الانسحاب الأمريكي من سوريا: بين تراجع الخيارات العسكرية وبداية التسوية السياسية

«لقد انتصرنا على تنظيم داعش في سوريا، وهذا كان سبب وجودنا هناك خلال فترة رئاستي «..

بتلك الكلمات لخص الرئيس الامريكي دونالد ترامب قرابة ثماني سنوات من الاستراتيجية الامريكية في سوريا معلنا عن انسحاب قواته من هذا البلد ..دون أن يردد أيا من المواقف الامريكية السابقة تجاه دمشق او يذكر ان سبب التدخل كان بتعلة اسقاط النظام بعد الانتفاضة الشعبية...بل شدد على ان التدخل كان من اجل القضاء على الارهاب ..
اليوم وفي خضم المتغيرات الحاصلة على الساحة السورية ، فان الاولويات الامريكية تتغير ايضا لتتلاءم مع المستجدات الحاصلة ..فبعد كل هذه السنوات لا يزال النظام السوري صامدا واستطاع ان يعيد سيطرته على عديد المناطق التي سبق ان سيطرت عليها القوات المعارضة وكذلك الجماعات الارهابية مثل داعش واخواتها ...ولم يبق امام الرئيس دونالد ترامب سوى الرضوخ لقواعد اللعبة السياسية والأمر الواقع في هذا البلد والتحضير للمرحلة القادمة بما في ذلك التسوية السياسية ...فما هي دلالات هذا الانسحاب الامريكي وانعكاساته ؟

صراع اقليمي ودولي
المعلوم ان سوريا تحولت طوال الاعوام الماضية الى ساحة للصراعات الاقليمية والدولية، وانعكس ذلك جليا في اقامة القواعد العسكرية سواء الامريكية او الروسية ..عدا عن التواجد الايراني وكذلك مشاركة بعض مقاتلي حزب الله.. وفي ما يتعلق بالقواعد الامريكية فانها – بحسب التقارير المختصة- تتوزع على اكثر من 25 بالمئة من مساحة الاراضي السورية وتنتشر بشكل خاص في المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية ..في المنطقة الممتدة من شرق نهر الفرات ، إلى الشمال الشرقيّ بالقرب من حقول رميلان النفطيّة. ومن بين اهم القواعد الامريكية مطار روميلان اضافة الى قاعة الشدادي بين محافظتي الحسكة ودير الزور ..كذلك تتواجد قاعدة امريكية في حقل «العمر» النفطي في ريف دير الزور والتنف الحدودية.. ويلاحظ ان هذه القواعد تتمركز بشكل اساسي حول مناطق النفط والغاز السوري..

في عام 2014 قادت الولايات المتحدة التحالف الغربي ضد ما تسميه داعش الارهابي في العراق وسوريا ..وباتت حليفا اساسيا لقوات سوريا الديمقراطية الكردية ووفرت لها غطاء امنيا وعسكريا، الامر الذي مكنها من السيطرة على عديد المناطق الكردية في الشمال السوري ..وقد قامت واشنطن بعديد الضربات الصاروخية لمواقع عسكرية سورية منها الهجوم على قاعدة الشعيرات الجوية في أفريل من العام الماضي .. ولكن بالرغم من ذلك فان الجيش السوري استطاع ان يخلط المعادلات لصالحه واسترجع الاراضي التي تسيطر عليها المجموعات المقاتلة سواء الارهابية او غيرها ..بدعم روسي وايراني .

اية تداعيات
لقد اثار الاعلان الامريكي بالانسحاب ردود فعل عديدة داخليا وخارجيا ، ولعل ابرزها الموقف الفرنسي الذي جاء على لسان الوزيرة الفرنسية للشؤون الأوروبية ناتالي لوازو امس واكدت خلاله التزام فرنسا العسكري في سوريا إثر إعلان الرئيس الأمريكي سحب قوات بلاده من سوريا. وردت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي على قرار ترامب بأن تنظيم «داعش الارهابي» بات أكثر ضعفا لكن يبقى من الضروري مواجهة «الجيوب الأخيرة» وتحقيق هزيمة عسكرية حاسمة. فيما اعتبرت وزارة الخارجية البريطانية أن تنظيم «داعش» لم يُهزم بعد في سوريا خلافا لما قاله ترامب.

ويقول المحلل والكاتب اللبناني قاسم قصير ان الانسحاب الأمريكي كان مقررا منذ فترة لكن تم تأجيله بسبب طلب بعض دول الخليج ولا سيما السعودية وبعدما تم دفع أموال لتغطية المصاريف واليوم وفي ظل الضغوط التي يتعرض لها ترامب والسعودية بعد اغتيال خاشقجي وبعد قرار تركيا بشن هجوم على مناطق الأكراد قرر ترامب تنفيذ القرار لخلط الأوراق وقد يكون جزءا من تفاهم مع الروس. ويستطرد محدثنا ان ذلك يعني أننا دخلنا مرحلة جديدة في المنطقة بعد وقف حرب اليمن وترتيب الأمور في العراق ولبنان وقد يكون الانسحاب تمهيدا لعمل عسكري ما ضد إيران وهذا احتمال غير قوي على حد قوله».

اننا اليوم ازاء مرحلة جديدة لترتيب الأوضاع في سوريا تمهيدا للتسوية السياسية، والمنتصر الاكبر فيها هو الرئيس السوري بشار الاسد ..وقد جاءت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير وكذلك اعلان الرئيس العراقي عن زيارة قريبة لدمشق ايضا ، لتؤشر الى انطلاق موسم «الحج السياسي» الى سوريا ، وعودة هذا البلد الى الحاضنة العربية بعد تجميد عضويته في جامعة الدول العربية طوال فترة الازمة الماضية احتجاجا على تعامل السلطات السورية آنذاك مع الاحتجاجات الشعبية...
فما يحصل اليوم على الساحة السورية ستكون له تداعيات كبيرة على المنطقة وحروبها المشتعلة دون توقف منذ سنوات...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115