وما تاريخ العالم إلا سيرة القادة العظماء: عرفات في ذكراه الرابعة عشرة

في كل لحظة وكل يوم، في كل مناسبة واحتفال، في كل كلمة وخطاب، أكد الشهيد الرئيس ياسر عرفات (ابو عمار)

على قدسية وعروبة مدينة القدس وعودتها إلى أحضان الشعب الفلسطيني... فقال فيها الكثير معبرا عن حلمه فيها وشوقه إليها...قال الرمز في كلمة وجهها لاجتماع عقده المجلس الوطني الفلسطيني في مقره بنابلس في 16 سبتمبر 2003 ردا على القرار الإسرائيلي القاضي بإبعاده والدعوات المطالبة بتصفيته: «إن حياتي ليست هي القضية، بل حياة الوطن والقدس مسرى الرسول ومهد المسيح...هذه هي القضية الكبرى، التي قدم الشعب الفلسطيني من أجلها التضحيات، من أجل عودة الأرض والمقدسات».
وبأعلى صوته قال الشهيد: «لا تهتفوا لي بلا اهتفوا لفلسطين والقدس.. بالروح بالدم نفديك يا فلسطين ... على القدس رايحين شهداء بالملايين».

سيرة نضال
ولد «محمد ياسر» عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني في القدس يوم الرابع من اوت 1929، وبعد وفاة والدته السيدة زهوة في العام 1933 ترك منزل الأسرة في القاهرة متوجها إلى القدس حيث أقام فيها مع خاله سليم أبو السعود حتى العام 1937 حين عاد إلى القاهرة، توجه إلى فلسطين في ربيع 1948 حيث قاتل ضد العصابات الصهيونية بجنوب فلسطين، ثم انضم إلى «جيش الجهاد المقدس» الذي أسسه عبد القادر الحسيني وعين ضابط استخبارات فيه، التحق في العام 1949 بكلية الهندسة في جامعة فؤاد الأول بالقاهرة، وأسس مع عدد من الطلاب الفلسطينيين «رابطة الطلاب الفلسطينيين» في العام 1950، وانتخب رئيسا لها، كما انتخب رئيسا لرابطة طلاب جامعة القاهرة في العام 1952 وبقي محتفظا بالمنصب حتى نهاية دراسته في العام 1955.

أسس مع عدد من الفلسطينيين ومنهم خليل الوزير «أبوجهاد» حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» في الكويت في أواخر العام 1957، وأصدر مع «أبو جهاد» صحيفة شهرية هي «فلسطيننا- نداء الحياة» في 1959، وأسس مع « أبو جهاد» أول مكتب لـ «فتح» في العام 1963، ثم أسس المكتب الثاني للحركة في العام التالي 1964 في دمشق. وشارك في المؤتمر التأسيسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس في العام 1964 كممثل عن الفلسطينيين في الكويت.

اعتقل في سوريا أثناء قيامه بنقل أصابع ديناميت من لبنان إلى الأردن في 1964. وأطلق مع رفاق دربه في «فتح» الكفاح المسلح مساء يوم 31 ديسمبر 1964 في العملية العسكرية الأولى «عملية نفق عيلبون» التي كانت بمثابة الانطلاقة الرسمية لحركة «فتح» في الفاتح من جانفي عام 1965م. دخل إلى الأرض المحتلة في جويلية 1967 بعد شهر على سقوطها تحت الاحتلال عبر نهر الأردن للإشراف على سير عمليات الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. قاد قوات الثورة الفلسطينية في تصديها للقوات الإسرائيلية في معركة الكرامة في الأردن في 21 مارس 1968 ونجا خلالها من محاولة إسرائيلية لاغتياله. عينته «فتح» يوم 14 افريل 1968 متحدثا رسميا باسم الحركة، وفي بداية شهر اوت من نفس السنة عينته ناطقا وقائدا عاما للقوات المسلحة لحركة «فتح» ..المسماة «العاصفة». انتخب في الـمجلس الوطني الفلسطيني الخامس (فيفري 1969) رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وكان يتم تجديد انتخابه للمنصب في دورات المجلس حتى استشهاده. اختارته مجلة «تايم» الأمريكية في نهاية 1969 «رجل العام» وتكرر ذلك في سنوات لاحقة. شارك في القمة العربية الخامسة في الرباط « ديسمبر 1969»، وبعد أن تكرّست مكانته في زعامة الفلسطينيين، ولأول مرة وضع مقعد رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الصف الأول على قدم المساواة مع رؤساء وملوك الدول العربية الأخرى، ومنحت المنظمة حق التصويت في القمة.

نجا من الموت قصفا أكثر من مرة خلال أحداث سبتمبر 1970 في الأردن. انتقل إلى لبنان مع انتهاء الوجود الفلسطيني المسلح في الأردن في جويلية 1971، وشارك بصفته رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة في مؤتمر القمة الرابع لحركة عدم الانحياز في 1973 في الجزائر، حيث قرر المؤتمر الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا وحيدا للشعب الفلسطيني وانتخب عرفات نائبا دائما للرئيس في حركة عدم الانحياز، وشارك في مؤتمر القمة الإسلامي في لاهور بباكستان في فيفري 1974 والذي أعلن أنّ منظمة التّحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وانتخب عرفات نائبا دائما للرئيس الدوري لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وكرس مكانة المنظمة عربيا في القمة العربية السادسة في الرباط في 28 أكتوبر 1974 التي جددت التأكيد على أن منظمة التحرير»ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني». توج النجاحات السياسية للثورة الفلسطينية يوم 13 نوفمبر 1974 حين ألقى خطابا تاريخيا أمام الجمعية العامة للأمم المتّحدة، وقال عبارته الشهيرة في ختام الخطاب «جئت حاملا غصن الزيتون في يد، وفي الأخرى بندقية الثائر، فلا تسقطوا غصن الزيتون من يدي».

قاد معارك الدفاع عن الثورة الفلسطينية بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975 متحالفا مع القوى الوطنية والتقدمية في لبنان. حاول الإسرائيليون اغتياله في جويلية 1981 حين قصفوا البناية التي تضم مقر قيادته في الفاكهاني ببيروت ودمروها كليا ليدفنوا تحت أنقاضها أكثر من مئة شهيد. قاد قوات الثورة الفلسطينية في معركة الصمود ببيروت 1982 وخلالها نجا من عدة محاولات لاغتياله. .انتخبه المجلس المركزي الفلسطيني رئيسا لدولة فلسطين في 30/ 4/ 1989. تزوج من سهى الطويل يوم 17/ 7/ 1990 في تونس. ونجا من موت محقق عندما سقطت طائرته وتحطمت في الصحراء الليبية أثناء رحلة انطلقت من الخرطوم في 7/ 4/ 1992.

حضر مراسم توقيع «اتفاقية أوسلو» بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية في 13/ 9/ 1993 في البيت الأبيض بواشنطن. انتخبه المجلس المركزي الفلسطيني يوم 12/ 10/ 1993 رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية. وحصل بالاشتراك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين ووزير خارجيته شمعون بيريس على جائزة نوبل للسلام في العام (1994) وفي نفس العام حصل أيضا على جائزة هوفوات ـ بوانيي للسلام وجائزة صندوق ريغان للسلام، وجائزة الأمير استورياس»ولي العرش الاسباني»، وحصل على عدة جوائز أخرى وأوسمة وشهادات دكتوراة فخرية من دول وجامعات خلال مراحل قيادته للشعب الفلسطيني.

وقع مع اسحق رابين «اتفاقية القاهرة» لتبدأ مرحلة نقل الأراضي المحتلة «غزةـ أريحا أولا» إلى السلطة الفلسطينية.عاد إلى أرض الوطن في 1جويلية 1994 لأول مرة بعد 27 سنة من الغياب القسري بزيارة «استهلالية» لغزة وأريحا قبل عودته النهائية للاستقرار في الوطن يوم 12/ 7/ 1994 حين وصل إلى غزة ليبدأمن مقره في»المنتدى» معركة بناء السلطة الوطنية وإقامة مؤسساتها.

رزق بابنته الوحيدة «زهوة» في 24جويلية 1995. انتُخب رئيسا للسلطة الفلسطينية بحصوله على 88.1 % من أصوات المشاركين في الانتخابات التي جرت لأول مرة في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية في 20/ 1/ 1996. شارك في مؤتمر القمة الثلاثية في كامب ديفيد بالولايات المتحدة في جويلية 2000 والتي انتهت بالفشل بعد رفضه لمحاولات فرض حلول إسرائيلية لقضايا الوضع النهائي، لتبدأ بعد ذلك الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الثانية إثر زيارة ارئيل شارون للحرم القدسي الشريف يوم 28 سبتمبر 2000.

تعرض لحملة منهجية أدارها شارون بدعم أمريكي في العام 2001 لإلصاق تهمة الإرهاب به شخصيا. منعته إسرائيل يوم 8 ديسمبر 2001 من مغادرة رام الله إلا بإذنها وبدأت فعليا مرحلة محاصرته في رام الله.

هاجم الجيش الإسرائيلي مقره بوحشية ولم تسلم غرفته من الرصاص، لم يصب بأذى لكن أحد حراسه استشهد وأصيب سبعة آخرون. وجد عرفات نفسه يوم 24/ 5/ 2002 أمام حرب صريحة من بوش عليه فقد طلب بوش في خطابه في ذلك اليوم تشكيل قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة .. ودعاإلى رحيل عرفات عن منصبه. تعرض مقره لهجوم جديد من قوات الاحتلال في19/ 9/ 2002 واحتل الجيش الإسرائيلي المقاطعة لمدة ستة أيام وقصف مبنى الرئيس بالمدفعية.

تعرض لحملة أمريكيةـ إسرائيلية لإقصائه عن السلطة وتحويله إلى رئيس بصلاحيات محدودة في أواخرالعام 2002. قررت الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة مبدئيا في اجتماعها يوم 13/ 9/ 2003 «إزالته» وأطلقت بعد ذلك جملة من التصريحات والتلميحات حول التخلص منه.. بقتله أو إبعاده أو سجنه وعزله.

منع من مغادرة الأراضي الفلسطينية للمشاركة في القمة العربية بتونس يوم 22/ 5/ 2004 فتحدث إليها في كلمة متلفزة. ظهرت أولى علامات التدهور الشديد على صحته يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2004 وأصيب بمرض في الجهاز الهضمي. تدهورت حالته الصحية تدهوراً سريعاً يوم الأربعاء 27 أكتوبر2004. ووافق بنفسه على قرّار الأطباء بنقله إلى فرنسا للعلاج، بعد تلقي تأكيدات أميركية وإسرائيلية بضمان حرّية عودته للوطن. أدخل إلى مستشفى بيرسي في كلامار قرب باريس في فرنسا في 29 أكتوبر 2004 وتزايد الحديث عن احتمال تعرضه للتسمم، ثم تدهورت صحته أكثر. ظل يصارع مرض موته إلى أن أسلم الروح لباريها في الساعة الرابعة والنصف من فجر الخميس الحادي عشر من نوفمبر 2004.
ودع الرئيس الفرنسي جاك شيراك جثمانه يوم 11/ 11/ 2004 أمام المستشفى ثم ودعته فرنسا بمراسم رسمية مهيبة. وأقلت طائرة حكومية فرنسية جثمانه الطاهر إلى القاهرة حيث أقيمت له في اليوم التالي جنازة عسكرية مهيبة بمشاركة وفود رسمية من 61 دولة وبحضور حشد من قادة الدول العربية والإسلامية والأجنبية. ونقلت مروحية عسكرية مصرية جثمانه في نفس اليوم 12/ 11/ 2004 إلى رام الله حيث كان مئات الالاف من المواطنين في انتظاره في رحلته الأخيرة..ووضع جثمانه في ضريح خاص في المقاطعة دفن فيه «مؤقتاً»، لأنه أوصى بدفنه في باحة الحرم القدسي الشريف، حيث سيتم نقل رفاته إليه بعد تحريره.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115