي بالأفلان،أبو الفضل بعجي، أن الشعب خرج في مسيرات سلمية ضد العصابة المحيطة بالرئيس المستقيل بوتفليقة، وتستغله. وأوضح، بعجي، أن الحراك الشعبي كان بالأول يطالب بوتفليقة بعدم الترشح. مضيفا أنه كانت هناك أطراف أرادت استغلاله، والسير في مؤامرة بعيدة. وأشار ضيف الحصة، إلى أن الشعب فهم المؤامرات التي تحاك، وأخذ قراره من نفسه.
وفي الوقت الذي تنقل فيه وسائل اعلام جزائرية اعتقال بعض رجال الاعمال المشبوهين بالفساد مثل علي حداد، الذي يعد أحد أنصار الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة ، كان موقف الجيش حازما منذ البداية وابدى تفهما لمطالب الشعب وفي الوقت نفسه وضع نفسه في قلب الحراك الدائر ومع صف الجزائريين المتظاهرين في انسجام تام مع المطالب الشعبية. وهذا يعيد الى الاذهان الدور الكبير الذي لعبه الجيش الجزائري طيلة الحقب الماضية ، فكان المحرك الابرز للعبة السياسية من وراء الكواليس وكان على الرئيس الذي يترشح للرئاسة ان يحظى بثقة الجيش الجزائري . وتؤشر تصريحات رئيس الاركان منذ بداية الحراك الى ان الجيش سيساهم في تحديد معالم المرحلة الانتقالية وسيحرص على التحكم بمفاتيحها مهما كانت الظروف ولكي لا تخرج الاوضاع عن السيطرة.
فالمعلوم ان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة -او المحيطين به- ،اضطر الى تقديم استقالته ليل امس والرحيل الفوري استجابة لمطالب الحراك وكذلك لأنه ادرك صراحة التحول الجذري في موقف الجيش بشأن بقائه في الحكم. فقائد اركان الجيش قايد صالح كان واضحا ودعا صراحة في خطابه اول امس الى تطبيق المادة 102 والتي تنص على اعلان شغور منصب الرئيس . وان المتابع لتصريحات الرجل منذ بداية تفجر الاحتجاجات يدرك تماما حرص المؤسسة العسكرية على الابقاء على الامور تحت السيطرة وفي الوقت نفسه الانصياع لمطالب المتظاهرين ..وقد تحدثت وسائل الاعلام الجزائرية عن المعارك السياسية التي دارت في الخفاء بين مؤيدي بقاء الرئيس ومعارضيه حتى صلب الحزب الواحد..
وكان قائد الجيش وصف مؤيدي الرئيس في خطابه بـ«العصابة التي نهبت مقدرات الشعب الجزائري وجمعت ثروات طائلة في وقت وجيز، مستغلة قربها من بعض مراكز القرار».
ردود فعل عالمية
هزت التغيرات المتسارعة في الجزائر العالم ، فبعد اعلان استقالة الرئيس توالت ردود الافعال العالمية ،اذ دعا الكرملين إلى الانتقال السياسي في الجزائر من «دون تدخل» من بلدان أخرى. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف «نأمل، مهما حدث، أن تجري العمليات الداخلية في هذا البلد والتي هي شؤون داخلية جزائرية حصراً، دون تدخل من دول ثالثة».
وأعرب وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، عن دعم بلاده لـ«الانتقال الديمقراطي» في الجزائر وقال إن قرار بوتفليقة التنحي عن منصبه يمثل «صفحة هامة في تاريخ الجزائر». وأضاف أن الشعب الجزائري أظهر عبر احتجاجات «سلمية وكريمة» في الأسابيع الأخيرة، أنه «مصمم على إسماع صوته». وتابع «نثق بقدرة الجزائريين على مواصلة هذا الانتقال الديمقراطي بنفس روح الهدوء والمسؤولية».
الخارجية الأمريكية: عملية الإنتقال تعود إلى الشعب الجزائري
في أول رد فعل أمريكي على قرار إستقالة الرئيس بوتفليقة، قال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ، روبرت بالادينو. إن الولايات المتحدة شاهدت التقارير المتعلقة باستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، من منصبه. وترى أن الأمور المتعلقة بعملية الانتقال تعود إلى الشعب الجزائري.
وقال بالادينو «أنا على دراية بما حدث، ليس لدي أي رد فعل محدد بخلاف الولايات المتحدة. وبشأن الأسئلة المتعلقة بكيفية المرحلة الانتقالية في الجزائر، فإن هذا أمر يقرره الشعب الجزائري».
وضع اقتصادي دقيق
والمعلوم ان من اهم اسباب تفجر الحراك قبل اسابيع هو الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب الذي يعيشه الجزائريون في بلاد تمتلك احتياطا هاما من النفط ولكن عائداتها تبقى في يد قلة قليلة من طبقة رجال الاعمال والسياسة المؤثرين في الحكم.
فرغم ان البلاد تمتلك مقومات اقتصادية وجيو -سياسية ضخمة الا ان ذلك لم ينعكس بشكل جلي على الحياة اليومية للمواطنين ...فالجزائر هي اكبر دولة افريقية من حيث المساحة، تبنت نهج اقتصاد السوق في 1994. وهي ثالث منتج للنفط في افريقيا وتاسع منتج للغاز عالميا.
وتوفر المحروقات 95 % من مداخيل البلاد بالعملة الصعبة وتساهم في ميزانية الدولة بنحو 60 %.. لكن انهيار أسعار النفط دفع الحكومة الى زيادة الضرائب والتخلي عن العديد من الاستثمارات العمومية.
وقد بدأ الحديث عن ضرورة احداث اصلاحات عاجلة لتنويع مداخيل الاقتصاد وعدم الاعتماد فقط على النفط في ظل تغير اسعار المحروقات. واليوم تبدو البلاد امام تحديات كبيرة، اولها تأمين انتقال سياسي سلس وحل اشكالية الفراغ الدستوري، اضافة الى الوضع المعيشي والاقتصادي الذي يتطلب اصلاحا حقيقيا يستجيب لمطالب الشعب بكل اطيافه وطبقاته.