وكان في طليعة المظاهرة التي انتقلت من شارع البندقية إلى ساحة القبة في قلب المدينة شخصيات فنية و سياسية من مختلف الأحزاب الديمقراطية و زعماء النقابات و ناشطون في المجتمع المدني ينتمون إلى 1000 جمعية أهلية. كلهم نادوا بوضع «الإنسان أولا» في قلب السياسات الحكومية معتبرين أن الحكومة الحالية لا تبالي بأوضاع المواطنين المعيشية بل تعمل على تقسيم الشعب و بث الكراهية في صفوفه.
من أهداف منظمي هذه المسيرة هو رفع عدد المشاركين مقارنة مع مظاهرة 20 ماي عام 2017 التي شارك فيها 100 ألف مواطن و التفوق على حزب ماتيو سالفيني الذي جمع 50 ألف متظاهر في روما. و فاق عدد المتظاهرين (250 ألف) الحاضرين كل التوقعات. و ساهم ذلك في دعم اللحمة الجديدة التي بانت بوضوح بين المنظمات السياسية الديمقراطية و كل المنظمات النقابية و العمالية التي كانت مشاركة عبر زعمائها.
وقاد المظاهرة عمدة ميلانو بيبي سالا مصحوبا بالعمدة السابق جيوليانو بيزابيا. وعبر بيبي سالا عن شعوره بأن ذلك التجمع يعبر عن «وجه إيطاليا» الحقيقي «في زمن متغير بالنسبة للبلاد». وأكد أن ذلك ليس فقط «معارضة للحكومة ومقرراتها «بل هو وقوف عند «تصور مختلف حول الأنموذج الاجتماعي» يضع الجميع في مفترق طرق. والتحق بالمنظمات السياسية عدد هام من الجمعيات المدافعة عن حقوق الإنسان مثل منظمة العفو الدولية وأطباء بدون حدود وجمعيات الدفاع عن المهاجرين التي نادت باحترام حقوق الإنسان ومعاملة اللاجئين بأسلوب إنساني واللجوء إلى التسامح في التعامل مع الأقليات.
مشروع مجتمعي متحضر
و كما دعا إليه عمدة ميلانو عبر المشاركون عن رفضهم لموجات الكراهية التي يروج لها زعيم رابطة الشمال ماتيو سالفيني وحزبه في أنحاء مختلفة من إيطاليا. ورفع المتظاهرون لافتات تشيد بالإخاء والتنوع عبر ألوان اللافتات والمعلقات. و راج شارع البندقية زورق كبير كتب عليه «نحن جميعا في نفس الباخرة» تعبير عن التمسك بالوحدة بين أفراد المجتمع وعدم حرمان اللاجئين والمهاجرين من الاستقبال الحسن.
وطرح قادة الأحزاب و الجمعيات و النقابات مسألة العمل على سن مشروع مجتمعي متحضر يبعد إيطاليا من متاهات تاريخها الفاشي الذي أخذ في النمو مع صعود نجم ماتيو سالفيني. إن «العيش المشترك» بالنسبة للمتظاهرين يمر عبر وحدة الصف و تلاقي الناشطين في المجتمع المدني في إطار مشترك عنوانه احترام حقوق الإنسان و العمل من أجل المواطن. و التحق بالمسيرة فيرجينيو كولمينيا رئيس «كازا ديلا كاريتا» وهي جمعية كاثوليكية للإغاثة لها سجل حافل في العمل الميداني مع اللاجئين و المهاجرين و ضعفاء الحال. و عبر عن سعادته بالمشاركة في حفل كرس التعددية و الاختلاف مع احترام الآخر وهو «عربون لدعم اللحمة المجتمعية التي لا بد أن تمس باقي المجتمع».
رجوع اليسار الديمقراطي إلى الساحة السياسية
مشاركة نيكولا زينغاريتي ،رئيس إقليم لازيو وأحد المتنافسين على رئاسة الحزب الديمقراطي – والذي تم انتخابه يوم الأحد أمينا عاما للحزب بنسبة 70 % من أصوات أعضاء الحزب - لفتت أنظار الملاحظين خاصة أنه قوبل من طرف المتظاهرين بصفته «رئيسا» للحزب الديمقراطي قبل الانتخابات. و كان لخطابه وقع في الحاضرين إذ ندد بالحكومة الإيطالية الحالية معتبرا أنها «لم تضمن التشغيل والنمو والرفاهية بل نشرت الكراهية والحقد والانشقاق» مضيفا أن «إيطاليا ليست هكذا».
وطالب بتوحيد الصفوف من أجل «إعادة تشكيل اليسار من بين الأشخاص المناضلين لا من بين الشخصيات والوجوه السياسية». وساند ماوريتسو لانديني الأمين العام الجديد للكنفديرالية الإيطالية للعمال هذا التوجه و طالب بـ«تغيير البلاد» مضيفا «هذه الحكومة لها سياسة خاطئة و لا تعمل على مقاومة الفوارق الاجتماعية الموجودة». مشاركة النقابات و الكنيسة والأحزاب الديمقراطية الوسطية على غرار الزعيمة إما بونيني يتماشى والنداءات التي أطلقت من قبل رئيس الحكومة السابق رومانو برودي والأمين العام الأسبق للحزب الديمقراطي ماتيو رينزي و عدد من زعماء اليسار بنبذ التفرقة والالتحام حول الأمين العام الجديد للحزب الديمقراطي من أجل توحيد اليسار الديمقراطي ومواجهة الزحف الفاشي الذي أصبح يهدد أسس الدولة الديمقراطية التي تأسست على أعقاب الحرب العالمية الثانية و هزيمة نظام بينيتو موسوليني. خطوة أولى نحو توحيد فصائل سياسية هزتها الهزيمة في الانتخابات التشريعية الأخيرة بسبب الانقسامات و التمسك بالزعامتية. زعيم اليسار الجديد نيكولا زينغاريتي الذي نجح في افتكاك إقليم لازيو عبر توحيد فصائل اليسار حوله قادر، إذا ما حصل على دعم صريح من مختلف «الزعماء» المتناحرين في السابق، على قيادة عملية التوحيد من أجل الرجوع إلى الحكم في إطار سيناريو فشل الحكومة الحالية في الصمود أمام الاختلافات الداخلية التي تعاني منها بين حزب رابطة الشمال وحركة 5 نجوم.