الكاتب والمحلل السياسي العراقي ثائر عبطان حسن لـ«المغرب» : السعودية قبل اغتيال خاشقجي هي غيرها بعد الاغتيال ، وسينعكس ذلك على كل علاقاتها ومحيط تأثيرها

قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي ثائر عبطان حسن في حوار لـ''المغرب'' أنّ قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي

سيكون لها تأثيرات ونتائج داخلية واقليمية ودولية على المدى القريب والبعيد . وأضاف ان حدوث تسويات على علاقة بهذه القضية سواء في اليمن او سوريا او غيرها من الملفات هو امر متوقع نظرا لموقع الضعف الذي توجد فيه المملكة العربية السعودية .

لو تقدمون لنا قراءتكم للمشهد السياسي الراهن في المنطقة العربية مابعد المتغيرات الاخيرة ومن بينها مقتل الصحفي جمال خاشقجي ؟

في ما يتعلق بالمشهد السياسي للمنطقة العربية وما تؤول اليه الأحداث بسبب اغتيال جمال خاشقجي ، لا بد من القول بأن ذلك يعتمد أساسا على ما ستقوم به أمريكا أولا وبريطانيا وألمانيا ثانيا من خطوات عقابية للمملكة العربية السعودية بعد اعترافها رسميا بقتل خاشقجي وبطريقة بشعة بما يشكّل انتهاكا صارخا للقيم الانسانية الغربية وحقوق الانسان كما تدعي هذه الدول ، وأولى هَذِهِ الخطوات هي وقف المبيعات العسكرية الهجومية الضخمة التي تقدمها هذه الدول لململكة السعودية ، ما يعني إضعاف قدراتها العسكرية في اليمن والذي بدوره سيدفع المملكة الى اللجوء للخيار السلمي في حل الازمة اليمنية ووقف استمرار الكارثة الانسانية التي وصلت حد الجحيم على حد تعبير المندوب الخاص للأمم المتحدة في اليمن
ومن جانب آخر ، اذا أرادت الولايات المتحدة حل الازمة السعودية - القطرية بما يخدم مصالحها ، فإن أزمة اغتيال خاشقجي مناسِبة جدا لها لوضع هذا البند في حزمة شروط واشنطن على المملكة العربية السعودية ، التي ستقبل ذلك بأي حال مقابل بقاء الحماية الامريكية لنظام المملكة الذي طالم لوّح بهِ ترامب في العديد من اللقاءات الإعلامية والجماهيرية الغرض منه المزيد من الابتزاز المالي للمملكة السعودية .

وفِي النهاية ، فأن السعودية قبل إغتيال خاشقجي هي غيرها بعد الاغتيال ، وسينعكس ذلك على كل علاقاتها ومحيط تأثيرها ، ولا سيما لبنان ، بعد تكشف عملية احتجاز رئيس وزرائها سعد الحريري الذي جاء بسبب حادثة الإغتيال التي تعرض لها خاشقجي، وكذلك في دورها في سوريا والعراق ، وربما يتعدى ذلك الى مطالبة بعض الدول الاسلامية الكبرى كتركيا وإيران بوضع إدارة الحج في مكة المكرمة تحت رعاية اممية إسلامية بسبب اهتزاز هيبة وسمعة المملكة العربية السعودية أثر اغتيال خاشقجي.

هل تتوقعون حدوث تسويات بين تركيا والسعودية على علاقة بهذه القضية ؟
وعن توقع حدوث تسويات بين تركيا والمملكة العربية السعودية ، فإن هذا أمر مُسلَّم به ، كون السياسة تعني اولا وأخيرا مساومات وتسويات بين الدول، وهذا جارٍ على مر التاريخ، لكن الامر هنا يختلف بعض الشيء، حيث تعثّرت التسويات التركية - السعودية لخروج المملكة بأقل الخسائر لأسباب عديدة ، أولها سوء إدارة الأزمة من قبل رجالات العائلة الحاكمة وأصحاب القرار في السعودية، وهو مؤشر على عدم كفاءتهم ومهنيتهم حيث تم تعيينهم فقط لقربهم وولائهم للملك والأمير ولي عهده ، وقد ظهر ذلك جليا في الروايات الركيكة وغير القابلة للتصديق التي زعمتها السعودية لتكذيبها بعد ذلك وتأتي بأسوأ منها بعد حين ما دفعها إلى الاعتراف بعملية الاغتيال البشعة وبصورة رسميّة ، ووضع العائلة المالكة بموقفٍ مُحرجٍ ومُذِل لم تتعرض لَهُ المملكة منذ تأسيسها .

من الأسباب الأخرى في تعثر التسوية التركية - السعودية هو الدور الأمريكي المتمثل بالرئيس ترامب الذي وقف موقف المتفرج عن بعد وهو يحسب الأموال التي ستتكدّس في خزائنه مع تصاعد الازمة وتفاقم محنة الملك سلمان وابنه الامير وبشكل تصاعدي، الى الحد الذي ربما سيدفع بالملك إلى تحرير صك على بياض لترامب مقابل إبعاد شبهة قتل خاشقجي عن الأمير محمد وعتق رقبته.

تركيا بدورها كانت لها شروطها الصعبة بنظر المملكة العربية السعودية في اجراء تسوية في قضية هزت عرش العالم ونزلت عليها كهدية من السماء في ظرفٍ حرج للغاية جعلها قبلة العالم في الأخبار والإعلام وهي تستعرض قيمها الانسانية الجديدة ، وقضاءها المستقل الرصين البعيد عن تدخلات الدولة والحكومة، ومدى تطورها في مجال التحريات و كشف الجريمة بإستعراض پوليسي امام شاشات العالم بلقطات لم تحلم بها يوما، عززت من مكانتها الإقليمية والدولية .

ماهي توقعاتكم للقمة المزمع عقدها في امريكا بين ترامب واردوغان وهل يمكن الحديث عن تقارب جديد بين انقرة وواشنطن عقب الافراج عن القس وأيضا على علاقة بقضية خاشقجي؟
عن العلاقات الامريكية - التركية ولقاء ترامب بأردوغان المُرتقب ، كل الدلائل والأحداث الإقليمية والدولية تشير الى عدم وجود إمكانية للتقارب بين البلدين ، فالاختلاف تعمق كثيرا الى حد اللا عودة بعد فشل التفاهم المشترك المتعلق بالوضع في سوريا ووحدات الحماية الكردية المدعومة أمريكيا والمحسوبة ارهابية من تركيا ،حد قيام القوات التركية بقصف هَذِهِ القوات قبل يومين رغم تحذيرات أمريكا المتكررة لتركيا ، وهذا تطور كبير وسابقة خطيرة في علاقات البلدين.

من جهة اخرى فأن تركيا ذهبت بعيدا عن أمريكا بتحديها للعقوبات المفروضة على ايران وأعلنتها على الملأ بإنها سوف تستمر في شراء النفط الإيراني ولن تلتزم بالعقوبات الامريكية حفظا لمصالحها القومية، ما دفع ترامب لوضعها على رأس قائمة الدول المستثناة من فرض العقوبات على ايران ، حفاظا على ماء الوجه ، ليس أكثر.
زد على ذلك ، الصفقة العسكرية التركية الروسية لشراء منظومة الدفاع الجوي اس اس 300 ، وهي حيّز التنفيذ، تعتبر نواة تحالف عسكري روسي بعيد الامد ، وهي خطوة ضربت في الصميم العلاقات الامريكية التركية ، وحادثة إطلاق سراح القس الامريكي لم تعنِ شيئا لتركيا وجاءت في لحظة خفت بريق أجوائها بتصاعد هالة أضواء قضية اغتيال خاشقجي التي سرقت انتباه العالمِ بأسره .

من جهة أخرى كيف ترون موقف ترامب مابعد التغيّرات في المشهد السياسي الامريكي خاصة انتخابات الكونغرس، وهل ستؤثّر على سياسات ترامب في العالم العربي واقصد العراق وسوريا واليمن ؟
التغييرات التي حصلت بعد الانتخابات النيابية النصفية للكونغرس الامريكي ستترك أثرها القريب والبعيد على الأحداث الداخلية لأمريكا وكذلك في الشرق الأوسط والعالم.

وسبب ذلك يعود الى خسارة الرئيس ترامب للأغلبية الجمهورية داخل مجلس النواب ما يعني فقدانه سلطة التفرد باتخاذ القرارات المصيرية وإبرام المعاهدات والصفقات العسكرية ورسم السياسة الخارجية رغم فوز اتباعه الجمهوريين باغلبية ضئيلة في مجلس الشيوخ، والسبب يعود الى كون مجلس الشيوخ لا يحق له مناقشة امر ما دون تقديمه من قبل مجلس النواب ، وبكلمة أخرى، فإن ما يعترض عليه مجلس النواب، لا يحق لمجلس الشيوخ تقريره، وهذا يشكل صفعة لترامب في عجزه أمام إقالة القاضي موللر الذي كان، ولا يزال يلاحقه في التحقيقات المتعلقة بالدور الروسي في فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية عام 2016، وهذا اول الغيث .. وبكل تأكيد فإن ترامب قبل الانتخابات لم يعد كما هو بعدها، وسينسحب ذلك على مجمل السياسة الامريكية في الشرق الأوسط في ظل انقسام أمريكي عميق مُجتمعي وسياسي حول الهجرة وشؤون الحروب والتدخلات العسكرية الخارجية والحكومة الاتحادية تنوء بحمل الديون الخارجية الثقيلة التي تجاوزت العشرين تريليون دولارا بحسب ميزانية العام 2018.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115