نهاية سنة عصيبة للرئيس إيمانويل ماكرون: وبداية سنة التحديات

مصطفى الطوسة
كاتب ومحلل سياسي
حتى في أسوإ السيناريوهات لم يكن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون يتصور أن نهاية السنة سيكون

لها هذا الطعم المر وهذه الظلال القاتمة.المتتبعون لحركاته لاحظوا أنه اختار حاليا استراتيجية تواصلية تعكس التخبط السياسي الذي أوصلته اليه طريقة إدارته لأزمة السترات الصفراء والتي بدأت برفع شعارات ضد غلاء المعيشة واستمرت بالمطالبة باستقالة ايمانويل ماكرون وتنظيم استفتاء. الرّئيس ماكرون اختار أن يتوارى عن الأنظار ولم يطل على الاعلام منذ زيارته لتشاد انطلاقا من قناعة لمستشاريه بأن شخصه يركز رفض وغضب المحتجين.

وهو يستعدّ لتوديع هذه السّنة يواجه ايمانويل ماكرون تحديات الازمة السياسية والاجتماعية التي كانت السترات الصفراء محركها و وقودها وألهبت الشارع السياسي الفرنسي. فبالرغم من التنازلات التي قدمتها حكومته لهذه الحركة الاحتجاجية إلاّ أنّ ذلك لم يتمكّن من إطفاء لهيبها حيث وعدت هذه الحركة بالاستمرار في التظاهر وشلّ حركة السير وديناميكية الاقتصاد. ولعلّ الكلمات آلتي سيستعملها وهو يقدّم تهانيه للفرنسيين بمناسبة السنة الجديدة ستكون مؤشرا على حجم التحديات التي يواجهها ونوعية التنازلات التي يمكن أن يقدّمها والمقاربات السياسية التي سيفعلها للخروج من ورطة السترات الصفراء.

ولكن ما زاد الطين بلة بالنسبة لماكرون اندلاع فصل جديد من فضيحة حارسه الشخصي القديم ألكسندر بن علا بعد أن كشفت الصحافة الفرنسية أنّه زار دولة اتشاد ايام قليلة قبل زيارة ماكرون الرسمية لهذا البلد والتقى رئيسها ادريس دبي على رأس وفد من رجال أعمال اتراك و قطريين. وبالرغم من موقف قصر الاليزيه الحازم والواضح اتجاه ألكسندر بن علا إلاّ أن التساؤلات عادت بزخم كبير حول الحماية والامتيازات التي يحظى بها الكسندر بن علا خصوصا بعد أن اماطت الصحافة اللثام عن استعماله لجواز سفر دبلوماسي منح له بدء فضيحة الفاتح من شهر ماي آلتي اظهرته في مشاهد وهو يتقمّص شخصية شرطي ويعنف متظاهرين.

يجد الرئيس الفرنسي «ايمانويل ماكرون» نفسه في مفترق طرق خطير قد يعصف بما تبقى من ولايته. صحيح أنّ المعارضة لم تستفد من هذه الحقبة لفرض قادتها داخل المشهد السياسي الفرنسي ولبلورة بديل عن ماكرون باستثناء اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبين التي تقول استطلاعات الرّأي أنّ حزبها قد يتصدر نتائج الانتخابات الاوروبية المقبلة. فالرهان الأساسي حاليّا بالنسبة لماكرون هو استعادة زمام المبادرة للتمكّن من الاستمرار في اطلاق وإنعاش اوراشه الاصلاحية. وبموازاة هذه الاهتمامات هناك ايضا تساؤلات بخصوص بقاء ادوار فليب على راس الحكومة خصوصا بعد أن ظهر الى العلن خلاف وارتباك بين قصر الإليزيه ورئاسة الحكومة حول الحلول التي تم اقتراحها لخفض حدة التوتر آلتي تسببت فيها حركة السترات الصفراء.

سنة التحديات والمخاطر
وفي كلمة التهاني التقليدية التي القاها ايمانويل ماكرون للفرنسيين شد انتباه المراقبين الطريقة التي اختارها الرئيس لتوجيه خطابه. فهو لم يكن كالعادة جالسا امام مكتبه يقرأ نصا مكتوبا أمامه بل كان واقفا امام الكاميرا ينظر الى الفرنسيين في عمق اعينهم ويخاطب ضميرهم و يسائل مشاكلهم. بعض المراقبين حاولوا فك شفرة هذا الأسلوب بالقول بأن الرسالة الضمنية التي حاول ماكرون إيصالها للفرنسيين أنه لايزال صامدا في منصبه متحملا مسؤوليته وقادر على أخذ واستعادة زمام المبادرة.

أما على مستوى المضمون فقد اكتفى الرئيس بالتعبير عن خطوط عريضة مفادها انه يضع المواطن الفرنسي عبر توسيع نطاق مصالحه الاقتصادية ومشاركته السياسية على اجندة أولوياته. لكن طوال هذا الخطاب الذي أنهاه بما وصفه البعض بنقطة إطلاق للحملة الانتخابية الاوروبية تجنب الرئيس ماكرون ذكر كلمة السترات الصفراء التي عكرت صفو نهاية هذه السنة. كما تجنب أيمانويل ماكرون أي تلميح لفضيحة ألكسندر بن علا التي هزت الطبقة السياسية في الايام الاخيرة من هذه السنة. واعطت الانطباع ان مؤسسات الدولة تعيش تناقضا صارخا في طريقة ادارتها.

صحيح ان لا أحد كان توقع ان يثير أيمانويل ماكرون هذه الفضيحة السياسية في خطاب نهاية السنة المخصص أساسا لتوجيه التهاني والأمنيات للشعب الفرنسي لكن هذه إشكالية القت بظلالها القاتمة على كل ما قاله ايمانويل ماكرون ووجهت ضربة لمستوى المصداقية لأي خطاب أو مقترح قد يقدمه ماكرون للفرنسيين. ومن بين هذه المقترحات التي تحدث عنها الرئيس في خطابه فكرة تنظيم حوار وطني للتفكير جماعيا في اعادة هيكلة وإنعاش النظام السياسي الفرنسي لكي يضمن مشاركة سياسية أكثر فاعلية و أكثر تمثيلية للفرنسيين في اللعبة الديموقراطية. وعد الرئيس ماكرن الفرنسيين بانه سيستمع لما يقولونه عبر هذا الحوار ويستخلص العبر ويقترح خطوات عملية لتحسين الاداء السياسي والانتخابي.

وتعتبر السنة الجديدة سنة كل التحديات والمخاطر بالنسبة لايمانويل ماكرون. فهو يواجه امتحان نزع فتيل أزمة ظاهرة السترات الصفراء التي اعطت الانطباع ان زخمها خف مرحليا بسبب أعياد نهاية السنة ويهدد بالعودة بقوة عارمة إلى الاحتجاج في الشارع مع بداية السنة بأساليب ربما أكثر تطرفا وشمولية. أما الامتحان الثاني فيدور حول قدرة ماكرون على التخلص في أسرع وقت من فضيحة ألكسندر بن علا التي تهدد هي الاخرى بالاستمرار في تسميم الأجواء السياسية والمساهمة في نزع المصداقية على رئاسة الجمهورية التي فشلت في إدارة هذه الازمة بأكملها.

هذه التحديات ستجد لها ترجمة في صناديق الاقتراع حيث موعد الانتخابات الأوروبية بعد ستة أشهر. المعارضة الفرنسية بكل أطيافها تحاول ان تحول هذا الاقتراع الاوروبي الى استفتاء ضد ماكرون قد يقفل أمامه الطريق نهائيا لخوض إصلاحات جديدة ووأد نهائي لآمال ولاية ثانية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115