و المعتقلين و ملايين اليورو من الخسائر في العاصمة باريس و في عدد من المدن الفرنسية، خرج الرئيس امانويل ماكرون من صمته الذي سكن إليه طوال المواجهات العنيفة و قرر عددا من الإجراءات بعضها فاجأ الرأي العام الفرنسي.
كما هو متوقع، ندد الرئيس ماكرون بمجموعات المخربين معلنا أنه يفرق بينهم و بين المحتجين السلميين و متوعدا المخربين بالردع و الملاحقة. و بعد أن اعترف بالأخطاء التي قام بها شخصيا أكد أن «شرعيته» الرئاسية يستمدها لا من حزب أو من مجموعة أو من توجه بل من الشعب وأنه في خدمته، عازم على تلبية رغباته والعمل من أجل فرنسا.
قرارات جديدة
بعد أن أعلن الوزير الأول إدوار فيليب عن حزمة من الإجراءات الأسبوع الماضي أهمها التخلي عن الضريبة على المحروقات و الضرائب المبرمجة لشهر جانفي القادم، أعلن الرئيس ماكرون على حزمة جديدة تمثلت في زيادة في الأجر الأدنى ب مائة يورو شهريا خالية من الضرائب و حذف الزيادات في الضريبة العامة المتعلقة بالمتقاعدين و كذلك حذف الضريبة على الساعات الإضافية.
من ناحية أخرى، طالب الرئيس ماكرون رجال الأعمال و أصحاب المؤسسات الاقتصادية بتقديم «منحة آخر السنة» لمن يقدر على ذلك على أن تمنح بدون ضريبة. و قال «نريد فرنسا أين يمكن أن يشتغل الواحد و يعيش بكرامة، و في هذا الاتجاه تحركنا ببطء». و قرر أن تصرف الزيادات بداية من شهر جانفي القادم عوضا عن المواعيد التي كانت الحكومة قررتها للسنوات القادمة.
الجانب السياسي للخطاب قدم مقترحا طموحا يتعلق بإعادة النظر في «النموذج الفرنسي» أو كما عبر عنه ماكرون «العقد الإجتماعي». وقرر أن تفتح استشارة عريضة على المستوى الوطني مع الأحزاب والنقابات و الجمعيات و المواطنين ، وعلى المستوى المحلي مع فعاليات المجتمع تحت إشراف العمد في كل المدن و القرى الفرنسية. و بعد هذه الاستشارة، يطمح ماكرون إلى إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد يضبط المسائل التي طرحها الحراك و التي شقت المجتمع و هددت وحدته.
انشقاق في صلب «السترات الصفر»
قوبل خطاب الرئيس الفرنسي بتحفظ عميق لدى فئات عريضة من «السترات الصفر» و بعض الاستحسان الحذر من قبل البعض الآخر. و لم يكن في استطاعة ماكرون تلبية كل الرغبات التي تقدم بها الحراك على اختلاف مواضيعها. وكانت مسألة تقبل الخطاب حاسمة في إمكانية تهدئة الوضع من عدمه. وحرص الرئيس ماكرون قبل إلقاء كلمته يوم الاثنين على الاجتماع بمختلف المسؤولين على رأس مؤسسات الدولة و الأحزاب والمجتمع المدني.
لكن التصريحات الأولى في مختلف وسائل الإعلام أظهرت عزم أغلبية «السترات الصفر» على مواصلة الحراك. سبب ذلك تمسك ماكرون بتوجهاته الاقتصادية الرامية إلى إدخال إصلاحات عميقة اعتبرها الحراك لفائدة الأغنياء. من ذلك عدم إرجاع الضريبة على الأغنياء وفرض ضرائب جديدة على الشركات التي تلوث المحيط، و تقصيره في إعادة النظر في عدم مساواة النظام الضريبي.
الفصل الخامس من التمرد
على المستوى السياسي ، أجمعت التنظيمات السياسية المعارضة على رفض مقترحات الرئيس ماكرون واعتبارها «خارجة عن الموضوع»، «منفصلة» عن الواقع، أو نابعة من «رئيس الأغنياء». و أطلق جون لوك ميلونشون، زعيم حزب فرنسا الأبية الراديكالي، نداء لمواصلة الحراك الشعبي، و ذلك بالرغم من الخراب الحاصل في البلاد و مخاطر دخولها في حراك ثوري، ضاربا بذلك عرض الحائط وضعه كنائب في البرلمان و مسؤول وطني. لكن حزبه و حزب مارين لوبان المتطرف واكبا الحراك و أرادا من الوهلة الأولى استغلاله سياسيا لفائدتهما.
تواصل الحراك يحتم على السلطات اتخاذ إجراءات أكثر صرامة من الأسبوع الماضي. و هذا ما لمح له الرئيس ماكرون في خطابه. أما باقي الأحزاب الديمقراطية فهي تتخبط في انقساماتها و لا يعرف إن كانت تقبل بإدخال البلاد في المجهول خاصة أن آخر استطلاع للرأي، نظم خلال الأحداث الأخيرة، أشار إلى تصدر حركة إلى الأمام برئاسة ماكرون المشهد السياسي (21%) بعيدا أمام التجمع الوطني (14 %). أما حزب ميلونشون فلم يحصل إلا على 9%. أرقام لا يعرف بعد إن هي تعبر حقيقة عن وضع أغلبية الشعب.