المحلل السياسي اللبناني حمزة الخنسا لـ«المغرب»: «موجة الضغوطات التي تتعرض لها العائلة الحاكمة تدفع محمد بن سلمان أكثر باتجاه العدو الإسرائيلي»

•«قد نجد الأنظمة الرسمية العربية التي تدور في فلك النظام السعودي، داخل مرحلة جديدة من التطبيع العلني مع «إسرائيل»


قال الكاتب والمحلل السياسي اللبناني حمزة الخنسا في حوار لـ«المغرب» أنّ الموقف الأمريكي المتذبذب من قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي يؤكّد ان دونالد ترامب يريد الحفاظ على العلاقات مع السعودية من أجل المصالح الأمريكية والإسرائيلية .
وأكد الخنسا أنّ تركيا، كنظام محكوم من قبل حزب يحمل خلفية إسلامية مناقضة للخلفية الدينية الخاصة بالنظام السعودي، تأمل في استثمار قضية خاشقجي أولاً لهزّ صورة «السعودية راعية المسلمين في العالم»، وثانياً لتقديم نفسها كنموذج إسلامي حداثوي منفتح.

• اولا لو تقدمون لنا قراءة في مآلات هذه القضية بعد الاعتراف السعودي؟
أتى تفاعل قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي من خارج توقعات أصحاب القرار في السعودية. أولاً من حيث الاهتمام التركي اللافت بالقضية وتلقّفها من أعلى الهرم واستثمارها في الملفات الكثيرة المفتوحة في المنطقة والتي للسعودية وتركيا بصمات مؤثرة فيها.
وجاءت سياسة التسريبات التركية الذكية، لتضع أركان الحكم السعودية في موقف اضطرهم إلى تغيير روايتهم مراراً وصولاً إلى الإقرار التام بالمسؤولية عن كل الاتهامات والوقائع التي أوردتها أجهزة الاستخبارات التركية عبر مواقع وصحف محلية وعربية وعالمية.

• ماتعليقكم على الموقف الأمريكي المتذبذب وآخره تصريحات ترامب يوم أمس ؟
اليوم، السعودية تجد نفسها في وسط أزمة حقيقة، يزيد من تعقيداتها وحراجتها الضغط الذي يتعرّض له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الداخل الأمريكي، وعبر وسائل إعلامية كبرى، على رأسها «واشنطن بوست» التي كان خاشقجي يكتب فيها.
الضغط الذي يتعرّض له ترامب على خلفية محاولته حماية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، دفعه هو الآخر إلى التدرّج في موقفه من القضية، من إعلان تصديقه للرواية الرسمية السعودية وصولاً إلى إبداء اعتقاده بأن محمد بن سلمان قد يكون على علم بها.
الموقف الأمريكي من قضية خاشقجي، اولاً، ومن النّظام السّعودي بشكل عام ثانياً، هو محلّ تجاذب بين تيارين داخل الولايات المتحدة الأمريكية. فالبيت الأبيض الذي يترأسّه ترامب، يميل إلى حماية ابن سلمان، لما تربطه من علاقات اقتصادية وصفقات مليارية ترفد الخزينة الأمريكية، وهو الأمر الذي لم يتوانَ ترامب عن ذكره في كل مرة يأتي فيها على إعلان موقف معين من قضية خاشقجي.

التيار الثاني المتمثل بعدد كبير من أعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إضافة إلى أعضاء آخرين في الإدارة الأمريكية، ومسؤولين كبار سابقين، ووسائل إعلامية مؤثرة، وحتى جهات في وزارة الخارجية الأمريكية، كلهم يرون أنّ ترامب قد حوّل البيت الأبيض إلى «مكتب علاقات عامة» في خدمة ولي العهد السعودي طمعاً في أمواله. ويعتقدون ايضاً أن واشنطن تبالغ في الحديث عن أهميّة وتأثير النظام السعودي بالنسبة للاقتصاد الأمريكي من جهة وبالنسبة لقضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية ومواجهة إيران من جهة ثانية. يتحدث هؤلاء عن «القيَم الأمريكية» في معرض انتقاد ترامب على حمايته لمحمد ابن سلمان.
وعليه، كان لافتاً في موقف ترامب الأخير بالأمس، أنه يريد الحفاظ على العلاقات مع السعودية من أجل المصالح الأمريكية والإسرائيلية، قائلاً إنّ علاقة واشنطن هي مع المملكة العربية السعودية في النهاية. وهو بهذين الموقفين يكون قد وضع هامشاً أعلاه المصالح الأمريكية الإسرائيلية، وأدناه محمد ابن سلمان من خلال تأكيده أن العلاقة التاريخية لأمريكا هي مع السعودية، وليست مع أشخاص داخل السعودية، وهذا بحد ذاته يُمكن أن يُعتبر باباً موارباً يصلح للاستخدام في المرحلة المقبلة كموقف ضغط على ابن سلمان.

بالنهاية، ترامب يريد الخروج من هذه القضية بأرباح وليس بـ«أقل الخسائر» كما يتم الترويج. فالموجة العارمة من الضغوطات التي تتعرض لها العائلة الحاكمة في الرياض على خلفية قضية خاشقجي، في الظاهر، هي في الخلفية حملة ضغط كبير تدفع محمد بن سلمان أكثر باتجاه العدو الإسرائيلي. وبالتالي، فإننا قد نجد الأنظمة الرسمية العربية التي تدور في فلك النظام السعودي، داخل مرحلة جديدة من التطبيع العلني مع «إسرائيل» وفتح مرحلة «السلام العربي - الإسرائيلي» من بوابة «المبادرة العربية للسلام» التي أقرّت في قمة بيروت في العام 2002، على أن يتوجها ابن سلمان بوصفه «رجل السلام».

• وكيف ترون التوجّه التركي نحو تدويل التحقيق هل هو محاولة ضغط من انقرة على الرياض ؟
في ما يخص تركيا، فهي تتّجه في مسار تصعيدي إلى حد الآن، ولا يبدو انها في وارد إدخال قضية خاشقجي في بازار الأخذ والردّ السعودي، رغم العروض السعودية الوفيرة التي قُدّمت لها إلى اليوم.
في خلفية التفكير التركي عدة أمور تتعلّق بالدور الاستراتيجي لها في المنطقة، كما تتعلّق بملفات كثيرة عالقة منها مع الولايات المتحدة وأخرى مع روسيا وأخرى مع الاتحاد الأوروبي.
إلا أنّ تركيا، كنظام محكوم من قبل حزب يحمل خلفية إسلامية مناقضة للخلفية الدينية الخاصة بالنظام السعودي، تأمل في استثمار قضية خاشقجي أولاً لهزّ صورة «السعودية راعية المسلمين في العالم»، وثانياً لتقديم نفسها كنموذج إسلامي حداثوي منفتح. وبين الأولى والثانية، لا تجد أنقرة مانعاً من دخول لعبة هزّ النظام السعودي من الداخل، عبر الإضاءة المقوية على ابن سلمان بوصفه مذنباً اولاً في قضية قتل خاشقجي في القنصيلة السعودية في إسطنبول.

• هناك قراءات تقول ان السعودية ماقبل مقتل خاشقجي ليست نفسها مابعد الجريمة ، كيف اثر مقتله على البلاط السعودي داخليا وأيضا على صورة المملكة الخارجية ؟
على المستوى الداخلي، لعبت قضية خاشقجي والضغوطات الهائلة المصاحبة لها، دورا محفّزاً لعدد كبير من أعضاء العائلة السعودية المالكة الذين كانوا يتحيّنون الفرص للتعبير عن رفضهم لحكم ابن سلمان بادئ ذي بدء، وللمسار الفوضوي الذي وظّف على سكته المملكة تالياً. وبالتالي، فإنّ ما يحكى عن حركات ومحاولة بلورة خيارات أخرى وطرح أسماء بديلة عن ابن سلمان، لم يكن ليأخذ مكانه في المشهد العام لولا وصول الأوضاع داخلياً إلى مستويات غير مسبوقة من التوتر. هذا، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتأزّمة التي قد تدفع بقطاعات واسعة في المجتمع السعودي إلى دعم أي توجّه مغاير لولي العهد، في توقيته المناسب.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115