الكاتب والمحلّل السياسي المختص في الشؤون الأوروبية جاسم البديوي لـ«المغرب»: «بريطانيا تواجه اليوم مستقبلا غامضا قد يطيح باستقرارها النسبي»

• «تميمة الدب الروسي أبطلت السحر الأمريكي في العالم وجعلته يبدو هزيلا»

قال الكاتب والمُحلّل السياسي المختص في الشؤون الأوروبية جاسم البديوي لـ«المغرب» أنّ المتغيرات التي تشهدها عدة دول اوروبية خلال هذه الاونة تنبئ بدخول القارة العجوز مرحلة جديدة قد تقوض استقرار دولها. وأضاف البديوي ان مايعانيه الغرب من توتر داخلي هو نتيجة للمتغيرات التي فرضتها عواقب الفوضى من حالات ما بعد الربيع العربي.

• كيف ترون تداعيات التغيرات الداخلية في أوروبا على المشهد في الشرق الاوسط ؟
يبدو جليا ان الغرب عموما يعاني من توتر داخلي نتيجة المتغيرات التي فرضتها عواقب الفوضى من حالات ما بعد الربيع العربي، الشرارة التي بدأت من الشرق الأوسط لترتد على العالم بأسره، تأثرت أوروبا بشكل أقوى نتيجة للعامل الديمغرافي المباشر والهجرة الهائلة من الباحثين عن ملاذات آمنة في مدن الديمقراطية والرخاء الاقتصادي التي لم تعد قوانينها ولا اقتصادياتها تتحمل هذا الاستنزاف الحرج الذي بات يهدد هوية القارة العجوز ومقدراتها في تنظيم العالم.
لقد قوضت الفوضى القادمة من الشرق امال أوروبا التي كانت في طريقها للتوحد ومجابهة تحديات الاستقطابات العالمية وبدأت تعيش ضغطا وإحراجا بين مبادئها كقائدة لحقوق الانسان والحريات وواقعها الذي يحمل عودة شبح التعصب الديني والعرقي المتشكل بهيئة احزاب يمينية متطرفة تنظر الى الوافدين الجدد على انهم تهديد لروح المدنية الغربية.
اتضح ذلك بعد وصول ظاهرة ترامب الى البيت الأبيض وقيادة العالم ساحبا خلفه غمام العصور الوسطى وتراجع دعوات التنوير وحلم المساواة التي تفاءل اليسار كثيرا وربما استعجل كثيرا في نثر بذورها على الارض.لنقل ان التغيير بدأ من تونس، وهذه ليست مبالغة انما هو رصد لشرارة التغيير الذي كان العالم بصددها.

• إذن من برأيكم المستفيد من كل هذه التطوّرات ؟
هذه الأحداث افادت دولا وأضعفت اخرى المستفيد الأقوى من المشهد هي روسيا التي تواجه اليوم اتهام اللعب بخيوط مجريات الأحداث بحسب معتنقي نظرية المؤامرة، روسيا التي نجحت بزراعة ترامب في معقل النظام الرأسمالي، وتخطط لإدارة اللعبة في أوروبا بدت كما يبدو المنتصر الوحيد في فوضى الشرق الأوسط عبر امتلاكها لكلمة السر في الضغط والمناورة والسيطرة اذ أبطلت تميمة الدب الروسي السحر الامريكي وجعلته يبدو هزيلا في الساحة اليوم.وبذلك أكون قد أجبت عن سؤال التأثير على الشرق الأوسط فيما لو تغيرت أوروبا بالقول ان التأثير قد تم بأثر رجعي واليوم الشرق الأوسط منطقة نفوذ روسي، اكثر مما هو أمريكي لأسباب كثيرة لا مجال لطرحها هنا.

• كيف تفسرون ماتعيشه بريطانيا من جدل حول البريكست وأيضا التطورات في المانيا في وقت تعيش فيه أنجيلا ميركل آخر فتراتها في صدارة المشهد الألماني؟
بريطانيا هي قطعة الدومينو الاولى بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي وتداعياته، وهي تواجه اليوم مستقبلا غامضا قد يطيح باستقرارها النسبي، مالم تصل الى ما ينقذ البلاد وانعكاسات محاولات سحب الثقة من رئيسة الوزراء ما هي إلا إنذار اخير قبل دخول البلاد في الفوضى التي تبدو فرنسا ماكرون قد سبقتها قليلا مالم يتم إقرار إصلاحات حقيقية وجوهرية في بنية النظام الاقتصادي والسياسي ، اما ألمانيا المرأة الحديدية فقد بدت تؤجل حل المشكلات للجيل القادم التي ارتأت المستشارة ان تسلمه الأمانة تدريجيا من خلال انسحابها من دفة قيادة الحزب الحاكم بعد 18 سنة من الضرب بالحديد. ولكن كلمة السر في أوروبا وأمريكا تبدو واحدة الخوف على روح الغرب المهدد من المساجد ومطاعم الحلال والحجاب، الذي أعاد احياء حماسة اليمين المتطرف وآماله في مسك زمام الامور كما حدث في امريكا والبرازيل وما كان قد يحدث في فرنسا وألمانيا .

• هل ستشهد القارة الاوربية تغيرات سياسية بعد ما حصل في فرنسا من اضطرابات ؟
بغض النظر عمّا يحدث في بريطانيا وألمانيا الا ان ما يحدث في فرنسا مثير للاهتمام حقا لما تحمله من رمزية تاريخية للثورة والحرية، ولتشابك الخيوط واشتباكها ، لكن المراقب الصبور سيجد ان ما يحدث قد لا يكون لتأثير واشنطن او موسكو للوهلة الأولى رغم ان الطرفين سعداء بما يجري في باريس فيما يبدو، ولا قوة اليسار ولا تصعيد اليمين أيضا رغم ان السترات الصفراء جمعت الفريقين أيضا، بل ان ما يجري يحمل انذارا يضع أوروبا على اعتاب مرحلة جديدة قد لا تعجب اصحاب ‘’الزايتجايست».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115