تأثيرات الدور الروسي على المشهد السياسي في ليبيا

الليبيون اليوم يحاكون عراق الأمس ويتباكون على بلاد ضاعت ووطن نهب وسرق وطغت فيه الأحقاد والتعصب المناطقي والقبلي،

ودفعوا تكاليفها من دمائهم وتكاليف معيشتهم، فرغم مرور عدة سنوات من الإطاحة بحكم القذافي، إلا أن ليبيا لم تجد بعد ضالتها لتحقيق الأمن الذي غاب عن الكثير من المدن الليبية لتحل محله لغة السلاح والميلشيات والهجمات التي تطال العسكريين والبعثات الدبلوماسية، بل لا تزال تتخبط في دوامة العنف والفوضى.
في ضوء هذه الوقائع والمعطيات، يكتشف المجتمع الدولي مرة أخرى حجم الفوضى العارمة التي تعيشها ليبيا ما بعد فبراير 2011، ويبدو أن لعنة المنهجية الأمريكية-الغربية التي استخدمت تيار الإسلام السياسي في ليبيا لتنزلق نحو الحرب الأهلية وتتحول إلى مكان جاذب لكل الجماعات المتطرفة بارتكاب المذابح الوحشية ضد هذا الشعب للحصول على أراضيه وثرواته ، بدأت تتكشف وتتضح أمام الشعب الليبي وأصبح يعرف التناقض المفضوح التي تتصف بها سياسة أمريكا في المنطقة.

اليوم تشهد ليبيا سلسلة مواعيد ولقاءات مرتقبة تحمل في طياتها إشارات عن تطورات مرتقبة في المشهد السياسي، فقد عاد الحديث عن انطلاق تحرك سيف الإسلام القذافى، ليلعب دوراً رئيسياً في محاولة «الإمساك» بزمام الأمور في ليبيا وإعادة الأمن والاستقرار وحكم البلاد في الوقت المُناسب، خاصة بعد السخط الشعبي الكبير من حكم الإسلام السياسي في ليبيا ومن جماعة الإخوان، وأكد أكبر تجمّع قبلي في الشمال والوسط والجنوب الليبي أن أكثر القبائل الليبية أعلنت مساندتها لمشروع سيف الإسلام لحكم ليبيا، كاشفة عن اتصالات في الداخل والخارج لتكثيف المشاورات بشأن هذا الموضوع.
في السياق نفسه، ان الكثير من القبائل التي قاتلت إلى جانب القذافى وتعرضت للعقاب، تجد في سيف الإسلام اليوم «القائد المنتظر» لإعادة حقها، فمدينة سرت، مسقط رأس سيف الإسلام، ترى فيه «المنقذ» من داعش والإسلاميين والغرب، وفي الوقت نفسه يحمل سيف الإسلام مشروع ما يعرف بـ «ليبيا الغد»، وهو قائد «الإصلاحات» في النظام السابق والمشرف على الإفراج عن المعتقلين المتهمين بالتطرف .

في الاتجاه الآخر يتبنى الرئيس الروسي بوتين بحماسة سيف الإسلام القذافي في المرحلة المقبلة، وأكد بقوة عن لعبه دوراً في العملية السياسية من بوابتها العريضة « الانتخابات الرئاسية المقبلة». هذا ما أكده ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسي بقوله : «إنه ينبغي أن يلعب سيف الإسلام القذافي دوراً في المشهد السياسي الليبي». واعتبر أن «سيف الإسلام» يتمتع بدعم قبائل محددة في مناطق محددة من ليبيا وكل هذا ينبغي أن يكون جزءاً من العملية السياسية الشاملة بمشاركة القوى السياسية الأخرى «.وأفاد بأن مندوباً عن «سيف الإسلام» سلم رسالة منه إلى موسكو حدد فيها أفكاراً لمستقبل سياسي لليبيا، مؤكدا أن «سيف الإسلام» على تواصل مستمر مع روسيا، بالتالي فإن موسكو بحكم عضويتها في مجلس الأمن وحياديتها تجاه الكيانات في المشهد الليبي، بالإمكان الاعتماد عليها والمساهمة الفاعلة لها في حل الأزمة الليبية وهذا ما لمسناه من خلال مواقفها المعلنة.

التساؤل الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا اختيار الروس ليبيا في هذه المرحلة الحرجة؟ طبعاً، الفراغ الموجود يفتح أبواباً للتدخل من هذا النوع يكسر الجمود على الساحة الليبية، بالإضافة إلى مكانة ليبيا في الإستراتيجية الروسية على ارتباط بعقود بمليارات الدولارات خسرتها موسكو بعد سقوط نظام القذافي. مثلاً، خسرت موسكو صفقات أسلحة بقيمة 4 مليارات دولار، وعقداً بمليارين ونصف المليار دولار لبناء خط قطار سريع بين سرت وبنغازي. وفي الوقت الحالي تعمل موسكو على إحياء هذه العقود من خلال علاقتها بالجنرال خليفة حفتر.

بالرغم من كل ذلك هناك بعض العقبات التي تعترض عودة سيف الإسلام إلى العمل السياسي والتي تحتاج إلى بعض الوقت لتجاوزها، فالكثير ممن حملوا السلاح ضدّ القذافي ينتابهم الخوف والقلق من كون سيف الإسلام يطمح للعودة بدافع «الثأر» لوالده، لأنه لن ينسى أنّ «الثورة» التي ساندها حلف شمال الأطلسي، قتلت أباه بطريقة بشعة، وأعدمت إخوته الثلاثة دون محاكمات ، بالإضافة إلى الوضع الأمني في البلاد، بسبب انتشار وسطوة الميلشيات المسلحة والمتطرفة بشكل قد يؤثّر على أمنه الشخصي ويعرّضه للخطر مع تغيّر الولاءات والانتماءات ، فضلاً عن سيطرة الجنرال خليفة حفتر، الرافض بشدة لعودة سيف الإسلام إلى المشهد السياسي، على مساحات واسعة من شرق البلاد.

مجملا...كان لدى سيف الإسلام القذافى قبل 2011 مشروعاً سياسياً وقد قطع شوطاً كبيراً في تنفيذه، وهو مشروع يعرفه كل الليبيين” مشروع ليبيا المستقبل” والذي كانت ليبيا قاب قوسين من اعتماده قبيل الثورة. وأخيراً يبقي السؤال الرئيسي وهو: إن ليبيا في ظل هذه الأحداث إلي أين ستذهب؟ إما إلى الهاوية أو أن يستيقظ الشعب و ينقلها إلى بر الأمان والاستقرار وتحقق الأهداف المنشودة، وأنا على يقين أن أبناء ليبيا سوف يقفون خلف كرامة وطنهم حتى يتحقق المرجو لليبيا، وهو محو كل إرهاب غاشم يستهدف ليبيا و العرب، وعرقلةً مخطط الناتو الذي دمر وأزهق وأباح كل أركان الدولة الليبية. وبالتالي ستكون ليبيا الشرارة الأولى التي ستحرق عروش عملاء أمريكا وإسرائيل وسترمي بهم إلى مزبلة التاريخ، فإذا استطاعت أمريكا وحلفاؤها أن تتحكم في مجريات الأوضاع وتحولها إلى صالحها فإنها لن تستطيع أن تهزم المقاومة لأنها لا تؤمن بعقيدة سوى الوطن.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115