وتأتي استقالة بوتفليقة بعد اكثر من شهرين من المظاهرات الشعبية المطالبة بتنحيته وتغيير النظام الحاكم. يشار الى ان العهدة الرئاسية الرابعة للرئيس الجزائري تنتهي يوم 28 افريل الجاري الا ان الضغط الشعبي الكبير كان حاجزا أمام العهدة الخامسة لبوتفليقة الذي يحكم الجزائر منذ 1999.
وقالت الرئاسة الجزائرية في بيان امس :«بعد تعيينه للحكومة الجديدة يوم 31 مارس 2019، سيتولى فخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، إصدار قرارات مهمة طبقا للأحكام الدستورية، قصد ضمان استمرارية سير مؤسسات الدولة أثناء الفترة الانتقالية التي ستنطلق اعتبارا من التاريخ الذي سيقرر فيه الاستقالة».
وأضاف البيان:«ستتم استقالة رئيس الجمهورية قبل نهاية عهدته الانتخابية المحددة يوم الأحد 28 أفريل الجاري.
وسبق لوسائل إعلام جزائرية ان اعلنت في تقارير متطابقة أنّ الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة سيستقيل من منصبه نهاية الأسبوع الحالي قبل ايام من انتهاء عهدته وفق ما ينص عليه الدستور . وكان للاحتجاجات الشعبية ضدّ ترشح الرئيس الجزائري لعهدة خامسة_ نظرا لوضعه الصحي الحرج_ دور كبير في قرارات بوتفليقة بدءا بتعهده بعدم تقديم ترشحه من جديد بعد حكمه للجزائر لـ20 عاما متتالية وصولا الى اعلان قرب استقالته .
ولم يكن قرار بوتفليقة مفاجئا خاصة بعد تسارع الاحداث خلال ال24 ساعة المنقضية وما تخللته من حملة اعتقالات طالت عددا من المعارضين والشخصيات السياسية الفاعلة في المشهد الجزائري.
وتأتي هذه الاخبار متزامنة مع الاعلان عن تشكيلة حكومية جديدة برئاسة نور الدين بدوي، الذي كان تم تكليفه برئاسة الوزراء في 11 مارس، تضمّ 27 وزيرا بينهم ثمانية فقط من الفريق الحكومي السابق وقالت الرئاسة في بيان نقلته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أنّ «الحكومة الجديدة تضمّ 27 وزيرا، من بينهم خصوصاً رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح الذي احتفظ بمنصبه نائباً لوزير الدفاع ورئيساً للأركان». بالمقابل استبعد من التشكيلة الحكومية رمطان لعمامرة الذي كان عيّن في 11 مارس نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية. وكانت حقيبة الخارجية في التشكيلة الجديدة من نصيب السفير الجزائري لدى الأمم المتحدة صابري بوقادوم .واستغرق تشكيل هذه الحكومة 20 يوما، وهي فترة قد تكون قياسية بالنسبة إلى الجزائر.وكان بدوي وعد إثر تكليفه رئاسة الوزراء بتشكيل «حكومة كفاءات شابة من الجزائريين والجزائريات».
وتعيش الجزائر منذ 22 فيفري المنقضي حراكا شعبيا متزايدا واحتجاجات غير مسبوقة طالبت بإنهاء حكم بوتفليقة نظرا لوضعه الصحي الحرج وعدم قدرته على الاستمرار في ادارة شؤون البلاد. وطالب المحتجون من فئات مختلفة برحيل رموز نظامه ايضا وبالتالي فتح الباب امام الجزائريين للتغيير . وكان تلفزيون «البلاد» الخاص ذكر أن شقيق بوتفليقة «السعيد»، الذي يوصف بأنه الحاكم الفعلي للبلاد، سيترك منصبه ايضا كمستشار برئاسة الجمهورية .
اية تغييرات ؟
وقالت تقارير اعلامية في الغرض أن الحكومة الجديدة ستتكفل بالتحضير للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة. وفي مثل هذا الوضع سيتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية لا يحق له الترشح فيها، طبقا للمادة 102 من الدستور الجزائري.
ويرى مراقبون أن الاعلان عن حكومة جديدة بهذه السرعة وايضا ترتيب استقالة بوتفليقة يأتي بعد تفاهمات خفية بين منظمة الرئاسة من جهة والفريق أحمد قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائري ونائب وزير الدفاع الوطني خاصة بعد دعوته المثيرة للجدل إلى عزل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة .ودعا قائد الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح الى اتخاذ إجراء دستوري غير مسبوق يقضي باعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة غير قادر على الاستمرار في منصبه كرئيس للجمهورية بعد حكم استمر 20 عاما . ودعا صالح خلال حديثه لضباط من الجيش بثه التلفزيون الرسمي إلى موقف موحد لحل الأزمة التي تشهدها البلاد في وجه أي «محاولات خارجية لبث الفتنة او التدخل في الشأن الداخلي الجزائري». الا أن استقالة بوتفليقة قبل اعلان المجلس الدستوري من دعوة قايد صالح يعتبره مراقبون دليلا على حصول تفاهمات وتنازلات من الجانبين تم فيه تغليب مصلحة الجزائر وخشية خروج المظاهرات عن سلميتها.
وتنص المادة 102 على أنه «إذا استحال على رئيس الجمهوريّة أن يمارس مهامه بسبب مرض خطير ومزمن، يجتمع المجلس الدستوريّ وجوباً، وبعد أن يتثبّت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة، يقترح بالإجماع على البرلمان التصريح بثبوت المانع». والخطوة التالية هي أن يعلن المجلس الدستوري رسميا أن بوتفليقة غير لائق للمنصب. ويرى متابعون ان
تزامن قرار بوتفليقة بالاستقالة مع انطلاق حملة اعتقالات متسارعة وأيضا فتح تحقيقات حول شبهات «فساد» بالإضافة الى منع شخصيات سياسية معروفة من السفر، كل ذلك يؤكد ان الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة على صعيد المرحلة الانتقالية التي دخلتها الجزائر استجابة لمطالب المحتجين.
هذا وأعلنت النيابة العامة بالجزائر، أمس الإثنين، فتح تحقيقات حول «شبهات فساد وتهريب أموال للخارج»، وإصدار قرارات بمنع السفر بحق عدة شخصيات محلية.
وأضاف البيان: «لضرورة التحقيقات الابتدائية، أصدر وكيل الجمهورية (النائب العام) لدى محكمة سيدي أمحمد، أوامر بالمنع من مغادرة التراب الوطني، ضد مجموعة من الأشخاص في إجراء احترازي»، دون تقديم تفاصيل حول هوية الممنوعين من السفر. إلاّ أن وسائل اعلام محلية جزائرية وأخرى دولية قالت ان من بين المعتقلين علي حداد الرئيس السابق
لمنتدى رؤساء المؤسسات علي حداد (أكبر تنظيم لرجال الأعمال) وهو رجل اعمال مقرب جدا من بوتفليقة. وتاتي هذه الخطوة بعد 24 ساعة من اصدار هيئة الطيران المدني مساء امس الاول قرارا يقضي بمنع اقلاع او دخول الطائرات الخاصة من وإلى مطارات البلاد.
كل هذه الاحداث المتسارعة والدراماتيكية المتتالية منذ عشية السبت المنقضي توحي بأن المشهد الجزائري دخل مرحلة انتقالية حاسمة ستقطع مع حكم استمر 20 عاما وفق ماقرره الشعب الجزائري المنادي بالتغيير .