أكد الباحث اللبناني في شؤون الشرق الأوسط ومدير معهد العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية طلال عتريسي ان الازمة السورية خلال عام 2018 شهدت تحولات كبرى أبرزها ان المجموعات الارهابية تقريبا انتهى مشروعها ولم تعد تشكل تهديدا على وحدة سوريا ..موضحا في حديثه لـ «المغرب» ان هناك تفاهما قويا وواضحا بين تركيا وروسيا وايران على حل سياسي في سوريا وعلى وحدة الاراضي السورية..مشيرا الى ان زيارة الرئيس الامريكي الى العراق تأتي في إطار توجيه رسائل للداخل والخارج والتأكيد على ان امريكا ما زالت تتابع تطورات الوضع السوري من خلال تواجدها في العراق.• قراءتكم للانسحاب الامريكي من سوريا وهل لزيارة الرئيس دونالد ترامب الى العراق علاقة بهذه التطورات؟
لقد ربط الرئيس دونالد ترامب الانسحاب الامريكي بشكل واضح بالانفاق الذي لا يريد ان يتحمله كسبب رئيسي ..فهو كان يريد ان تكون المملكة العربية السعودية هي الممول الرئيسي وهذا لم يتحقق ..لذلك اخذ الرئيس الامريكي قرارا فرديا ، علما ان وزير الدفاع ومستشار الامن القومي ومعظم الفريق الذي يعمل معه كان مخالفا لهذه الخطوة ..وهذا يعني ان الانسحاب ليس في مصلحة حلفاء الولايات المتحدة الامريكية ..فردود الفعل سواء في الداخل الامريكي او الخارج تبين ان الانسحاب يعتبر خطوة في مصلحة خصوم واعداء الولايات المتحدة الامريكية ..في هذا السياق رد الفعل الاسرائيلي كان واضحا وكذلك الرد الاوروبي وكذلك الامريكي الداخلي . والنقطة الثانية تتعلق بما اعلنه الرئيس ترامب حول تركيا فقد اعطى الضوء الاخضر لاردوغان لفعل ما يشاء في سوريا وهذا يبين ان الرئيس الامريكي يريد ان يخلط الاوراق وان يعيد الدفء الى العلاقات الامريكية -التركية التي تعرضت لبرودة شديدة في السنة الماضية.
• في هذا السياق كيف ترون زيارة الرئيس الامريكي المفاجئة الى العراق اليوم؟
زيارة ترامب الى العراق تكمل توضيح اسباب الانسحاب من سوريا فالرئيس الامريكي يحاول الاجابة عن الاسئلة التي طرحت حول الانسحاب فكأنه يقول للداخل الامريكي ولحفائه ان الامريكيين يستطيعون متابعة ما يجري في سوريا من خلال العراق ..هو يريد ان يؤكد ان الولايات المتحدة انسحبت عسكريا ولم تنسحب سياسيا من الملف السوري وان النفوذ الامريكي ما زال قويا وحاضرا في المنطقة.
• اذن ما تداعيات هذا الانسحاب على الوضع في سوريا والمنطقة؟
بعد الانسحاب الامريكي تركيا وجدت نفسها في وضع محرج حقيقة، فمن جهة ترامب يدعوها الى ان تتصرف كما تشاء ،ومن جهة اخرى فانها لا تستطيع ان تفعل ما تشاء دون ان تنسق مع روسيا بالدرجة الاولى وايران بالدرجة الثانية.. وهذا ما يفسر سبب تأجيل انقرة العملية العسكرية التي كانت تتحدث عنها وكذلك سبب ذهاب وفد تركي الى روسيا للبحث في هذه المسألة وفي تداعيات الانسحاب الامريكي . اذن هدف الانسحاب هو اولا تقليص النفقات الامريكية واعادة الدفء الى العلاقات التركية وخلط الاوراق الداخلية بين روسيا وايران . والسؤال الذي يطرح نفسه هل هذا سيتحقق؟ في الحقيقة الامر لا يبدو كذلك لان الانسحاب هو خسارة للولايات المتحدة الامريكية ،فتركيا لا تستطيع ان تتصرف بمفردها بل تريد ان تحافظ على علاقة جيدة مع روسيا وايران من اجل ان تبقي على دورها ايضا في اية تسوية سياسية في سوريا . ثالثا لان تركيا لا تستطيع ان تذهب في عملية عسكرية وتوجه ضربة قوية للاكراد وتحتل كل شرق الفرات لانها ستتحول الى قوة احتلال تواجه من خلالها وضعا صعبا ..فقوة الاحتلال شيء والقوة الموجودة بتفاهم روسي ايراني لضرب المشروع الكردي شيء آخر ..وهذا يختزل مسألة المعادلات الجديدة بعد الانسحاب الامريكي من سوريا ..
• لو تستعرض لنا ابرز المحطات التي مرت بها الازمة السورية خلال عام 2018 ؟
الازمة السورية خلال العام 2018 شهدت تحولات كثيرة ابرزها ان المجموعات الارهابية تقريبا انتهى مشروعها ولم تعد تشكل تهديدا على النظام او وحدة سوريا والمشروع الكردي ضرب ايضا وكذلك الرهان الامريكي على المشروع الكردي انتهى ايضا مع الانسحاب الامريكي من سوريا ..هناك تفاهم قوي وواضح بين تركيا وروسيا وايران على حل سياسي في سوريا وعلى وحدة الاراضي السورية وهذا تبلور عام 2018 .ربما سابقا لم تكن تركيا بمثل هذا الوضوح .ايضا في عام 2018 وضعت اسس الحل السياسي في سوريا وتقدمت الافكار حول الهيئة الدستورية التي تتشكل لتبحث طبيعة الدستور السوري المقبل. والنقطة الاخرى المهمة هي اعادة الدول التي قاطعت سوريا في السابق ، علاقاتها العلنية الدبلوماسية و السياسية سواء بعض الدول الخليج او دول عربية اخرى ..وهذا يعني اعترافا بفشل كل هذه المشاريع لاسقاط النظام او تفكيك البلاد.. ويطرح اليوم موضوع عودة سوريا الى الجامعة العربية ..وفي سنة 2018 كذلك بدأت خطط ومشاريع اعادة اعمار سوريا وبدأنا التفكير في مرحلة ما بعد الحرب ..فسوريا تعيش الان مرحلة ما بعد الحرب ..وتبقى المسألة الجدلية اليوم هي التفاهم حول ادلب الذي لم يطبق بشكل كاف الى الان اذ تبقى ادلب هي الورقة النهائية في الازمة السورية ...
على المستوى السياسي هناك تقدم ايجابي لايجاد حل سياسي في سوريا، وعلى مستوى العلاقات الخارجية مع العالم العربي وغيره وايضا على مستوى الميدان ، هناك تقدم قوي للجيش السوري وتراجع للجماعات الارهايبة المسلحة في سوريا.
سنة 2018 كانت لمصلحة النظام السوري وحلفائه فيما خسرت اسرائيل الرهان لانها كانت تعتبر ان وجود حزب الله في سوريا لا يجب ان يستمر .. كل هذا انتهى وايران بقيت بناء على طلب الحكومة السورية .
• هل انتهى او فشل مشروع الشرق الاوسط الجديد؟
حقيقة، الولايات المتحدة دائما تفكر في تغيير صورة الشرق الاوسط .طبعا الصورة السابقة المتخيلة للشرق الاوسط الجديد لم تعد موجودة يعني تغيير الهياكل السياسية في سبع دول بينها ايران والعراق وسوريا وغيره لم يعد هذا الامر متحققا، لان حرب ثماني سنوات في سوريا لم تؤد الى شيء.. ولكن التغير في الواقع السياسي كما يتناسب مع طموحات الولايات المتحدة ما زال متواصلا..لهذا السبب الولايات المتحدة تعمل وفق القاعدة التقليدية فحيثما تستطيع ان تتدخل تتدخل وتدعم الحلفاء او تتركهم ولكن لم تعد هناك نفس الرغبة في تشكيل شرق اوسط جديد كما كانت في سنة 2011 مع المحافظين الجدد ..