بهدف فرض إجراءات سلامة إضافيّة تهدف إلى ضمان سلامة الجنود الرّوس في سوريا وتعزيز الدفاعات الجويّة السورية،جاء في وقت تمرّ فيه المُعادلة السورية بمنعرج مصيري هامّ على الصّعيد الميداني والسّياسي الدّاخلي والإقليمي والدّولي أيضا. وأعلنت وزارة الدفاع الروسيّة، أمس الاثنين، أن موسكو ستقدم نظام صواريخ «إس300-» سطح-جو إلى حليفتها سوريا، في غضون الأسبوعين المُقبلين.
ويأتي هذا التطوّر بعد أيام قليلة على اسقاط سلاح الجور الاسرائيلي لطائرة استطلاع روسية في السماء السورية وهو ما قالت روسيا انه ‘’عمل متعمّد ستدفع اسرائيل ثمنه’’ رغم نفي الكيان الاسرائيلي. يشار الى ان حكومة فلاديمير بوتين التزمت على امتداد 5 سنوات بطلب ‘’إسرائيلي’’ يدعو الى عدم تسليم نظام «إس300-» إلى النظام السّوري لما يمثله من تهديد مباشر لأمنها في المنطقة. وتتمتع هذه الصواريخ المتطورة بالقدرة على إشراك الأهداف المحمولة جوا على مسافة تصل إلى 250 كيلومترا.
الدور الروسي في سوريا
من جهته قال الكاتب والمحلل السياسي العراقي ثائر عبطان حسن لـ«المغرب» انه مُذ بدء الأزمة السورية عام 2011 واندلاع الحرب الأهلية فيها ولحين دخول القوات الروسية بثقلها العسكري وطيرانها الذي حسم الصراع لصالح الحكومة السورية والقضاء على داعش في ثلثي الاراضي السورية وحصرهِ في أدلب بمعركة مؤجلة بموجب الاتفاق الروسي- التركي . وأضاف «خلال كل تلك السنوات كان لروسيا موقف وسط ومحايد بعض الشيء فيما يخص ‘’اسرائيل’’ وتدخلها في الأزمة السورية ، وقد عقدت اتفاقات عسكرية حساسة جدا مع اسرائيل بعد الازمة التي نشبت بينهما عام 2013 حين أعلنت روسيا بأنها ستزود سوريا بمنظومة الدفاع الجوي المتطورة أس 300 ما أثار حفيظة ‘’اسرائيل’’ ليتم توقيع اتفاق آخر جديد ترجئ خلاله موسكو تسليم هذه المنظومة الدفاعية مقابل قيام اسرائيل بمشاركة روسيا وإحاطتها علما بكثافة طلعاتها الجوية في الأجواء السورية وسماء البحر المتوسط ، وكذلك عدم التعرض او المساس او قصف أي موقع او مناطق عسكرية تتواجد فيها القوات الروسية او عددا من مستشاريها».
واشار محدثنا الى انه تم تعديل الاتفاق عام 2015 بعد دخول القوات الإيرانية وحلفائها من المليشيات الشيعية من العراق ولبنان ليكون أكثر تفصيلا بتعدد بنوده ، لتعدد الأطراف الإقليمية الفاعلة في الساحة السورية ليشمل في آخر تعديل له عام 2017 ابعاد القوات الإيرانية والقوات الموالية لها عن حدود الاراضي المحتلة مالا يقل عن 180 كيلو متر ، وهذا ما تم الاتفاق حوله وتنفيذه فعلا بين روسيا وإيران ، دون الإعلان عنه في الاعلام وفق تعبيره ، وتابع عبطان حسن ‘’ فقط علمنا ذلك قبل ساعات من الان بتصريح من وزير الدفاع الروسي شويغو في معرض شرحه لإلتزام روسيا بكافة بنود الاتفاقات العسكرية مع الجانب الاسرائيلي ، لكن اسرائيل بعملها الأخير في التسبب في إسقاط طائرة الإستطلاع الروسية ال ٢٠ وعلى متنها خمسة عشر عنصرا من خيرة ضباطها العسكريين ، هذا العمل دفع بروسيا لاتخاذ رد صارم يوازي حجم الكارثة التي لحقت بسمعة وهيبة جيشها المتعاظم النفوذ في المنطقة’’ .
أبعاد تزويد دمشق بـ«اس 300»
واعتبر محدّثنا أنّ هذا الرد القاضِي بتسليم منظومة صواريخ اس 300 الدفاعية ستكسر أسطورة سلاح الجو الاسرائيلي الذي بقي متفوقا على جيرانه العرب لأكثر من نصف قرن من تاريخ المواجهات العسكرية ، وهذا يعني ان ‹›اسرائيل›› ستفكر مليا قبل إرسال أَي طائرة لها على اجواء سوريا ، والتي هي منفذها الجوي الوحيد أيضا في قصف مواقع حزب الله في جنوب لبنان ، لتكون هي الخاسر الأكبر هنا في إسقاط الطائرة الروسية ، وتقدم لإيران مكسبا على طبقٍ من ذهب كانت تحلم به منذ سنين طوال .
واكد الكاتب العراقي أنّ التنسيق الأمريكي - الاسرائيلي على الصعيدين السياسي والعسكري ليس كسابق عهده والسبب الاول يعود الى تخبط الادارة الامريكية في سياستها الخارجية بشكل كبير في عهد ترامب بسبب تعدد الأقطاب صاحبة اتخاذ القرار وتصارعها داخل الادارة الامريكية نفسها بل وحتى في البيت الأبيض بعد استقالة أكثر من نصف مستشاري ترامب بسابقة لم تحدث في تاريخ الولايات المتحدة منذ نشأتها قبل مئاتٍ من السنين ، وهذا ما حدث بوضوح في دور أمريكا العسكري المتذبذب وانسحابها من الرقة اولا ، ومن ثم تخليها عن القوات الكردية التي دربتها وسلحتها وأنفقت عليها مئات الملايين من الدولارات لتجعلها بين مطرقة القوات التركية ، وسندان النظام السوري وفق قوله.
وتابع «وعليه فإن الموقف الامريكي - الاسرائيلي على الارض السورية ضعيف جدا ، قياسا الى النفوذ العسكري المتعاظم لروسيا مدعوما بأكبر قوتين عسكريتين على أرض الشرق الأوسط وهما تركيا وإيران اللتين دُفعتا قسرا بحكم تهور وتخبط السياسة الخارجية الأمريكية التي جمعت ثلاثة فرقاء أشداء ، لم يلتقوا يوما في خندقٍ واحد منذ قرون، لكنهم وجدوا نفسهم الْيَوْمَ في قائمة واحدة تجمعهم في خندقٍ واحد وهي قائمة العقوبات الامريكية التي طالت في تأثيرها السلبي والتدميري رغيف الخبز ، والعملة الوطنية لمجتمعات هذه الدول الكبيرة الثلاث ، والتي في النهاية ليس لديها ما تخسره في هذه المواجهة مع المتغطرس الأمريكي - الاسرائيلي الذي لم يترك لهذه الدول أيّ خيارٍ آخر ‘’.
العلاقات الروسية - الامريكية
وأشار الكاتب العراقي ان تأزم العلاقات الروسية - الامريكية وتابعتها اسرائيل لم يكن مفاجئا ، لكنه ظهر للعلن بعد وصول ترامب بلهجته البعيدة عن الدبلوماسية ، ليفصح عن المخفي في دهاليز وأروقة البنتاغون والكونغرس والبيت الأبيض ليكسر بذلك قواعد اللعبة السياسية في التعاملات الدولية ، مثل مافعل مع السعودية وطالبها بدفع مبالغ مقابل حمايتها العسكرية امام الملأ والإعلام ، ونفس الشيء فعل مع حلفائهِ في الناتو ، بل وحتى اسرائيل طالبها علنا بدفع كل تكاليف بناء السفارة الامريكية المزمع افتتاحها في القدس المحتلة ‹›.مضيفا انه قد بدأت نقطة اللاعودة في العلاقات الروسية - الامريكية قبل سنوات لحظة بدء فرض عقوبات أمريكية - اوروبية على روسيا بسبب احتلال روسيا لجزيرة القرم ودعمها للإنفصاليين الأوكرانيين ، حينها كانت اسرائيل تزود أوكرانيا وهي العدو اللدود لروسيا بالمعدات والأسلحة المتطورة ، وما إسقاط الطائرة الروسية الأخير إلا القشة التي قصمت ظهر البعير ، لتضع بوصلة الأحداث المتسارعة في الشرق الأوسط باتجاهها الواضح والمُعلن ، لا بشكله الخفي على مدار سنواتٍ طوال .