قال الكاتب والباحث اللبناني محمد محمود مرتضى في حوار لـ«المغرب» أنّ السؤال الاهم الذي يلي اعتراف السعودية بمقتل الصحفي جمال خاشقجي يتعلق بهذه الجرأة التي دفعت بدولة أن تقتل أحد مواطنيها بهذه «الصلافة» على اراضي دولة اخرى . وتابع محدثنا أنّ «»الولايات المتحدة الامريكية شريكة بطريقة او بأخرى في اعطاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شعورا بالأمان وعدم المساءلة في قضايا سابقة على غرار ما يجري في اليمن من قتل وحصار وتجويع ماجعله يقدم على هذا الفعل الشنيع المتعلق بقتل خاشقجي» .
• لو تقدمون لنا قراءة في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي ومآلاتها؟؟
إن قضية الخاشقجي من القضايا الفريدة التي حصلت، لا من ناحية كيفية القتل، بعد أن شهد العالم العربي صورا ابشع من هذه الطريقة على يدي داعش وأخواتها، وإنما لناحية المكان الذي وقعت به واعني مبنى دبلوماسي.
السؤال الاول الذي يطرح في هذا المجال يرتبط بالسؤال حول هذه الجرأة ان لم نقل الوقاحة التي دفعت بدولة أن تقتل أحد مواطنيها بهذه الصلافة، فما هي الاسباب التي تدفع هذه الدولة للقيام بهذا الفعل؟
الحقيقة انني لا ارى سبباً يمكن أن يجيب عن هذا السؤال إلاّ أن ولي عهد المملكة شعر بأمان مطلق جراء صفقات الاسلحة الخيالية وعمق علاقاته مع ترامب ومستشاره كوشنير ما دفعه الى ان يشعر أنه ليس فقط فوق القانون وانما ايضا فوق أي محاسبة، وانه طليق اليد في فعل كل ما يشاء. من هذه الجهة يمكن اعتبار الولايات المتحدة الامريكية شريكة بطريقة او بأخرى على الاقل في اعطاء بن سلمان شعورا بالأمان وعدم المساءلة بل ربما ايضا اعتبار المجتمع الدولي شريكا أيضا اذ ان صمت هذا المجتمع عما يجري في اليمن من قتل وحصار وتجويع ومنع دخول الادوية وهي جريمة موصوفة شجع بن سلمان على الاقدام على هذا الفعل وفق مقولة: ان لم يعارض المجتمع الدولي كل هذا الاجرام بحق شعب كامل فلن يتحرك من اجل عيون رجل واحد.
• كيف ستكون تداعيات مقتل جمال خاشقجي داخل البلاط السعودي وعلى صعيد العلاقات بين الرياض وواشنطن ؟
في البداية علينا أن نركز قاعدتين أساسيتين الاولى ان الامريكي لا يرتبط بشخص بل بمصالح فهو يدافع عن شخص ما طالما ان مصالحه تقتضي ذلك فإذا تهددت هذه المصالح تنازل عن هذا الشخص لصالح شخص اخر. القاعدة الثانية: أن الاولوية الامريكية في السعودية هي استقرار الحكم فيها لاستكمال نهبها. فطالما ان المملكة تملك المال، فالأولوية حفظ الأمن وعندما ينفد المال لا مانع من ذبح البقرة لبيع لحمها.
من هنا أقول إنّ المصلحة الامريكية وتحديدا ادارة ترامب تنحو منحى الحفاظ على المكتسبات المالية التي حققتها، وتوجه الرئيس الامريكي في هذا الشأن واضح. من هنا لا ارى تراجعا من الادارة الامريكية في دعم بن سلمان إلا بثلاثة شروط: الاول تراجع الجمهوريين عن الضغط المستمر في هذه القضية، والثاني تقديم السعودية «سردية» اكثر اقناعا حول مقتل الخاشقجي وربما ينبغي أن يكون الشخص الذي يجب ان تتم التضحية به اكبر من الاسماء المطروحة، الثالث اقناع تركيا بتقديم نتائج تحقيق لا تكشف الحقائق تماما وهذا يعني ان مفاتيح اللعبة ليست كلها بيد واشنطن.
ومهما يكن من أمر فان ما قام به ولي العهد داخل العائلة الحاكمة قد خلط الكثير من الاوراق وصعب اختيار البدائل بل حصرها في ابناء سلمان. من هنا يبدو أن ثمة احتمالين اذا ما قرر الامريكي اجراء تعديلات في الحكم: الاول اعادة انعاش تعيين ولي ولي العهد لكن ذلك يحتاج تعديل النقطة «ب» من المادة الخامسة في النظام الاساسي للحكم والذي ادخله الملك
سلمان عندما عين ابنه وليا للعهد، وهذه النقطة تقول: « لا يكون من بعد ابناء الملك المؤسس ملكا ووليا للعهد من فرع واحد من ذلك الملك المؤسّس»، طبعا النقطة تحتاج الى تعديل في حال كانت النية تعيين خالد بن سلمان وليا لولي العهد على سبيل المثال.
الاحتمال الثاني: عزل مؤقت ( أو هو يقدم استقالته) لمحمد بن سلمان وتعين بديل عنه، ثم يعود من بوابة ولي ولي العهد. وأيضا سيحتاج الى تعديل للفقرة اذا كان المطروح خالد بن سلمان ايضا.
يمكن القول ان ترامب كان يقدر على المماطلة والتسويف لتبرئة بن سلمان إلاّ أن حصول الجريمة في توقيت الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة قد يدفع ترامب تحت ضغوط حزبه للتضحية ببن سلمان. من هنا ربما المفتاح الوحيد لتبرئة بن سلمان موجود بيد اردوغان.
• من الملاحظ ان الموقف الاوروبي كان حادا مقارنة بالموقف الأمريكي هل من الممكن رؤية تصعيد غربي ؟؟
اثبتت الكثير من المواقف أن الاوروبي مهما عارض المواقف الامريكية فانه لن يذهب بعيدا في هذه المعارضة، هو يتحرك تحت تأثير الرأي العام، والرأي العام بشكل عام نفسه قصير، غالبا ما ينسى (أو يجعلونه ينسى) بسرعة عبر فتح موضوعات جديدة يتلهى بها. للأسف لقد اظهرت السنوات الاخيرة بشكل لا لبس فيه ان المصالح الاقتصادية تتفوق على كل المبادئ الانسانية.
• هل من الممكن ان تواجه السعودية عزلا اقتصاديا دوليا ؟
العزل الدولي بدأ بالفعل، ولا ينهيه أو يرفع من مستواه إلا أمر من أمرين: اما سردية اكثر اقناعا من قبل المملكة لتفاصيل الجريمة وفي المقابل استقالة ولي العهد، وإما بيانا تركيا يوضح فيه نتائج التحقيق سواء اكدت تورط بن سلمان ( وبالتالي يجب تنحيه لتفادي العزل) او برأته بعد تسديد الثمن لتركيا.
• كيف ستستفيد تركيا من هذه الحادثة وماتعليقكم على كلمة اردوغان ؟
من الواضح أن تركيا هي المستفيد الاكبر مما جرى، هي تعتبر أن ما قُدم لها هو كنز على طبق من ذهب. رغم الغزل بين اردوغان والملك سلمان عن عمق العلاقة، إلا أن الجميع يعرف أن هذه العلاقة متدهورة منذ الاطاحة بمحمد مرسي في مصر، ثم محاولة الاطاحة بأمير قطر.
وقد جاءت كلمة اردوغان معبرة عن ان المصالح فوق كل اعتبار ..ويبدو ان غياب الجديد عن كلمة اردوغان بخلاف ما كان سائدا في الصحافة التركية قبل الكلمة يوحي بان قضية الخاشقجي دخلت في بازار التسويات الثلاثية: أمريكية-سعودية- تركية.