يسيطر فيه الغموض بخصوص مآل هذه الاحتجاجات ومدى تأثيرها على الوضع الامني والسياسي في هذا البلد..
وقدم عبد الغني زغلان مدير حملة بوتفليقة الانتخابية ملف الترشح الى المجلس الدستوري في خطوة اثارت تساؤلات حول مدى دستورية الترشح بالوكالة..في وقت اعتبرت فيه اطياف سياسية واعلامية واسعة في الجزائر ان تقديم الترشح هو بمثابة استفزاز للشارع الجزائري ولمطالب آلاف المحتجين ..اذ عنونت صحيفة الخبر «بوتفليقة يتجاهل مسيرات رفض الخامسة»، فيما قالت صحيفة ليبرتي «بوتفليقة مرشحا.. رغم أنف الشعب». و قالت يومية الوطن «بوتفليقة يتحدى الجزائريين»، وموقع «كل شيء عن الجزائر» عنون «التزامات بوتفليقة: نية حقيقية في التغيير أم مناورة لتهدئة الشارع؟».
تعهدات بوتفليقة
بوتفليقة الذي يرقد في مستشفى في جنيف وجهّ -عبر مدير حملته الانتخابية -رسالة الى الجزائريين بشأن الحراك الشعبي الرافض للترشح ..مقدما برنامجا انتخابيا من ست نقاط تناول فيه رؤيته للمرحلة القادمة وابرز ما جاء فيه التعهد بتنظيم ندوة وفاق وطني واجراء انتخابات مبكرة وعدم الترشح اليها وأكد بوتفليقة – من خلال هذه الرسالة - أنه كلّه آذان صاغية لكل الآراء الذي ينضح بها المجتمع وأعاهدكم ها هنا أنني لن أترك أي قوة سياسية، كانت أم اقتصادية، لكي تحيد بمصير وثروات البلاد عن مسارها لصالح فئة معينة أو مجموعات خفية»..لكن يبدو ان هذا الخطاب لم يفلح في تهدئة الشارع الغاضب حيث خرج آلاف الشباب في مسيرات حاشدة رافعين شعارات مناهضة لبوتفليقة مطالبين المجلس الدستوري بعدم قبول ملفه أو التصعيد نحو العصيان المدني. ويرى البعض ان الرسالة التي اراد بوتفليقة وداعمو ترشحه ايصالها للشارع هو القبول بالعهدة الخامسة باعتبارها الوسيلة الاسلم نحو التغيير السلمي المتدرج وذلك من اجل ابعاد شبح الانفلات السياسي والامني عن الجزائر في ظل بركان الازمات التي تعيشها المنطقة ككل ..ويؤكد داعمو ترشح بوتفليقة ان هذا السيناريو من شأنه ان يجنب البلاد تكرار سيناريو العشرية السوداء وما رافقها من اعمال عنف كادت ان تطيح باستقرار البلاد وتدفعه نحو المجهول . خاصة ان تجارب الدول التي عرفت موجة الاحتجاجات المطالبة بالتغيير في اعقاب ما يسمى بالربيع العربي وجدت نفسها امام خطر الارهاب والحركات الاسلامية الراديكيالية التي تسعى لتنفيذ اجنداتها المشبوهة ...خاصة ف سوريا وليبيا ..
معارضة منقسمة
ولئن أعلن كل من حزب طلائع الحريات وحركة مجتمع السلم وحزب العمال عدم مشاركتهم فى الانتخابات المقبلة، فان 20 مرشحا قدموا اوراقهم للسباق الانتخابي وهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ورئيس جبهة المستقبل عبد العزيز بلعيد، ورئيس حركة البناء عبد القادر بن قرينة، ورئيس حركة الانفتاح عمر بوعشة، ورئيس حزب النصر الوطني عدول محفوظ، ورئيس حزب التجمع الجزائرى على زغدود، ورئيس جبهة الشباب الديمقراطى للمواطنة أحمد قوراية، ورئيس حزب عهد 54 على فوزي رباعين، ورئيس حزب جبهة الحكم الراشد عيسى بلهادي، بالإضافة إلى المرشحين المستقلين عبد الحكيم حمادي واللواء المتقاعد على غديري ورشيد نقاز وعبد الشفيق صنهاجي وعلى سكوري ومحمد بوفراش وعمارة محسن وبن طبي فرحات ولوط بوناطيرو وشعبان رزوق وعايب رؤوف ..
وفي وقت تبدوفيه المعارضة الجزائرية منقسمة ولم تتوافق حتى الان على مرشح واحد ، فان رئيس الوزراء الجزائري السابق علي بن فليس ومؤسس حزب طلائع الحريات المعارض اعتبر في تصريحات اعلامية «ان هذا الترشح هو مهزلة وخرافة سوريالية من رئيس لم يخاطب شعبه منذ سبع سنوات وكان مترشحا للعهدة الرابعة وهو غير قادر على ممارسة المسؤولية مؤكدا بان البلاد معرضة للمجهول... ودعا الاحزاب السياسية الى الاجتماع حول طاولة واحدة مطالبا بسحب ترشح بوتفليقة مضيفا:«واذا اردنا هدنة وتهدئة للشارع لا بد من سحب هذا الترشح الظالم ..ولا بد من استبعاد الحكومة الحالية وتشكيل حكومة من مستقلين ومن كفاءات يعهد لها بإبعاد لجنة الانتخابات الحالية وبابعاد الادارة الجزائرية الحالية وبحث القائمة الانتخابية علاوة على اقتراح اعضاء جدد للمجلس الدستوري لكي لا يكون مواليا للرئيس».
وقال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الطوسة لـ «المغرب» ان هذه الاحتجاجات جاءت مفاجئة في حجمها وزخمها والشعارات التي رفعتها ونوعية المتظاهرين واضاف بالقول:«فالكل كان يعتقد ان الشارع الجزائري يخاف من الخروج للاحتجاجات وان الجزائريين اذا خرجوا للتظاهر فانهم يمكن ان يتسببوا في ازمة امنية تعيد الجزائر الى السنوات السوداء وغيرها وكان هناك تهديد بان تسقط الجزائر في مستنقع شبيه بالمستنقع السوري.. واضاف :«هناك تحد واضح من طرف هؤلاء المتظاهرين للتعبير عن رفضهم للعهدة الخامسة. وما يثير الاهتمام في هذه التظاهرات هو نوعية المتظاهرين اذ نجد الشباب والنساء والشيوخ، فكل شرائح المجتمع تشارك في التظاهرات وترفع شعار «لا للعهدة الخامسة» وهناك تظاهرات خارج الجزائر في فرنسا في صورة فاجأت الجميع اذ اجتمع في يوم احد 6000 جزائري اطلقوا صرخة واحدة لا للعهدة الخامسة.هذه التظاهرات كان لها تأثير معنوي وسياسي واعلامي على الرأي العام الذي ساهم بطريقة واضحة في عزل الجناح الذي يريد العهدة الخامسة وان يبقي بوتفليقة في سدة الرئاسة رغم وضعه ومرضه». وقال ان هذه المظاهرات تلقي بثقلها على المعادلة الانتخابية والسياسية الجزائرية.
اما بشأن برنامج بوتفليقة والنقاط التي اعلن عنها فأضاف محدثنا بالقول:«لا اعتقد ان الشارع السياسي الجزائري سيتجاوب مع الوصفة السحرية التي اقترحها بوتفليقة للبقاء في الحكم والرسالة مفادها اعطوني سنة لكي انظم خلافتي بطريقة سلمية.. واذا اردنا ان نستشف معالم المستقبل القريب فهي مرتبطة بحجم وزخم التظاهرات التي ستخرج خلال الايام القادمة للتنديد بالعهدة الخامسة أي لغاية 17 افريل تاريخ اجراء الانتخابات».
معتبرا ان هذه التظاهرات اذا حافظت على طابعها السلمي فهذا قد يساهم في تهدئة الامور واذا خرجت الاوضاع عن السيطرة اذا حدثت مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الامن فان ذلك سيؤدي الى انزلاقات امنية خطيرة لا تحمد عقباها على المستوى الجزائري او الاقليمي».
الموقف الفرنسي
وفيما انتقلت الاحتجاجات ضد ترشح بوتفليقة الى الجزائريين المقيمين في فرنسا ، اصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بيانا اكدت فيه ان القرار بيد الشعب الجزائري فيمن سيختار زعيما له.. والقرار بيد الشعب الجزائري فيما يتعلق بمستقبله . في هذا السياق يرى الكاتب والمحلل مصطفى الطوسة انه بعد ان قدم رسميا بوتفليقة ترشحه ارتفعت اصوات اعلامية نافذة في المشهد الفرنسي تطالب الحكومة الفرنسية ان تتعامل مع الملف الجزائري بجدية وان توليه اهتماما اكبر لان أي تطور او انفجار سياسي وامني ستكون لها انعكاسات مباشرة على المصالح الفرنسية سواء تعلق الامر بمجيء محتمل للاجئين الى فرنسا او الدور الفرنسي في منطقة الساحل، فالجزائر لها حدود عملاقة مع العديد من دول الساحل التي تنشط فيها الجماعات المتطرفة. وتابع بالقول:«هناك خوف وحيطة وحذر في الموقف الفرنسي وترقب كبير لما ستؤول اليه الامور في هذه المواجهة بين مناضلي العهدة الخامسة ومعارضي ترشح بوتفليقة بكل شرائحهم ومكوناتهم».
فاليوم تسيطر الضبابية على الوضع في الجزائر، فالحراك الدائر لم يعد يطالب فقط بعدم ترشح بوتفليقة للعهدة الخامسة وانما بات يدعو الى انهاء دور جبهة التحرير الوطني الجزائرية ..هذا الحزب الحاكم الذي تأسس في مطلع نوفمبر 1954 وكان احد اهم اعمدة الاستقلال في الدولة الحديثة،
مما يضع البلاد امام مفصل تاريخي بكل ما يحمله ذلك من تحديات وتداعيات ليس فقط على الجزائر وانما على المنطقة ككل..