انتفاضة باريس ... التحدّي الأصعب أمام ماكرون

حرب عصابات في قلب باريس... عشرات المصابين ومئات الموقوفين ...هي مشاهد تختزل اعنف نهاية اسبوع شهدتها فرنسا في

خضم مظاهرات السترات الصفراء المتواصلة منذ اسبوعين والتي يمكن اعتبارها اسوأ ازمة سياسية تهدد الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون منذ انتخابه ... وسرعان ما انتقلت عدوى الاحتجاجات الى هولندا حيث سارعت قوى الامن الى فض احتجاجات في لاهاي لمحتجين لبسوا السترات الصفراء ...
وتكونت مجموعة السترات الصفراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا فيسبوك ورفض المنظمون اللحاق بركب أي حزب سياسي او توظيف احتجاجاتهم وحركتهم العفوية ايضا من قبل النقابات العمالية في تأكيد على « شعبية الاحتجاجات» وعدم تسييسها من قبل أي فصيل سياسي لمصالحه الخاصة ...
وبين مقولة «نهاية العالم» التي رد بها ماكرون على المتظاهرين و«نهاية الراتب» التي رفعها المحتجون احتجاجا على سوء الاوضاع المعيشية بعد فرض ضرائب جديدة على المحروقات والوقود ، تكمن المعضلة الأساسية امام الحكومة الفرنسية ومحاولتها البحث عن حلول بين مطالب المتظاهرين ومتطلبات الظرف المناخي الذي يفرض التقليل من استخدام الوقود من اجل حماية البيئة وذلك امتثالا لاتفاق باريس للمناخ ....

وبغض النظر عن مشروعية مطالب المتظاهرين واحقيتها الا ان اعمال الحرق والعنف التي طغت على شوارع باريس تطرح تساؤلات عديدة حول من يدير كل هذه الفوضى الباريسية العشوائية؟
ويمثل هذا الحراك الذي انطلق في 17 نوفمبر الماضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، التحدي الأصعب الذي يواجهه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون منذ توليه رئاسة البلاد. اذ يبدو ان الازمة تسير نحو مزيد التعقيد خاصة بعد اعلان الناطق باسم الحكومة الفرنسية إن إدارة ماكرون تدرس فرض حالة الطوارئ. مضيفا أن الرئيس منفتح على الحوار لكنه لن يتراجع عن الإصلاحات السياسية.

ولعل ابرز ردود الافعال الداخلية على احتجاجات « السترات الصفراء» جاءت من جان لوك ميلينكون زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري المتطرف ومارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف اللذين طالبا بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة. وهو ما يؤشر الى محاولة المعارضة الفرنسية استغلال الحراك من اجل اعادة تركيب المشهد السياسي ومعادلات القوى في الساحة الفرنسية . ويرى الباحث في العلاقات الدولية موديبو دانيون في حديثه لـ «المغرب» ان الاحتجاجات في فرنسا أو الثورة كانت متوقعة وهي تقوم على أسس مطالب اقتصادية واجتماعية وتنتظر حلولا جذرية وليست مسكنات». واضاف :»لو تمادت السلطات الفرنسية في مواجهة الانتفاضة لكانت النتيجة سفك دماء بل حربا أهلية تقسم المجتمع الفرنسي إلى بورجوازية الأثرياء ورجال الأعمال التي ظهر أن ماكرون يدافع عنها وطبقة أخرى طال صمتها في فرنسا وتتكون من العمال وجلهم مهاجرون.». واضاف :«لئن كان فوز ماكرون في الانتخابات الرئاسية دليلا على تجاوز الأحزاب التقليدية والساسة الكلاسيكيين فإن استقالته إثر احتجاجات السترات الصفر تواصل لهذا المسار الذي يريد التخلص من التبعية الأمريكية ومعها دعاة العولمة والليبرالية .. الأمر هنا لا يقتصر على فرنسا وإنما سيعّم اوروبا ويدخل العالم في تصور يلغي الاحادية ويدعو إلى التعددية في النماذج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»..

وتذكر احتجاجات السترات الصفراء مجددا بالدور الذي باتت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في المشهد السياسي سواء في فرنسا او غيرها من الدول ، وقبلها ايضا مع الانتفاضات التي شهدتها المنطقة العربية -بغض النظر عن مسبباتها واختلاف ظروفها السياسية والتاريخية والمكانية ونتائجها- الا ان الاكيد ان صفحات التواصل الاجتماعي لعبت دورا بارزا ايضا في حشد المتظاهرين في تونس ومصر وليبيا وغيرها ..فقد باتت هذه الوسائل ادوات ووسائل للحشد الجماهيري ازاء قضايا هامة تهم الشأن العام والمواطنين ..كما باتت ايضا من اهم مصادر صناعة الرأي العام المحلي والعالمي ، ولا يمكن لأحد من الساسة او الزعماء والحكام ، ان يبقوا بمنأى عن صوت الشعوب الذي يصل الى كل مكان مع ثورة التكنولوجيا والمعلومات ...

وتبدو الآن انظار العالم متجهة الى باريس وما ستحمله الايام القادمة من غضب المحتجين على سياسات ماكرون الاصلاحية ومن سينتصر ؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115